التصعيد يعيد رسم المواقف الدولية المتضاربة…ومعطيات مصرية جديدة هذا الأسبوع؟!

بدا رئيس الجمهورية جوزف عون في تكرار إعلانه استعداد لبنان للتفاوض واعتماد خيار التفاوض الحصري كأنه يقارع تعاظم احتمالات تعرّض لبنان لحرب إسرائيلية جديدة لم تتوقف الصحافة الإسرائيلية عن التبشير باعتبارها شبه حتمية، فيما لا يني “حزب الله” وداعمته إيران في المقابل عن رفع شعارات التحدي والرفض لتسليم السلاح، بما يتقاطع ضمناً مع سياسة تقديم الذرائع لإسرائيل وتبرير المواقف الدولية الضاغطة بشدة تصاعدية على الحكم والحكومة في لبنان.

وفي حين تواصلت أجواء التهويل والتخويف بالحرب من دون اتضاح أفق أي وساطة بعد، لا أميركية ولا مصرية، من شأنها بلورة الإطار التفاوضي المحتمل بين لبنان وإسرائيل بما يردع احتمالات الحرب ويبرّدها، عكست أوساط ديبلوماسية مواكبة للمشاورات اللبنانية الجارية بين المسؤولين معطيات جازمة حيال ضرورة استعجال الدول الوسيطة وضع صيغة تقاوضية يوافق عليها لبنان وإسرائيل، لتجنب الانزلاق مجدداً إلى خيار التصعيد الحربي.

ولم تقطع هذه الأوساط سلباً بإمكان أن يتلقى لبنان هذا الأسبوع معطيات مصرية جديدة تتعلق بالموقف الإسرائيلي من التفاوض غير المباشر أو المباشر، علماً أن الإدارة الأميركية تنشط بدورها لبلورة إطار تفاوضي، ولو أن نبرة الموفد الأميركي توم برّاك القاسية حيال لبنان في حديثه الأخير لم تترك أي انطباعات مرنة حيال طبيعة الوساطة الأميركية.

كما أن الساعات الأخيرة شهدت “عودة” محتدمة للمواقف الديبلوماسية الخارجية من لبنان، الأمر الذي فسر بأنه نتيجة استشعار خطورة التهديدات بتصعيد العمليات الإسرائيلية، فيما طوّر برّاك مواقفه مشدداً على أنّ الحوار هو السبيل الوحيد لتسوية الخلافات القائمة بين لبنان وإسرائيل.

وفي لقاء مع صحافيين في تركيا، قال برّاك: “إنّ رئيس الولايات المتحدة يتصل ببوتين، ويتصل بالرئيس الصيني، أفلا يستطيع الرئيس عون أن يرفع السماعة ويتحدث إلى نتنياهو ويقول له: كفى، لنضع حدًّا لهذا العبث، ولنُنهِ هذه الفوضى؟”.

وأُدرج موقف رئيس الجمهورية جوزف عون أمس، بقوله إن “ليس أمام لبنان إلا خيار التفاوض” في إطار محاولات نزع الذرائع الإسرائيلية في شأن خيارات الدولة اللبنانية واستقطاب التأييد الدولي لموقف لبنان من التفاوض، بما يضغط على إسرائيل لتجنب تصعيد عملياتها في لبنان. وقد أعلن عون “أن ليس أمام لبنان إلا خيار التفاوض، ففي السياسة هناك ثلاث أدوات للعمل، وهي الديبلوماسية والاقتصادية والحربية. فعندما لا تؤدي بنا الحرب إلى أي نتيجة، ما العمل؟ فنهاية كل حرب في مختلف دول العالم كانت التفاوض، والتفاوض لا يكون مع صديق أو حليف، بل مع عدو. ولغة التفاوض أهم من لغة الحرب التي رأينا ماذا فعلت بنا، وكذلك اللغة الديبلوماسية التي نعتمدها جميعاً، من الرئيس نبيه بري إلى الرئيس نواف سلام”.

ووسط ترقب لما ستتكشف عنه الأيام المقبلة في شأن اقتراح الحل الذي يعمل على خطه مدير المخابرات المصري حسن رشاد وما قد يكون تبلّغه الرئيس سلام في مصر خلال لقاءاته المتنوعة على مدى يومين، برز تطور لافت حيال ترددات الكلام العاصف الذي صدر قبل أيام عن الموفد الأميركي توم برّاك، وتمثل في رد نادر للمبعوث الأميركي السابق إلى لبنان آموس هوكشتاين على مواقف خلفه توم برّاك.

