المصدر: الراي الكويتية
الجمعة 7 شباط 2025 00:08:44
كادت الحكومة العتيدة في لبنان أن تولد، أمس،... اتُّخذت التدابير اللوجستية في القصر الجمهوري، وأُعدت الترتيبات البروتوكولية، وساد الانتظار نحو 90 دقيقة وهي مدة الاجتماع الطويل الذي انعقد بين رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس البرلمان نبيه بري والرئيس المكلف نواف سلام، قبل أن تحلّ المفاجأةُ «غير السارة» مع خروج بري من الباب الخلفي وبعيداً عن العدسات، ثم مغادرة سلام مُسْرِعاً لينكشف المشهدُ على خلافٍ أطاح بفرصة ولادة التشكيلة الحكومية وعلى ملامح أزمة تسارعت الاتصالات لاحتوائها.
«جمهورية الطائف»
لم يَسبق في «جمهورية الطائف» بلبنان وتحديداً منذ أن تولّى بري رئاسة البرلمان قبل 33 عاماً أن صعد إلى القصر الجمهوري قبيل إعلانِ حكومةٍ جديدةٍ من دون أن يكون الأمرُ ضمن «الإطار الناظم» بروتوكولياً وسياسياً لاستيلادها بعد أن يُخْرِج من جيْبه أسماء الوزراء الذين سيمثّلون المكوّن الشيعي ليتمّ إسقاطها على مرسوم التشكيل.
وشكّل هذا المشهد الذي ارتسم في قصر بعبدا تطوراً مدجَّجاً بالأبعاد، الإيجابية بالنسبة للبعض والسلبية للبعض الآخر، ولكن المشترَك بينها أنها عبّرتْ عن تَعَثُّرٍ في مسار تأليف الحكومة الجديدة في «الأمتار الخمسة الأخيرة» بفعل مطبٍّ رئيسي عنوانه الوزير الشيعي الخامس في حكومة الـ 24 و«الأمر لمَن» بتسميته و«مرجعيّته» مَن بعد أن يتولى مهمّاته.
أمس وبعد ليلٍ طويلٍ من المفاوضاتِ والاتصالاتِ لتذليل آخِر العقبات من أمام تأليف الحكومة الأولى في عهد الرئيس جوزف عون، لاحتْ مؤشراتٌ «لا لبس فيها» إلى أن إعلان أول حكومة يترأسها القاضي سلام قاب قوسين، وتحديداً منذ أن أُعلن أن الأخير وَصَلَ إلى القصر الجمهوري، ثم أن لقاءً ثلاثياً يُعقد في حضور رئيس البرلمان، وصولاً إلى تحضير «مراسم الولادة» واستدعاء الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية المولَج تلاوة المراسيم الدستورية.
لقاء «الترويكا»
ولكن مناخات التفاؤل بأن يَتَصاعَدَ «الدخان الأبيض» الحكومي، في واحدٍ من أول الأيام البيض التي تَقبض على لبنان هذا الشتاء بـ «ريشة» العاصفة «أسيل»، لم تَصمد طويلاً حيث ازداد مع طول مدة لقاء «الترويكا» الرئاسية منسوبُ الخشيةِ من «مَخاض عسير» تمرّ به عملية التأليف وخصوصاً في العقدة الأمّ المتمثلة بالمقعد الشيعي الخامس الذي أصرّ سلام على أن يؤول إلى لميا مبيض (وزيرة للتنمية الإدارية) مقابل رَفْض ثنائي بري و«حزب الله» الأمر وعرْض «اسم مضاد» هو القاضي عبد الناصر رضا الذي لم يقبل به الرئيس المكلف الذي بادره رئيس البرلمان «اعمِلها حكومة مبيّض» ثم غادر الاجتماع من الباب الخلفي للقصر.
