2025 سنة كسر الفراغ لا الأزمة...2026 عام القرارات الثقيلة والقدرة على الفعل لا الخطاب!

يطوي لبنان صفحة 2025 مثقلاً بتجربة لا بل تجارب قاسية، لم تقوَ على إسقاط الدولة بالكامل، لكنها لم تساعده على النهوض بعد. سنة علّمته أن تفادي الانهيار لا يكفي، وأن إدارة الأزمات لا تصنع وطناً، بل تؤجّل لحظة الحقيقة. سنة مثقلة بمحطات حفرت آثارها عميقًا كونها لم تخلُ من الخيبات على رغم ومضات الأمل. ومع دخول سنة جديدة، يقف البلد أمام امتحان لا يحتمل المواربة: إما تحويل ما تبقى من استقرار هش إلى مسار إصلاحي فعلي، أو الانزلاق مجددا إلى دوامة التآكل البطيء سياسيا واقتصاديا وأمنيا.

باختصار لم تكن سنة 2025 سنة عادية في تاريخ لبنان الحديث، بل شكّلت محطة مفصلية أعادت تحريك مؤسسات الدولة بعد سنوات من الشلل، من دون أن تنجح حتى الآن في إخراج البلاد من أزمتها البنيوية العميقة، ولتبقيها واقفة عند مفترق طرق: إما تثبيت مسار التعافي، أو العودة إلى دوامة الانهيار.

اولى البشائر التي استفاق عليها اللبنانيون كانت في التحوّل السياسي الذي حمل عنوان نهاية الفراغ الرئاسي مع انتخاب جوزف عون رئيساً للجمهورية في 9 كانون الثاني 2025 وتشكيل حكومة جديدة برئاسة نواف سلام وساهم ذلك في إعادة ترسيم المشهد السياسي في البلاد بعد فراغ طويل أنهك الدولة ومؤسساتها، واستعاد لبنان الحد الأدنى من الانتظام الدستوري، وفتح الباب أمام استعادة الحوار مع المجتمع الدولي.غير أن هذا التحوّل بقي شكليًا أكثر منه جذريًا بسبب الموروثات التي حملتها السلطة بدءا بنظام سياسي عاجز عن إنتاج قرارات حاسمة وبانقسام عميق حول القضايا السيادية والإصلاحية. وعليه انشغلت السلطة السياسية في 2025 أكثر بـإدارة الخلافات بدل حسمها، وبـاحتواء الضغوط بدل تحويلها إلى فرصة إصلاح.

سياسيًا، يمكن توصيف 2025 بأنها سنة كسر الفراغ لا كسر الأزمة. إذ عادت المؤسسات الدستورية إلى العمل بعد مرحلة طويلة من التعطيل، ما أعاد الحد الأدنى من الانتظام السياسي وفتح قنوات التواصل مع الخارج. إلا أن هذا الانتظام بقي محدود الفعالية إذ اصطدم سريعا بتوازنات داخلية معقّدة.

الملف السياسي الأبرز الذي سيحمل وزره اللبنانيون كما الحكومة ومجلس النواب هو الإنتخابات النيابية المقرر إجراؤها في أيار 2026 حيث لا يزال الصراع قائما بين فريق المعارضة وعلى رأسه القوات اللبنانية والأحزاب والشخصيات السيادية وبين الكتل النيابية التي تدور في فلك الثنائي الشيعي حول تعديل القانون لتمكين المغتربين من التصويت. وعلى رغم إصرار السلطة إجراء الإنتخابات في موعدها إلا أن المؤشرات تدل على تأجيلها من دون تحديد المهلة.   

اقتصاديًا، خرج لبنان في 2025 من مرحلة الانهيار المتسارع إلى مرحلة الجمود القاسي.  وصحيح أن التدهور السريع توقف، وسُجلت مؤشرات تحسن محدودة في بعض القطاعات لا سيما منها قطاع السياحة ، لكن من دون أي تعافٍ حقيقي. والواقع أن الإجراءات الاقتصادية التي طُرحت كانت تقنية أكثر منها إنقاذية، وافتقرت إلى رؤية شاملة تعيد بناء الثقة بين الدولة والمواطن. وبذلك بقي الاقتصاد مرتهنًا لعوامل خارجية، من الدعم الدولي إلى الاستقرار الأمني.

