المصدر: نداء الوطن
الكاتب: جوزيان الحاج موسى
الأربعاء 21 أيار 2025 07:56:08
في بلدٍ عاش عقوداً طويلة تحت وطأة التعتيم والتضليل، شكّل الإعلام السوري أحد أبرز أدوات السلطة في قمع الحقيقة، وتزييف الواقع، وتبرير الانتهاكات. لم يكن متاحاً الحديث عن صحافة حرة في ظل نظام قائم على الترهيب والتعذيب، يخضع الكلمة لرقابة أمنية صارمة، فتتحوّل المؤسسات الإعلامية إلى أصداء للسلطة، لا منابر للحقيقة.
غير أن الثورة السورية، التي انطلقت مطالبةً بالحرية والكرامة، أعادت الاعتبار للكلمة كفعل مقاومة، وللإعلام كأداة لمواجهة الظلم. فقد أدّى الإعلام الثوري دوراً مفصلياً في فضح الجرائم، وتوثيق الانتهاكات، وكسر جدار الصمت، مؤكداً أن الحرية تبدأ بالكلمة، وأن الصوت الحر لا يُقمع إلى الأبد. واليوم، في ظل محاولات إعادة البناء بعد سنوات النزيف، يسعى بعض المؤسسات الإعلامية السورية، ومن بينها صحيفة «الثورة» الرسمية، إلى فتح صفحة جديدة، في محاولة لمواكبة التحوّل نحو إعلام مسؤول يعكس الواقع بدلاً من تزويره.
في هذا السياق، توجّه فريق «نداء الوطن» إلى دمشق، ورصد تحوّلات المشهد الإعلامي من الداخل، حيث التقى رئيس تحرير صحيفة «الثورة السورية»، نور الدين الإسماعيل، الذي تحدّث بإسهاب عن التحديات التي تواجه الإعلام، وسُبل استعادة ثقة الجمهور بعد سنوات من التلقين والانهيار.
وفي حديث خاص لـ»نداء الوطن»، كشف الإسماعيل، أنه تسلّم مهامه قبل نحو شهر ونصف الشهر ، بعد مسيرة مهنية طويلة في صحافة المعارضة المستقلة التي وُلدت من رحم الثورة السورية. وأشار إلى أنه خلال حكم النظام السابق، كان من أبناء الثورة، ولم يتردد يوماً في التعبير عن انتمائه لها. فبالنسبة إليه، الحياد الإعلامي كان مصطلحاً مضللاً، بينما الموضوعية هي الأساس. نقل الخبر بموضوعية، لكنه لم يكن محايداً تجاه ثورة تمثل تطلعات السوريين، بعيداً من الطائفية والمصالح.
النظام يضلّل حتى في الطقس
عمله في الإعلام المستقل، كما يقول الإسماعيل ، استند إلى ضمير حيّ وإيمان بعدالة القضية السورية، مع التزام صارم بتوثيق جرائم النظام ضد المدنيين، ونقل المعلومة بدقة، ورفض قاطع للترويج لأي خبر غير موثّق. وأضاف:
«إعلام النظام كان يكذب حتى في النشرة الجوية، لذا اعتبرت أن مهمتي الأولى هي ترميم الفجوة بين الإعلام الرسمي والجمهور، وبناء جسور ثقة مفقودة».
الإسماعيل وصف واقع الإعلام الرسمي في عهد النظام البائد بأنه كان خاضعاً لهيمنة أمنية مطلقة، حيث تُفرض الأخبار من الأجهزة الأمنية وتُكتب بلغة دعائية تفتقر إلى أي مهنية. فالمحسوبيات والوساطات كانت تتحكم في التعيينات، ما أدى إلى دخول غير المؤهلين إلى الحقل الإعلامي، وتحولت المؤسسات إلى بيئات مترهلة، يغيب عنها الأداء الصحافي، ويتحول فيها الصحافي إلى موظف منفّذ.