وجوهر الخلاف حول «الشيعي الخامس» يتمثّل في نقطتين:
- الأولى أن ثنائي بري و«حزب الله» نجحا في الاحتفاظ بحقيبة المال للمكوّن الشيعي ولاسمٍ تفرّدا باختيارِه على قاعدة «ياسين جابر أولاً وثانياً وثالثاً إلى آخِر العدّ»، وهو ما «خُصّ» به هذا الفريق خلافاً لكل القوى الأخرى المُشاركة في الحكومة بأسماء من كفاءات مسيّسة وغير حزبية اختيرت بتشارُك مع رئيسيْ الجمهورية والحكومة المكلف، وذلك لاعتباراتٍ تتصل بأن هذا المكوّن «الجريح» في ضوء نتائج «حرب لبنان الثالثة» والذي يواجه «رياحاً معاكسة» قوية تهبّ من تحولات جيو - سياسية عميقة في الإقليم تؤدي إلى ضمور مجمل المحور الإيراني، يحتاج إلى ما يشبه «المداراة» في التعاطي معه لبنانياً بما يجنّب حشْره في زاويةٍ قد ترتدّ سلباً على «لبنان الجديد» الآخذ في... التكوّن.
ومن هنا بدا أن «مراعاة» الثنائي في حقيبة المال ومَنْحها لاسم أصرّا عليه، رغم اعتراضاتٍ من غالبية قوى المعارضة على جَعْل «التوقيع الثالث» في السلطة التنفيذية (على المَراسيم إلى جانب رئيسي الجمهورية والوزراء) وما ينطوي عليه من قدرة تعطيلية كبيرة بيد بري و«حزب الله»، اعتُبرت مبادرة «حسن نية» يمكن البناء عليها للذهاب إلى «القطبة الخفية» التي لم تَعُد خافية على أحد في «عقدة المقعد الشيعي الخامس».
- وهذه القطبة تشكل النقطة الثانية من الخلاف وتتمحور حول رفض سلام امتلاك أي فريق «التعطيل الميثاقي» الذي سيكون في يد الثنائي الشيعي بحال احتكر المقاعد الشيعية الخمسة لأسماء تدور في فلكه ولو عن بُعد، وسط خشيةٍ من أن يتمّ «تفعيل هذه القنبلة» المزروعة في جسم الحكومة في أي توقيت يختاره بري و«حزب الله» وعند أي أزمة قد تطلّ برأسها في ما خصّ عناوين بالغة الأهمية يتعين على مجلس الوزراء التصدي لها، سواء على المستوى الإصلاحي أو الأهمّ السيادي المتصل بحصرية السلاح في يد الدولة واتفاق وقف النار مع إسرائيل ومراحله اللاحقة، ومع استعادةٍ لتجرية 2006 حين استقال وزراء الثنائي من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة (على خلفية المسار الدولي للتحقيق والمحاكمة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري) وتم وسْمها بـ «غير الميثاقية».
مورغان اورتاغوس
وفي حين أشارت تقارير إلى أن الخلاف لم يقتصر على المقعد الشيعي الخامس بل شمل أيضاً منْح حقيبة الصناعة لـ «القوات اللبنانية» وتحفُّظ الثنائي الشيعي على حصولها منفردة على 4 حقائب وازنة بينها الخارجية (السيادية) ومطالبته بحصة أكبر، فإن كلامَ سلام بعد انتهاء الاجتماع الثلاثي وقوله رداً على سؤال حول اذا كان «مشي الحال» في عملية التشكيل «مشي الحال وما مشي الحال» عَكَسَ أن مسار التأليف ربما يكون تَراجَعَ أكثر من خطوة إلى الوراء في الوقت الذي يحتاج لبنان إلى إكمال عقد مؤسساته الدستورية لمواجهة التحديات التي تشكّلها «الحرب المعلَّقة» وقطع الطريق على أي تعقيداتٍ إضافية يمكن أن تطلّ في ضوء التشدّد الكبير الذي أظهرته إدارة الرئيس دونالد ترامب في التعاطي مع ملف غزة كما مع «حزب الله» وفق الرسالة الحازمة التي حُمّلت إياها الموفدة مورغان اورتاغوس التي وصلت أمس إلى بيروت.
ولم يكن عابراً ما أوردته «رويترز» قبيل وصول اورتاغوس عن أن «من المقرّر أن تنقل رسالةً حازمةً إلى القادة اللّبنانيّين مفادها أنّ الولايات المتّحدة لن تتسامح مع النفوذ غير المضبوط لـ «حزب الله» وحلفائه في تشكيل الحكومة الجديدة».