وما ميّز هذه السنة هوغياب الحل الشامل للأزمة المالية. فأزمة الودائع على حالها على رغم إقرار الحكومة مشروع "قانون الفجوة المالية" لمعالجة فجوة بقيمة نحو 80 مليار دولار بين الأموال المصرفية والودائع، في خطوة تعد الأكبر منذ الأزمة. وأحيل مشروع القانون إلى مجلس النواب وسط جدل وخلافات عميقة حوله ليبقى السؤال مطروحا في ظل النقاشات الحادة الدائرة حوله: هل يصدق على مشروع قانون الفجوة المالية من تحت قبة البرلمان عام 2026؟

محاولات الدولة تعديل التشريعات المصرفية وزيادة الشفافية بهدف استعادة الثقة الدولية وتحفيز التمويل الخارجي، لم يدفع بعامل الإستثمار قدماً بحيث بقي غائبا ولم يشهد لبنان أي بادرة أمل في هذا السياق باستثناء حركة المغتربين على أرض مطار بيروت وقد سجلت ارتفاعا ملحوظا هذه السنة. وكانت توقّعت تقارير دولية انتعاشا نسبيًا في بعض القطاعات مع نمو اقتصادي يبلغ نحو 4.7 في المئة في 2025 شرط استمرار الاستقرار النسبي والتقدم في الإصلاحات.

أمنيًا، كانت سنة 2025 محكومة بمنطق اللاحرب واللاسلم، إذ شهدت البلاد توترات متكررة على الحدود عدا عن الأحداث الأمنية التي كشفت هشاشة السيطرة الكاملة للدولة. لكن ما يمكن تسجيله تنفيذ الجيش اللبناني قرار سحب سلاح المخيمات دون نزع سلاح حزب الله باستثناء جنوبي الليطاني بحسب بيانات قيادة الجيش. أما شماله فدونه تعقيدات. ومن الخطوات الأكثر إيجابية القيام بحملات مكافحة الاتجار بالمخدرات وقد أدت إلى توقيف نوح زعيتر المعروف بتاريخه الحافل في تجارة المخدرات والقضاء على تجار آخرين من بينهم "ابو سلة".

بالتوازي تم الكشف عن فضيحة ضخمة تتعلق بتوزيع أدوية سرطان مزيفة في السوق اللبنانية، مما أثار غضبًا واسعًا وكشف مشاكل في الرقابة الصحية. وتم القبض على المتهمين الرئيسيين وأطلق سراحهم بعد تدخلات سياسية رفيعة المستوى!.

من الملفات السياسية الحساسة التي أُثيرت هذه السنة مسألة ترسيم الحدود البحرية مع قبرص، والقيام بمبادرات لفتح حوار حول الحدود البرية مع سوريا، ومساعٍ لإنهاء ملفات خلافية طويلة الأمد.

أما الحدث الأبرز فتمثل في تعيين السفير سيمون كرم في لجنة الميكانيزم وبدء عقد اجتماعات في كانون الأول للمرة الأولى بين ممثلين لبنانيين وإسرائيليين منذ أكثر من 40 عامًا على مستوى تقني حول مراقبة وقف إطلاق النار.

على خط النازحين السوريين، انطلقت خطة العودة الطوعية للاجئين السوريين بالتنسيق مع الأمم المتحدة هذه السنة وقد شكل الحدث تحديًا أمنيًا وإنسانيًا في آن واحد. لكن حتى الآن لا تزال هناك علامات استفهام ترسم حول الحدود غير الشرعية التي يدخل منها النازحون من جديد إلى لبنان إما للإستفادة من المساعدات الأممية أو العمل. وفي ما خص ملف السجناء السوريين لا يزال الملف يخضع لسلسلة ترتيبات قد تفضي إلى إيجاد تسوية ترضي الطرفين اللبناني والسوري على قاعدة "لا يفنى الديب ولا يموت الغنم".  

ولكن...لبنان لم يعد يملك ترف الوقت. وما لم تُترجم أحداث 2025 إلى مسار إنقاذي واضح في 2026، فإن احتمال دخول البلاد في مرحلة أكثر تعقيدا باتت قريبة وواقعية.

من هنا يجوز القول أن سنة 2026 لن تكون سنة الوعود الكبيرة، بل سنة القرارات الثقيلة، حيث يتوقف مقياس صدق السلطة بقدرتها على الفعل لا على الخطاب، وصبر اللبنانيين بحدود ما تبقّى من قدرتهم على الاحتمال. فإمّا بداية خروج من النفق، أو إطالة مقلقة لليلٍ بات طويلًا.