كما أكد أن النظام كان يفرض مصطلحات بعينها على الوسائل الإعلامية، ويُلزم الصحف بنسخ الأخبار الرسمية من وكالة سانا أو التلفزيون الرسمي، بما فيها الأخطاء الإملائية. فغابت التفرّدية، وسيطرت لغة التلقين، ومصطلحات مثل «الجيش السوري الباسل» و»العصابات الإرهابية المجرمة» صارت عنواناً لفقدان الإعلام الرسمي روحه المهنية.
استعادة الثقة عبر صحافة مهنية
أولويته اليوم، كما قال الإسماعيل، هي إعادة بناء ثقة الجمهور، عبر صحافة مهنية ومحتوى موضوعي. فالمؤسسة الإعلامية بحاجة إلى إعادة تأهيل وتدريب شامل، لرفع كفاءة الكوادر. وقال: «لن أكون صوت الحكومة ضد المواطن، ولا العكس. بل همزة وصل قائمة على الموضوعية والابتعاد عن التطبيل والدعاية».
وكشف عن تواصل مع صحافيين محترفين من مؤسسات عربية ودولية، أبدوا استعدادهم لتقديم الدعم مجاناً. كما أوضح أن الانطلاقة الجادة للجريدة تحتاج من 3 إلى 6 أشهر، وأكد أن الصحافي يجب أن يكون صاحب قرار، لا موظفاً يتقاضى راتباً. لكنه أقرّ بصعوبة استقطاب أسماء بارزة بسبب الوضع الاقتصادي والرواتب المتدنية.
تعاون
وكشف أن الصحيفة ستُعرف باسم «الثورة السورية» بدلاً من «الثورة»، وستركّز على قضايا السلم الأهلي، والعدالة الانتقالية، والمصالحة المجتمعية، والمساءلة القانونية، في محاولة لرأب الصدع الذي خلّفته سنوات الحرب.
وأضاف: «نحن نؤمن أن المجرم لا يمثّل طائفته أو عشيرته، بل نفسه فقط، ويجب أن يُحاسب أمام القضاء، ولا يحق لأي جهة أخذ العدالة بيدها». وحذّر من الصحافيين الذين مارسوا «التشبيح» سابقاً، ولا يزالون يمارسون التضليل، معتبراً أنهم عقبة في وجه أي إصلاح حقيقي. وقال إن هؤلاء يضخّمون الأخطاء الفردية ويستخدمونها في حملات تهدد السلم الأهلي.
وأشار إلى انفتاح «صحيفة الثورة السورية» على التعاون مع وسائل إعلام عربية، لا سيما «نداء الوطن»، للاستفادة من خبراتها وتبادل التدريب والدعم التحريري. كما أشار إلى نيته رفع طلب رسمي لوزير الإعلام السوري لإرسال بعثات إلى دولتين عربيتين، بهدف الاطلاع على تجاربهما في الإعلام الرسمي والمستقل، للخروج برؤية قابلة للتطبيق تناسب الواقع السوري.
زوال النظام ينهي التوتر بين السوريين واللبنانيين
كما انتقد النظام الطائفي والمحاصصة في لبنان، مشيراً إلى أن المحاصصة تقتل الدولة، تماماً كما كانت تقتل المؤسسات في إدلب. وأضاف أن التوتر بين السوريين واللبنانيين سببه كان النظام، وبزواله، يزول سبب الخلاف. وختم بالقول:
«نُقدّر وقوف اللبنانيين إلى جانب اللاجئين السوريين، ولن ننسى فرحتهم يوم سقوط النظام، فقد شعرنا بمحبتهم الصادقة. بعض الحالات الفردية السلبية استُخدمت سياسياً، لكنها لا تمثّل عمق العلاقة الأخوية بين الشعبين».
وفي رسالته الأخيرة للإعلاميين قال رئيس تحرير صحيفة «الثورة السورية»: «كونوا على قدر مسؤولية الخوذة أو العدسة أو القلم. انقلوا وجع الناس باحتراف وموضوعية، بعيداً من الأجندات والانتماءات الضيقة».
وأضاف: «إلى السوريين: سنكون صوتكم، وسننقل معاناتكم للحكومة بصدق. وإلى اللبنانيين: أنتم شعب شقيق، ولن ننسى نبلكم ومحبتكم في أصعب الظروف».