بارقة أملٍ من قعر البحر والعين على لقاء باريس

انطبع المشهدُ في بيروت أمس بصورتيْن متناقضتيْن تعكسان من جهةٍ مساراً كارثياً يُنْذِر بمزيدٍ من تعميق الحفرة المالية والسياسية التي يتقلّب الوطن الصغير في داخلها، ومن جهة أخرى أن «سلالمَ النجاة» للإفلات من الارتطام المروّع واستعادة سكة النهوض مازالت متاحةً ارتكازاً على مسارات عدة أبرزها ثروة نفطية وغازية كامنة يتعيّن أن «يساعد اللبنانيون أنفسهم» على ضمان ألّا «يلفظ» بلدهم أنفاسَه قبل استخراجها وأن تُهيأ أرضيةُ استثمارها على قواعد من الشفافية وقفْل «ثقوبِ» الفساد والهدر التي تكاتفت مع الانحرافاتِ السياسية الحادة بعيداً عن «أحزمة الأمان» العربية والخليجية لتَفتح على «بلاد الأرز» أبواب... جهنّم.

وجاء التوقيع أمس في بيروت على الملحقين التعديلييْن لاتفاقيتيْ الاستكشاف والإنتاج في الرقعتين النفطيتين 4 و9 لمناسبة دخول شركة قطر للطاقة كشريكة (صاحب حق بترولي غير مشغّل) مع «توتال إنيرجيز» الفرنسية و«إيني» الإيطاليّة ليشكّل «صمام أمان» جديداً للواقع اللبناني وأفقه بحال جرى التقاط «الفرصة الأخيرة» لسدّ منافذ العواصف الهوجاء التي تتشابك غيومها السود في سماء «بلاد الأرز» ويُخشى أن تتداخل مع وقائع لاهبة في المنطقة تشي بأن تكون «شراراتِ» انفجار إقليمي كبير وليس أقلّها الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة والهجوم على مصنع عسكري في أصفهان.

وشكّلت احتفالية التوقيع التي أقيمت في السرايا الحكومية دفْعاً لعمليةِ الاستكشافِ والأنشطة البترولية في المياه اللبنانية ترجمةً لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل التي أُبرمت قبل نحو 3 أشهر، وقد حمّلها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أبعاداً ثلاث:

الأول أن «ائتلاف هذه الشركات المرموقة عالمياً يعزز ثقة الاستثمار في لبنان، بالرغم من الظروف الصعبة الذي يمّر بها، ويضع لبنان في المستقبل على الخريطة النفطية في الحوض المشرقي للبحر الأبيض المتوسط».

 

والثاني «أن موقع لبنان الجغرافي سيمكّنه من لعب دور محوري بالإضافة إلى الدول الصديقة في المنطقة لإمداد الغاز إلى أوروبا كما يشجع الشركات العالمية على المشاركة في دورة التراخيص الثانية للبلوكات البحرية الأخرى المطروحة للمزايدة».

والثالث أن «الاستثمار القطري في قطاع الطاقة يشكل شراكة استراتيجية بين لبنان ودولة قطر الشقيقة ويفتح الطريق مستقبلاً لاستثمارات عربية وخليجية على وجه الخصوص لما في مصلحة لبنان واشقائه العرب».

وعَكَسَ وزير الدولة لشؤون الطاقة العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لقطر للطاقة سعد بن شريدة الكعبي في كلمته في حفل التوقيع أهمية هذا التطور الذي تستحوذ بموجبه «قطر للطاقة على حصة 30 في المئة في الاستكشاف اللبناني»، لافتاً إلى «أن الاتفاقية مهمة كونها أتت عقب اتفاق ترسيم الحدود البحرية»، ومؤكداً «أن الدوحة موجودة لدعم لبنان دائماً والشراكة النفطية هي بابٌ من أجل تعزيز التنمية الاقتصادية في لبنان».