وعلّق هوكشتاين، عند سؤاله عن رأيه في وصف برّاك للبنان بأنه “دولة فاشلة”، فقال: “إن لبنان يعاني بالفعل من مشاكل وتحديات اقتصادية ضخمة. وعوضاً عن التفكير في أخطائهم، علينا نحن، المجتمع الدولي، أن نقول إنه بعد حرب 2006، كان “حزب الله” وإيران من قاما بإعادة الإعمار، وإن كنا لا نريد لهما أن يفعلا ذلك، فعلينا نحن أن نتقدّم بأموال ومقاربة حقيقية لإعادة الإعمار. نولي أهمية كبيرة لإعادة الإعمار في غزة وننظم مؤتمرات، ويجب أن نفعل الأمر عينه للبنان”.

وتابع: “يجب أن نبرهن للناس في جنوب لبنان أن المجتمع الدولي لا يظهر فقط عندما يكون هناك قصف، بل أيضاً لإعادة إعمار الطرقات والمزارع وإعادة الكهرباء. فعندما يكون هناك فراغ ما، غالباً لا يملؤه أناس خيّرون”.

وفي إطار داعم للبنان أمام هذه اللوحة التصعيدية، أعلن وزير الخارجية الفرنسيّ جان نويل بارو “أننا ندعم رئيس لبنان والحكومة لتحقيق كل أهداف وقف النار مع إسرائيل”، ودعا إلى نزع سلاح “حزب الله” وانسحاب إسرائيل من النقاط الـ5. وشدّد على استعداد فرنسا لاستضافة مؤتمر إعادة إعمار لبنان، وقال: “على لبنان مواصلة الإصلاحات الاقتصادية لتشجيع المانحين الدوليين”.

في المقابل، انبرى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران علي لاريجاني لانتقاد المبعوث الأميركي توم برّاك، فاعتبر أنه “أدرك صعوبة نزع سلاح “حزب الله” في لبنان، الأمر الذي دفعه لإطلاق تهديدات صريحة”. وقال لاريجاني: السيد برّاك، الذي يتحدث بسهولة ويفصل نواياه، قال عند وصوله للمرة الأولى، إن أمامكم 60 يوما، وعليكم نزع سلاح لبنان وما إلى ذلك، لكنه أدرك بعد ذلك أن هذا غير ممكن، فغضب وشتم عدة مرات. كما قال أخيراً: إما أن تستمعوا إلى ما نقوله أو أنتم تعلمون، أي أننا سنطالب إسرائيل بضربكم”.

أما ميدانياً، فشنت مسيّرة إسرائيلية بعد الظهر غارة بـ3 صواريخ موجهة مستهدفة سيارة على مفترق الشرقية وسط بلدة الدوير، ما أدى إلى مقتل محمد علي حديد، وإصابة 7 مواطنين بجروح واندلاع النيران بالسيارة المستهدفة وتوسّعها، فتسببت باضرار كبيرة بالمجمع التجاري الذي يضم 17 محلاً تجارياً. ولاحقاً استهدفت غارة من مسيّرة إسرائيلية دراجة نارية في حي أبو لبن في بلدة عيتا الشعب وأعلنت وزارة الصحة عن سقوط شهيد.

ليبيا تسلّم لبنان التحقيقات في ملف الصدر

برز تطور إيجابي كبير بين لبنان وليبيا تمثل في تسليم الوفد الرسمي الليبي الذي يزور بيروت، السلطات القضائية اللبنانية ملف التحقيقات الليبية التي أجريت في السنوات الماضية حول قضية اختفاء الامام موسى الصدر ورفيقيه في ليبيا، الأمر الذي سيؤدي إلى الموافقة على تخفيض كفالة هانيبال القذافي وإطلاقه.

وعقد الوفد الليبي الذي يزور بيروت سلسلة لقاءات تمثلت بالاجتماع مع المحقق العدلي في قضية اختفاء الصدر، القاضي زاهر حمادة، ورئيس لجنة متابعة قضية الصدر القاضي حسن الشامي والمدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار، وختمت بزيارة رئيس الجمهورية جوزف عون.

وكشفت مصادر قضائية أن الوفد أظهر تعاونًا جديّا مع الجانب اللبنانيّ، وكانت المفاجأة بتسليم لبنان التحقيقات الليبية السابقة التي طالب فيها لبنان مرارًا. هذه التحقيقات التي أجرتها ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي، واستجوبت شخصيات سياسية وأمنية ليبية كانت تملك معطيات حول قضية اختفاء الصدر. وأبدى الجانب اللبناني تعاونه مع الوفد الليبي ووافق على حلّ ملف هانيبال القذافي وخفض الكفالة ورفع منع السفر عنه خلال الأيام المقبلة.