الصرخة تعلو والأزمة المالية تتفاقم..."البيئة الحاضنة" تحاصر حزب الله بالدعاوى القضائية

يحاول "حزب اللّه" ومنذ العام 2000 أن يستعرض بالوسائل كافة إظهار نفسه بموقع القوي الذي لا يُهزم وعلى الجميع أن يخاف منه. لكنّّ الحرب الأخيرة حطّمت أسطورة "الحزب" وبات يفتقد سلطة التأثير.

عمل "حزب الله" منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران وتصديرها إلى لبنان على احتكار التمثيل الشيعي، وضرب كل حركات المقاومة في الجنوب، وتابع عمله بشنّ حرب ضروس على حركة "أمل"، وركّز عمله على احتواء العشائر والقضاء على البيوتات السياسية، واستعمل عنصر السلاح والمال والإيديولوجيا لإحكام قبضته.

وعد "حزب اللّه" الشيعة بدخول الجليل والقدس، فاستفاقوا على كارثة كبيرة دمّرت مناطقهم وباتوا غير قادرين على العودة إلى بلداتهم في جنوب الليطاني، فكانت الصدمة الكبرى، حيث ظهر "الحزب" كـ "نمر من كرتون"، وانكسر حاجز الخوف ليس لدى خصومه فحسب بل عند "البيئة الحاضنة" التي كان يركّز الأمين العام الراحل حسن نصرالله على تماسكها وقوّتها.

اللافت في ما يحصل، تجرّؤ هذه البيئة على "حزب اللّه"، وعلمت "نداء الوطن" أن الأمور بدأت تأخذ طابعاً اعتراضياً واسعاً داخل البيئة الشيعية منذ وقف إطلاق النار واكتشاف حجم الكارثة التي حلّت بالمجتمع الشيعي. وفي هذا الإطار، تشير المعلومات إلى تقديم عدد لا يستهان به من أبناء الطائفة الشيعية في الجنوب دعاوى قضائية ضدّ "حزب اللّه".

في التفاصيل، ينتمي من تجرّأ على هذا الأمر إلى البيئة الحاضنة لـ "حزب الله"، منهم من يقيم في الجنوب، وبعضهم من أهل الجنوب مقيمون في الخارج، والبعض منهم كان يرسل المساعدات، وبعد سريان وقف إطلاق النار، توجّهوا إلى المحاكم الجنوبية ورفعوا دعاوى بحقّ "حزب اللّه" بتهمة تخزين الصواريخ والأسلحة والذخائر تحت المباني السكنية وبين المدنيين، وحفر أنفاق في البلدات مرّت تحت منازلهم من دون علمهم، ما أدّى إلى استهدافها وتدميرها.

لا يزال قسم من السلطة القضائية يعمل تحت تأثير نفوذ "حزب اللّه"، وقد رُفضت معظم الدعاوى بحقّه "لأنها قُدّمت أمام القاضي المنفرد في الجنوب، وكان الجواب القضائي بعدم اختصاصه بمثل هذه الدعاوى، لذلك سيتقدّم قسم من الأهالي بدعاوى على "الحزب" أمام النيابات العامة بعد استشارة عدد من الحقوقيين.

قد تصل هذه الدعاوى إلى نتيجة أو لا، لكن الأساس هو كسر حاجز الخوف لدى البيئة الحاضنة لـ "حزب الله" وأهالي الجنوب، فالكوارث التي تسبّبت فيها حرب الإسناد والحرب الأخيرة حلّت دماراً هائلاً على أهالي المنطقة ولا يوجد من يعوّض عليهم، حتى الوعود التي قطعها الأمين العام لـ "الحزب" الشيخ نعيم قاسم، هي تعويضات رمزية لا تضاهي حجم الدمار، بسبب شح أموال "الحزب" لإعادة الإعمار، على عكس ظروفه المادية الوفيرة في "حرب تموز"،  وكان أشار قاسم في إطلالته الأخيرة إلى أن الإعمار مسؤولية الدولة بالتعاون مع الدول الصديقة، ولم يذكر أي مساعدات من إيران لإعادة الإعمار عكس ما حصل العام 2006، والجميع يعرف أن الدولة اللبنانية مفلسة ولا مساعدات لإعادة الإعمار قبل تسليم السلاح.

ومن جهة ثانية، بدأ الهمس داخل الدوائر الحزبية بوجود مشكلة كبيرة ستضرب "حزب اللّه" بعد تثبيت وقف إطلاق النار وعودة الدولة، تتمثّل باعتماد "حزب اللّه" منذ نشأته على طرق غير قانونية، فمن أجل تهريب أمواله وممتلكاته أنشأ نظاماً خاصاً به، وعمد إلى تسجيل مؤسساته بأسماء أشخاص، واشترى بعد الأزمة المالية في لبنان، مؤسسات عدة ومصانع وأراضيَ ومحطات وقود، وضعها بأسماء أشخاص من الطائفة الشيعية، وإذا كان قسم منها معروفاً، إلّا أن معظمها غير معروف ويشمل القطاعات كافة. والتخوّف الأساسي من اعتبار هؤلاء الأشخاص أن "حزب اللّه" انتهى بعد اغتيال نصرالله وكبار قادته، لذلك لن يعيدوا هذه الممتلكات والمؤسسات إلى كنف "الحزب".

وأتت ضربة سقوط النظام السوري لتقسم ظهر "حزب اللّه" ليس فقط من الناحيتين السياسية والعسكرية، إنما المالية أيضاً، فسوريا كانت معبر التهريب وتصنيع وتجارة الكبتاغون، وبحسب الأرقام كانت تدرّ هذه الصناعة نحو 5 مليارات دولار أميركي على النظام السوري و "حزب اللّه"، وقد خسر "الحزب" كثيراً من جرّاء هذا السقوط وفقد مداه الحيوي السوري.

وضع "حزب اللّه" لا يُحسد عليه، وإذا كان الشيخ قاسم يحاول الظهور في مظهر القوي، إلّا أن خطاباته لشدّ العصب، أما الحقيقة فحين ينهي الأمين العام للـ "حزب" خطابه ويكتشف ابن الجنوب عدم قدرته على العودة إلى بلدته، يسأل في قرارة نفسه عن أي انتصار يتكلّم الشيخ نعيم؟