ومع تذكير الرئيس التنفيذي لـ«توتال إنيرجيز» باتريك بويانيه بـ «أنّ شركتنا ساهمتْ في الوصول إلى اتفاق ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل والذي حصل بدعم من الإدارة الأميركية ومن الإدارة الفرنسية ودولٍ عديدة»، وكشْفه أنّ «هذا الأسبوع سنبدأ بالمسح الذي سينتهي منتصف السنة ليتم البدء بالتنقيب أواخر العام الجاري وحفر الآبار سيبدأ في الربع الثالث من 2023»، فإن أوساطاً سياسية استحضرت لمناسبة هذا الحدَث التاريخي أن باريس ستكون الأسبوع الطالع محور حِراك إقليمي - دولي يسعى إلى مزيد من «تصفيح» الواقع اللبناني بانتظار أن «يستفيق» اللبنانيون ويُمسكوا بزمام انتشال بلدهم من القعر السحيق وملاقاة خريطة الطريق العربية – الخليجية – الدولية التي تشكل المبادرة الكويتية إطارها الناظم ببنودها الـ 12 التي تتناول جوهر الأزمة اللبنانية بشقيْها السيادي السياسي والإصلاحي.

 

ومع العد العكسي لاستضافة باريس في 6 شباط اجتماعاً على مستوى المديرين في وزارات الخارجية للولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر ومصر يتناول الملف اللبناني، تحدثت تقارير عن أن وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا ستستبق اللقاء بزيارتين لكل من السعودية والإمارات في موازاة محطة مرتقبة للسفير المكلف بتنسيق المساعدات الدولية الى لبنان بيار دوكان في كل من القاهرة وعمان ثم بيروت.

وتتقاطع المعطيات عند أن هذا الحِراك هو من ضمن محاولةً لتجديد ما بقي من «بوليصة تأمين» للوضع المُفْجِع في «بلاد الأرز» عبر مساعدات إنسانية وأخرى للجيش وقوى الأمن الداخلي، بالتوازي مع حضّ الأطراف السياسيين على الوفاء بالتزاماتهم في ما خص الإصلاحات الشرطية لبلوغ اتفاق نهائي مع صندوق النقد يفتح الباب أمام دعم الدول المانحة ولاسيما بحال راعت الانتخابات الرئاسية ضرورة وصول «رئيس يمكنه توحيد الشعب اللبناني ويعمل مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لتجاوز الأزمة الحالية» وفق ما كان جاء في البيان الثلاثي الأميركي – السعودي – الفرنسي في سبتمبر الماضي.

ولكن لا شيء في بيروت يشي بأن ثمة اقتناعاً لدى القوى الوازنة بوجوب إنهاءِ لعبة «الانهاك» الخطيرة رئاسياً التي تستولد توتراتٍ باتت معها البلاد واقعياً، إلى جانب الفوضى الدستورية الشاملة، «بين ناريْ» وضعٍ مالي لا تنفكّ معه الليرة تنتقل من قاع إلى آخر وسط «استراحاتٍ» قصيرة بفعل تدخلاتٍ «تخديرية» من البنك المركزي لم تعد تهدّئ من روع الاضطرابات المعيشية، وواقع سياسي صار يستدرج معارك حول كل شيء وآخرها سقط القضاء في شِباكها مع «الحرب» التي استعرت على خط المحقق العدلي في «بيروتشيما» القاضي طارق بيطار الذي استأنف من تلقاء نفسه تحقيقاته في القضية، وبين مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات الذي رد على ادعاء الأول عليه بادعاء مماثل بجرم «اغتصاب سلطة» وأطلق كل الموقوفين في الملف.

وفيما سينطبع الأسبوع الطالع بترقُّب ثقيل لمآل هذه المواجهة وإمكان ضبْطها من مجلس القضاء الأعلى قبل أن تخرج عن السيطرة وتستجلب احتقاناتٍ في الشارع الغاضِب والذي يُنْذر باستقطابات ذات طابع سياسي وطائفي، تحت عنوان دعم بيطار حتى النهاية والدعوة لعكْس قرارات عويدات، في مقابل رفْض لأي تطاول على مدعي عام التمييز أو مساءلة له، شكّلت المواقف التي أطلقها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل إشاراتٍ لا تحتمل إي التباس حيال وقوف علاقته مع «حزب الله» أمام مفترق الافتراق الكبير، وتمسكه برفْض خياريْ سليمان فرنجية الذي يدعمه الحزب كمرشح رقم واحد، وقائد الجيش العماد جوزف عون وكلاهما كانا محور هجوم ناري من باسيل.