يروي أساتذة متعاقدون لم يحالفهم الحظ بالتفرغ بالجامعة اللبنانية في دفعة العام 2014 كيف حاولوا التوسط لدى مسؤولين لإدخال أسمائهم في ملف التفرغ حينها ولم ينجحوا في مسعاهم. ويشيرون إلى أنه عندما توسط أساتذة مسيحيون في الشمال مع مسؤولين، بمن فيهم وزراء في الحكومة حينها، كان الجواب حصة المسيحيين عند التيار العوني والقوات اللبنانية، غيروا طائفتكم فتقبل الوساطة.
بعد ثماني سنوات على تفرغ آخر دفعة، ما زال الأساتذة المتعاقدون ينتظرون دورهم لإقرار مرسوم التفرغ. وكان يفترض أن يحمل نهاية العام الحالي بشرى سارة لهم برفع ملف التفرغ إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ويكون بمثابة "عيدية". لكن سنة 2023 مضت ولم تحمل لهم النهاية السعيدة. وما حصل في العام 2014 يتكرر لناحية كيفية انتقاء الأسماء والوساطات التي يجريها المتعاقدون للحظ أسمائهم. وهذا حال دون قبول الملف الذي سبق وأعده رئيس الجامعة بسام بدران. وقد نقل عنه أنه بالنسبة له الأولوية هي معيار حاجة الجامعة اللبنانية بمعزل عن طائفة الأستاذ. لكن هذا الأمر هو فقط في العلن. أما في المضمون فالاعتراض على هذا المعيار أن "حاجة الجامعة" أمر فضفاض وحمّال أوجه. فقد جرى التعاقد مع مئات الأساتذة في السنوات الأخيرة من دون أي حاجة. في المقابل طالت هجرة الأساتذة حصة المسيحيين. أما تفرد رئيس الجامعة في اختيار الأسماء ووضعهم في جداول الأوليات، فقد أثر على نصيب الأساتذة المتعاقدين الذين لم يتفرغوا منذ العام 2008.
تفرّد رئيس الجامعة
مصادر مطلعة على اجتماعات بدران مع عمداء الكليات في الأسبوعين الأخيرين، تؤكد أن هذه الاجتماعات كانت شكلية. فقد كان رئيس الجامعة متفرداً برأيه عندما قال لهم أن الملف جاهز ومنتهي ويريد فقط تثبيت الأسماء فيه. فشعر العمداء أن لا حاجة لهذه الاجتماعات. وتبين لهم الأمر من خلال إصراره على الأسماء التي وضعها في ملفه. فعندما أبلغه العمداء أن هذا أو ذاك الأستاذ مسافر، أصر على ترك الأسماء كما هي ومن دون أي تغيير.
وتكشف المصادر أنه سبق وتواصل العمداء مع الأساتذة المسافرين لمعرفة مدى رغبتهم بالعودة إلى لبنان. وتبين أن غالبيتهم لا تريد العودة وغير مهتمة بالتفرغ في الجامعة. وقد أبلغ العمداء الرئيس بهذا الأمر، لكنه لم يحذف أسماءهم من الملف. ولم يفهم العمداء إصرار الرئيس على هذا الأمر الغريب، ولماذا لا يحذف الأسماء ويستبدلها بأخرى. ما دفعهم إلى الهمس بأن هذه اللقاءات شكلية ولم يكن لها أي حاجة أو داعٍ. فهو أعد الملف وتشاور معهم ليقول إنه قام بواجبه. بينما في المضمون كان يتصرف كرئيس جامعة خاصة، هذا رغم أنه في الجامعات الخاصة يوجد مجلس أمناء يأخذ أي رئيس برأيه.
توازن طائفي شكلي
وترجح المصادر أن إصرار بدران على ترك أسماء الأساتذة، رغم إبدائهم عن رفضهم العودة إلى لبنان، هدفه تأمين بعض التوازن الطائفي الشكلي، لا سيما أن غالبية الأساتذة المعنيين من المسيحيين. وهذا التوازن الشكلي يسهّل تمرير الملف في مجلس الوزراء. ليس هذا وحسب، بل إن البحث عن تأمين التوازن الشكلي بحدود مقبولة، استدعى إدخال أسماء أساتذة مسيحيين لا تزيد عقودهم عن مئة ساعة بالسنة. بينما بما يتعلق بالمسلمين يطبق ليس شرط النصاب الذي يجب ألا يقل عن مئتي ساعة، بل حاجة الكليات للاختصاصات التي يدرّسونها.
شعر العمداء أن بدران لا يريد الأخذ برأيهم ويريد "دوزنة" الملف مع وزير التربية عباس الحلبي الوصي على الجامعة، في ظل عدم تعيين مجلس للجامعة يحفظ لها استقلاليتها. فمنذ ثلاث سنوات، وفي ظل غياب مجلس الجامعة، تقتصر لقاءات بدران مع العمداء على كيفية تدبر شؤون الكليات اللوجستية: ماء وكهرباء وتنظيفات وبعض المصاريف. أما الشؤون المصيرية فيقررها مع وزير التربية ومع الجهات الحزبية. وهذا أحد الأسباب الذي يدفع إلى عدم تشكيل مجلس الجامعة. فالبعض لا يريد للجامعة أن تكون مؤسسة مستقلة بقراراتها.
انتهى العام 2023، الذي كان يفترض أن يقفل معاناة انتظار المتعاقدين، بلا أي انجاز. والمعايير "الخلاقة والمبدعة"، التي وضعت لتسهيل تمرير الملف (منها إصدار مرسوم واحد بجميع الأساتذة المستحقين وتقسيم دخولهم إلى التفرغ على ثلاث دفعات)، تم تنحيتها جانباً في انتظار تأمين التوزان الطائفي بين الشيعة والسنّة وبين المسلمين والمسيحيين. فهذا هو لبنان الذي يستقبله الأساتذة المتعاقدون، الذين يستحقون بالفعل التفرغ في العام 2024.