وأوضح مسؤول في الإدارة الأميركيّة وديبلوماسي غربي ومَصادر حكوميّة إقليميّة أنّ «الرّسالة ستتضمّن إشارة إلى أنّ لبنان سيتعرّض لعزلة أعمق ودماراً اقتصادياً، ما لم يشكّل حكومةً ملتزمةً بالإصلاحات والقضاء على الفساد وكبْح جماح «حزب الله» المدعوم من إيران».
وكشف مسؤول أميركي بارز للوكالة أنّ «واشنطن لا تختار أعضاء الحكومة بشكل فردي، لكنّها تريد ضمان عدم وجود دور لحزب الله فيها»، مشيراً إلى أنّه «كانت هناك حرب وهُزم حزب الله ويجب أن يظل مهزوماً... أنت لا تريد شخصاً فاسداً. إنه يوم جديد للبنان. والحكومة بحاجة إلى مواكبة هذا الواقع الجديد».
«الرؤساء الثلاثة»
وفي موازاة ذلك حذّرتْ أوساط سياسية من خطأ شكلي ولكن مَعانيه جوهرية وشكّلتْه صورةُ «الرؤساء الثلاثة» يبحثون عملية التأليف، معتبرة أنه رغم ما كُشف عن أن الاجتماع كان مقرّراً منذ مساء الأربعاء، ويَقتصر على عون وبري بهدف السعي لتذليل العقبات وأنه عند طرْح رئيس البرلمان اسم القاضي ناصر اتّصل رئيس الجمهورية بسلام الذي كان يزور دار الفتوى فقرر الرئيس المكلف التوجه إلى بعبدا، فإنّ هذه الصورة أثارت غباراً حجب النقاط الإيجابية التي عبّر عنها «صمودُ» سلام عند رفْضه التنازل في ما خص المقعد الشيعي الخامس واعتماده «المرونة المتشددة» في مقاربة عملية التشكيل، وتظهيرُ الثنائي على أنه لم يَعُدْ قادراً على فرْض الأسماء التي يريدها وترْكه المعنيين بالتشكيل «يأخذون عِلماً بها» في اللحظة الأخيرة.
وبحسب هذه الأوساط، فإن بري الذي كان نُقل عنه «لن أزور قصر بعبدا، قبل أن أوافق على الاسم الشيعي المقترَح ويجب أن يزورَني ويصعد إلى بعبدا بمعيتي»، بدا في «الجانب السلبي» من الصورة، وكأنّه ما زال يملك «الفيتو» في الملف الحكومي بدليل أن المراسيم لم تصدر بعد رفْضه مبيّض وأن الاتصالات مستمرّة للتفاهم على مَخْرج، ناهيك عن دلالات تظهير أن ثمة إدارة «مثلثة الرأس» لمسار التأليف يجعل رئيس البرلمان شريكاً بطريقة أو أخرى في عمليةٍ محصورة دستورياً برئيسي الجمهورية والحكومة المكلف، في الوقت الذي كان التفاوض حول الحصة الشيعية يتم عبر موفدين من بري وحزب الله ومع سلام.
وفي حين أفاد مكتب الإعلام في رئاسة الجمهوريّة أنّه «عُقد في قصر بعبدا اجتماع ضمّ رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النّواب ورئيس الحكومة المكلّف خُصّص للبحث في التّشكيلة الحكوميّة الجديدة»، موضحاً أنّه «تمّ خلال اللّقاء عرض المراحل الّتي قطعتها عمليّة التّشكيل، وجرى الاتفاق على مواصلة سلام مشاوراته مع الجهات المعنيّة، لاستكمال عمليّة التّأليف»، بدا أن مآلَ الملف الحكومي قد يكون متجهاً نحو إما حكومة أمر واقع، وإما استنزاف المزيد من الوقت الثمين، وإما اختراقٌ قريب صعب، وإما اعتذار الرئيس المكلف الذي حرص على إصدار بيان أكد فيه إصراره على «المضي في تأليف الحكومة، وعدم نيته الاعتذار بتاتاً».