المصدر: النهار
الكاتب: ليلي جرجس
الأربعاء 17 كانون الثاني 2024 12:10:23
من المياه المعبّأة إلى الملح المستخدم في لبنان، ثمة حقيقة يتجاهلها كثيرون في شأن ما نشربه ونأكله على موائدنا، ثم يدخل إلى أجسامنا مع الموادّ الكيميائية الضارّة؟
قد تعكس أرقام الإصابات بالسرطان الصورة الدقيقة للاستخدام العشوائيّ والمقلق، الذي يرافق عملية التصنيع بدءاً من المزرعة وصولاً إلى المستهلك!
لكن الدراسة، التي أُجريت أخيراً، ونُشرت في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences، لم تكن نتائجها مفاجئة، إذ كشفت عن عبوات مياه تحتوي على قطع بلاستيكيّة أكثر ممّا هو متوقع بنحو 100 مرّة.
وجد الباحثون أن اللتر يحتوي على 240 ألف شظيّة بلاستيكية، ممّا يُثير مخاوف صحية خطيرة. ويبلغ حجم جزيئات البلاستيك الدقيقة أقلّ من خمسة آلاف ميكرومتر في حين أن حجم جزيئات البلاستيك النانوية أقلّ من ميكرومتر.
في العام 2019، أوضح منسق وحدة المياه والصرف الصحي والنظافة والصحة في منظمة الصحة العالمية بروس غوردون "أن المخاطر الصحية المتصلة بجسيمات البلاستيك الدقيقة تتمحور بشكل رئيسي حول ثلاثة جوانب، هي: خطر ابتلاع الجسيمات والمخاطر الكيميائية ثم تلك المتصلة بوجود بكتيريا متكتّلة".
نعرف جيداً أن ما نشربه ونأكله أصبح موضع شك منذ سنوات. والمؤسف أن وقع هذه النتائج الصّادمة يبقى محصوراً بالأقوال لا بالأفعال، وتبقى الاستخدامات العشوائية وغياب الوعي أكبر عدو للنيل من صحّة الناس.
منذ 4 سنوات، بدأ باحثون في جامعة سيدة اللويزة في لبنان بإجراء دراسة تناولت الملح المستخدم في لبنان، وقد نشرت نتائجها مؤخراً. والنتيجة؟
81 في المئة من العيّنات تحتوي، في أفضل الأحوال، على نوع واحد من الجزيئات البلاستيكية الدقيقة. هذه الدراسة، التي نُشرت منذ عام تقريباً في الـFood Control، تكشف بالأرقام عن مدى احتواء الملح المستخدم في الطعام على جزيئات بلاستيكيّة ونانونيّة وتأثيرها في صحة المستهلك اللبناني.
في العام 2018، بدأ لبنان يخوض أزماته تباعاً، ولم يُرد الباحثون إثارة المزيد من القلق. لكن اليوم، وبعد نشر الدراسة التي تناولت المياه المعبّأة، عادت إلى الواجهة دراسة مماثلة محليّة، تناولت الملح المستخدم في لبنان (شملت مختلف الماركات) لتؤكد على أهمية التنبّه لحقيقة ما نستهلكه، والبحث عن بدائل تقلّل من مخاطر هذه الموادّ على مختلف الأصعدة.
تتحدّث الباحثة في سلامة الغذاء، والأستاذة المحاضرة في جامعة سيدة اللويزة، الدكتورة كريستيل بو متري، لـ"النهار"، عن الدراسة الشاملة، التي تناولت كميات البلاستيك المهدورة في البحر وتداعياتها على الأصعدة كافة (الاقتصاد-البيئة-السياحة –سلامة الغذاء والصحة العامة-الثروة السمكية).
ووجدت الدراسة أن الجزيئات البلاستيكية الدقيقة والجزيئات النانونية التي تصل إلى البحر تدخل في سلسلة الغذاء (من المزرعة إلى المستهلك)، وفي الطعام الذي نتناوله.
وتشرح بو متري بأن هذه الجزيئات البلاستيكية عندما تكون موجودة في البحر تدخل إلى جسم السمكة، وبالتالي تصل إلى المستهلك. وقد أظهرت دراستنا أن هذه الجزيئات البلاستيكية الدقيقة موجودة أيضاً في ملح الطعام، إذ إن استخراج #الملح في لبنان ما زال يعتمد على الطريقة القديمة (سحب المياه وتبخيرها).
