يوم قصد فنيش السرايا موفدا من نصرالله!

عاد لبنان إلى ممارسة "هوايته" أو التقليد التاريخي الذي اتسم به، ألا وهو عودته صندوق بريد لنقل الرسائل الإقليمية بحيث لا تزال أرضه خصبة لتلقف أي حدث في المنطقة، الأمر الذي برز بعد الاعتداء الإسرائيلي على الضاحية وسقوط الطائرتين الاستطلاعيتين الإسرائيليتين. لكنّ الأمر المؤسف يتمثل في “عودة حليمة إلى عادتها القديمة” من خلال التشكيك والتخوين واستذكار المواقف السياسية في حرب تموز، وذلك ما ذكره الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير في بلدة العين البقاعية.

وهنا يقول وزير ونائب سابق عاش تلك المرحلة للنهار: "كما قال الرئيس فؤاد السنيورة، وأنا شاهد على ذلك، لدينا المحضر الموثق يوم جاء الوزير محمد فنيش إلى السرايا وكيف كانت حاله عندما اخبرنا ما طلبه منه الأمين العام لحزب الله، أي السعي لوقف إطلاق النار. لذا لا يعيدوا الكرة اليوم، وإن تبدلت الظروف والمعطيات، لأنّنا ندرك خلفية ما يجري من خلال الدفاع المستميت عن إيران من لبنان. والسؤال المطروح: ما دامت إسرائيل قد شنّت غارات على مواقع إيرانية للحرس الثوري وللحزب في دمشق، فلماذا لم ترد إيران من دمشق؟ الأمر عينه بالنسبة الى الجيش السوري بحيث قُصفت العاصمة السورية"، مشيراً إلى أنّ كل المعطيات الديبلوماسية تؤكد أنّ ثمة حلقة واحدة لما جرى أخيراً من عقوبات اميركية على إيران. الأمر عينه ينسحب على حزب الله، وصولاً إلى استهداف إسرائيل لقواعد إيرانية وللحزب في سوريا، ما أدى إلى الرد من لبنان بالسياسة والتهديد العسكري. هذا ما يذكّر بمقولة القيادي الفلسطيني صلاح خلف "أبو إياد"، انّ "طريق فلسطين تمر من جونيه"، مضيفًا أنّ قصف مقر الجبهة الشعبية القيادة العامة في قوسايا يصب في المعطى ذاته لأنّ هذه الجبهة هي ضمن "محور الممانعة" ومدعومة من النظام السوري وطهران و"حزب الله". وقد أكد المسؤول الإعلامي فيها أنور رجا، مواجهة إسرائيل والاستعداد لذلك، ما يثير التساؤلات حول ما يُحضّر للبنان.

في السياق، وأمام ما يتهدّد لبنان من مخاطر وتداعيات على المسار الداخلي بحيث يبرز انقسام عمودي بين الأفرقاء اللبنانيين، وصولاً إلى حالة اقتصادية يرثى لها، كيف سيكون وضع لبنان أمام أي حرب جديدة؟ وبالتالي هل هناك دعم دولي ومساعٍ ديبلوماسية للجم التصعيد ومنع هذه الحرب؟ لماذا لم يصدر موقف روسي يندد بالاعتداء الإسرائيلي رغم التحالف الذي يربط محور الممانعة بموسكو؟ وإن كان ذلك، كما يقول سفير لبناني سابق لـ "النهار"، يشكّل بدعةً بحيث ان لموسكو ارتباطات ومصالح إقليمية ودولية، فهناك اليوم ايضاً اتصالات تركية – روسية – إسرائيلية حول الوضع في شمال سوريا ومنع حصول حرب في إدلب، وسوى ذلك من التنسيق الميداني بين هذه الأطراف، وصولاً إلى العلاقة التكاملية بين موسكو وتل أبيب، اي ان ثمة مغالاة في وصف الرئيس الروسي بـ "أبو علي بوتين".

من هذا المنطلق، يشير السفير السابق الى انّ موسكو ومن خلال المعلومات المتأتية من أوساط ديبلوماسية، ستبقي على سفيرها ألكسندر زاسبكين، وهذا ما أكدته "النهار" قبل أشهر يوم قيل انّ هناك تغييرًا ديبلوماسيًا سيحصل في لبنان. فالروس يهتمون في هذه المرحلة بمسألة النازحين، وبالتالي يملك السفير زاسبكين اطلاعاً كاملاً على الملف اللبناني وبات متمرسًا بكل الشؤون اللبنانية الداخلية، وسيستكمل هذا الموضوع وفق الإمكانات المتاحة.

ويخلص مشيرًا إلى أنّ لروسيا علاقات في المنطقة وعلى المستوى الدولي، ولن تكون طرفًا أو ستضغط على إسرائيل لمنع أي عدوان على لبنان. فكل ما يحصل اليوم هو في سياق تبادل الرسائل والضغوط، وقد يكون هناك رد من "حزب الله" من خلال إسقاط إحدى طائرات الاستطلاع الإسرائيلية بغية تسجيل تعادل إيجابي وإرساء معادلة بين الطرفين المتنازعين، لكن لن تكون هناك حرب على غرار تموز 2006. ويلفت إلى أنّ الفرنسيين هم أكثر من يتحركون للجم أي عدوان إسرائيلي على لبنان، ويماشون الأميركيين في عقوباتهم على الحزب، لا بل يزايدون عليهم في هذه المرحلة. علماً ان ثمة خصوصية تاريخية تربط لبنان بباريس، ومن المؤكد أنّ اللقاء الذي جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد تناول الوضع في لبنان وقد دعا ماكرون ايران الى عدم زج لبنان في أي حرب، على أن تتولى باريس الأمور المرتبطة بالسلاح النووي الإيراني والعقوبات المفروضة على طهران ضمن الإطار الديبلوماسي.

وجدي العريضي – النهار