سطوة "حزب الله" وتغيير الديموغرافيا: من "الرسول الأعظم" الى النبطية...أملاك المسيحيين سائبة

مخاطر التغيير الديموغرافي بخلفيات سياسية وفئوية، لا تنفك تتوالد زماناً ومكاناً، وكأنّ هذا الرهان بات جزءاً من أحلام الهيمنة والغلبة. وهو ما يتجلّى في الاستيلاء عنوة أو حيلة على أملاك عامة وخاصة وكنسية، ومن ضمنها مشاعات تعود لبلدات مسيحية في مناطق عدة.

يغيب عن بال كثيرين أن قانون الملكية العقارية الصادر في 12/11/1930 عن المفوّض السامي الفرنسي، ينصّ على أنّ العقارات المعتبرة مشاعاً أو لها طابع استثنائي وتقع في أراضي جبل لبنان المستقلّة السابقة، تبقى خاضعة لأحكام العرف والعوائد المحلية. ويعني أن مشاعات البلدات التي كانت ضمن نطاق المتصرفية يعود التصرف فيها إلى أهالي البلدات التابعة لها من خلال البلديات، وهذه المشاعات تختلف عن الأراضي الأميرية التي كانت ضمن أراضي الولايات التابعة مباشرة للسلطنة العثمانية وتحوّلت ملكيتها تلقائيّاً للدولة اللبنانية. ومن أبرز المشاعات المعنية مشاع بلدة العاقورة الذي يمتدّ إلى المقلب الشرقي للسلسلة الغربية في قضاء بعلبك، وقد حاول وزير المالية السابق علي حسن خليل تحويله إلى أراضٍ أميرية، تكرِّس وضع يد بعض أهالي منطقة بعلبك على جزء منه، لكن أبناء العاقورة تصدّوا له وما زالوا في المواجهة مع استمرار التعديات. أمّا في بلدة لاسا المجاورة، فوضع اليد على الأراضي التابعة لمطرانية جونية المارونية مستمرّ من دون رادع، علماً أن المطرانية نجحت في تسييج قسم كبير من الأراضي وتحتفظ بمختلف الوثائق التي تثبت ملكيتها، على الرغم من العراقيل المفتعلة في وجه القضاء كما تؤكّد مصادرها.

والأمثلة كثيرة في ما خصّ المشاع الموازي لبلدة تنورين وصولاً إلى اليمونة. أما جنوباً فإن قرى اختفت بكاملها أو تكاد بسبب عمليات الاستيلاء على الأملاك فيها أو تزوير الوقوعات العقارية كما هو حاصل في بلدة دردغيا.

وإذا كانت الضاحية الجنوبية في مرمى الغارات العشوائية المدمّرة لمناطقها المزدحمة، فإن بعضاً من العمران فيها ناجم عن تعديات على الأملاك الخاصة والكنسية، الأمر الذي قلب الضاحية من بلدات متنوّعة إلى أحادية مذهبية، لدرجة أن الأهالي الأصيلين هم الذين يمكن وصفهم بالنازحين أيضاً، على غرار المريجة - تحويطة الغدير وحارة حريك، حيث لم يبقَ مسيحي واحد فيها، وكان آخرهم عائلة تركت منزلها من طبقة واحدة وسط حديقة صغيرة في الحارة بعدما ضاق ربّ العائلة ذرعاً بالضغوط والابتزاز، علماً أنه كان من مؤيّدي "التيار" المتحالف مع "الحزب". ولا داعي لاستعراض فصول عملية الشراء المشبوهة لتلة الوروار في الحدث ثم استعادتها بمبالغ مضاعفة.

ويقول الأهالي إن هناك أملاكاً خاصة ما زالت لأصحابها قانوناً، وهي إما محتلة ومشغولة وإما وُضعت اليد عليها لتحويلها مستودعات وما شاكل، لا سيّما من قبل أفراد إحدى العشائر البعلبكية أو رموز في "حزب اللّه".

أما الأرض التي تعود لمطرانية بيروت المارونية، والتي بني عليها جزء من مستشفى "الرسول الأعظم"، "فلم تنجح المراجعات في تغيير واقعها الراهن، على ما يقول المطران بولس مطر الراعي السابق للأبرشية والذي حصل التعدّي خلال ولايته، إذ تمّ تقديم دعوى لا يُعرف أين مصيرها، علماً أنه تم منع المباشر الذي عيّنته المحكمة من الكشف على المكان، بل إن من استولى على الأرض بكاملها لبناء المستشفى عرض ببساطة أن تهبها المطرانية له!".

وثمّة أمثلة عدة على مدى سيطرة "الحزب" على أراضٍ واسعة في قضاء جزين بحجة إقامة مواقع دفاعية في وجه إسرائيل. يروي أحد أبناء بلدة مختلطة في القضاء، أنه حين أراد تفقد أرضه في خراج البلدة، وجد أن الطريق الترابية المؤدية إليها مقفلة بساتر حديدي، وعندما سأل قيل له إن المنطقة تحت هيمنة "حزب اللّه"، وبعد أخذ وردّ، وافق المختار الشيعي على مرافقته بعد الاستحصال على إذن من "الحزب"، ولم يستطع صاحب الأرض معاينتها إلا من مسافة تتجاوز المئة متر باعتبار أن المنطقة عسكرية.

ويروي مواطن من أبناء بلدة في البقاع الغربي أن لديه أرضاً واسعة تصل مساحتها إلى نحو مئتي ألف متر مربع في منطقة مرج الزهور، وقد مُنع مراراً من زيارتها أو التصرّف بها، بل عرض عليه أحد كوادر "الحزب" سعراً رمزيّاً لبيعها.

والمثل الثالث لمواطن من شرق صيدا ورث أرضاً في إحدى بلدات قضاء النبطية، وعندما سعى منذ سنوات إلى التعرّف عليها بعد وفاة والده، فوجئ بأن أربع بنايات بطوابق عدة شيّدت عليها، وكان الجواب أنها بنيت خلال الحرب وأنها باتت أمراً واقعاً، و"إذا رغبت يمكننا دفع تعويض عنها"، كناية عن مبلغ بسيط جداً يقلّ بمئات المرات عن القيمة الفعلية للأرض!