وأمام هذا الواقع، ماذا كشفت نتائج الدراسة؟
تؤكّد بو متري أن "الدراسة التي أجريت شملت كلّ أنواع الملح الموجود في السوق خلال الفترة الممتدة من 2019 إلى 2020. ووجدت أن أكثر من 81 في المئة من العيّنات تحتوي أقلّه على نوع واحد من الجزيئات البلاستيكيّة الدقيقة، في حين أن بعض العيّنات كانت تحتوي على 3 أو 4 أنواع من هذه الموادّ الكيميائية (احتوت بعض العينات على مختلف أنواع الجزيئات البلاستيكيّة، منها PET – PE- PVC).
وعن كمية التعرض لهذه الجزيئات عند تناول الملح؟
أظهرت الدراسة بالاستناد إلى استخدام الملح في الطعام أن "المستهلك اللبناني يتناول نحو 2375 قطعة من البلاستيك سنوياً مع الملح فقط. أما كمية الجزيئات البلاستيكيّة التي تأتي عن طريق الشرب المنتظم للمياه المعبّأة فتصل إلى 90 ألف جُزَيء.
وبالرغم من هذه الأرقام، فإن الدراسات ما زالت ضئيلة ومحدودة في هذا المجال، ولم يحدد بعد المعدّل المسموح لنعرف إن كانت هذه المعدّلات طبيعية أم تتخطّى الحدود.
ماذا نقصد بالجزيئات البلاستيكية؟
تعتبر الجزيئات البلاستيكية ملوّثات كيميائيّة، من شأنها أن تؤثر في الصحة البشرية، بالإضافة إلى الملوّثات الفيزيائيّة، ويمكن أن يكون حجمها كبيراً. يؤدّي ابتلاعها إلى الإضرار بالأمعاء أو إلى الاختناق المحتمل. وقد أظهرت الدراسات أن هذه الملوّثات قد تدخل في الدم وتنتشر في الجسم، بل قد تتمكّن من اختراق غشاء المشيمة عند الجنين. لكن دراسات أخرى أظهرت، بالرغم من محدوديّتها، قدرتها على الوصول إلى غشاء الدماغ.
وتشير بو متري إلى أن "هذه الموادّ، باعتبارها كيميائيّة، تحتوي على البيسفينول أ (BPA)، الذي يُستخدم عادة لإعطاء قساوة معيّنة للبلاستيك. كذلك من شأن الـDioxin أن يلوّث البيئة. أما الـphthalate فتستخدم للحصول على الشفافية والمرونة والمتانة، ولها تداعيات سلبية على الصحة.
وتشدّد على أنه من "المرجّح أن تتسبّب هذه المواد الكيميائية بالإصابة بالسرطان، إلا أننا نحتاج إلى المزيد من الدراسات لإثبات ذلك علمياً. ومن المهم الإشارة إلى أن الدراسات التي تناولت الجزيئات البلاستيكية والنانونية محدودة جداً، ووجدت بعضها صلة بين هذه المواد الكيميائية وجذب البكتيريا التي تضرّ بالأمعاء، والتي بدورها تُسبّب مشكلات صحيّة للشخص".
ما هي البدائل الصحية؟
تنصح الباحثة في سلامة الغذاء باتخاذ بعض الإجراءات والقرارات التي يجب تطبيقها على ثلاثة أصعدة:
الصعيد الأول- الحكومة: إقرار قوانين تفرض التخفيف والتقليل من استخدام البلاستيك في المصانع والمعامل، فضلاً عن إعادة التدوير بطريقة صحيحة.
الصعيد الثاني- المصانع: البحث عن بدائل للبلاستيك، واستخدام أنواع تتحلّل بسرعة، ولا تضرّ بالبيئة أو الصحة.
الصعيد الثالث: المستهلك: أهمية تكثيف التوعية بوجود الجزيئات البلاستيكية والسلوكيّات السلبيّة (رمي البلاستيك في البحر) التي تؤثر على الصحة. وكلّ عبوة بلاستيكية ترمى في البحر تعود إلينا عبر الطعام الذي نأكله.
والبديل هو عبوات وصحون زجاجية أو كرتونية أو... وقرار بتغيير نمط الحياة الشخصي والعائلي والمحيط.
فهل تجدي التحذيرات نفعاً، أم هل تتحوّل التوصيات إلى حقيقة ملموسة على أرض الواقع بدءاً من سلوكيّات الشخص وصولاً إلى التشريعات والممارسات الرسمية والصناعيّة؟