المصدر: النهار
الكاتب: ليلي جرجس
الجمعة 23 شباط 2024 08:20:09
في لبنان 2500 إصابة جديدة سنوياً بسرطان الثدي. 2500 امرأة يواجهن المرض بمقومات محدودة، وبصعوبة الحصول على الأدوية والعلاجات، وأخريات يعانين من تعذّر القدرة المادّية لإجراء الفحوصات اللازمة.
يتحدث رئيس الجمعية اللبنانية لمكافحة سرطان الثدي، والاختصاصيّ في أمراض سرطان الثدي البروفيسور ناجي الصغير عن وجود إصابات متقدّمة في السرطان، ويعود هذا الاستفحال في المرض إلى أسباب اقتصاديّة، بالإضافة إلى توقّف الحملات الوطنيّة المشجّعة على إجراء التصوير الشعاعيّ للثدي من خلال وزارة الصحّة اللبنانيّة.
عوامل كثيرة أثّرت بشكل أو بآخر في تأخير التشخيص، أو التأخّر في الحصول على العلاجات، ومع ذلك يحاول الأطبّاء والمعنيّون سدّ الفجوات بهدف تحسين نسبة الشفاء من مرض السرطان، وتسليط الضوء على العلاجات المختلفة المعتمدة التي تعطي نتائج إيجابيّة مذهلة.
تفاصيل صغيرة توقّف عندها الصغير، تُعتبر مهمّة في مسار التشخيص والعلاج، بدءًا من الصورة الشعاعيّة للثدي مروراً بفحص الخزعة ووصولاً إلى البرتوكولات العلاجيّة المعتمدة وفق كلّ حالة.
يؤكّد الصغير أنّ حوالى "80 إلى 90 في المئة من حالات السرطان التي شُخّصت في مرحلة مبكرة حقّقت شفاءً تامّاً بعد 10 سنوات على الإصابة"، وهذه النتائج الصادرة من الجامعة الأميركية في بيروت نُشرت في مجلة الجمعيّة الأميركيّة لعلاج السرطان سنة 2023. لكن ما يخشاه الصغير اليوم أن تتغيّر هذه النتائج في لبنان بسبب الأزمات الاقتصادية، وعدم قدرة المرضى على الحصول على تشخيص، وانقطاع العلاجات بين الحين والآخر.
حضن مركز الجامعة الأميركيّة في بيروت مؤتمر سرطان الثدي الثاني عشر، وكان التركيز حول أحدث تطوّرات التشخيص المخبريّ والإشعاعيّ والنوويّ والجينيّ، وحول جراحة الثدي الجزئيّة الترميميّة وغيرها من العلاجات المتطوّرة. والهدف؟ سدّ الفجوات في المعرفة، وفي الثغرات والسعي إلى اعتماد تعدّد التخصّصات في مجال سرطان الثدي، وتحسين الرعاية الطبيّة، ونسبة النجاة والبقاء على قيد الحياة.
نهج الكشف المبكر
يتحدّث الصغير في حديث لـ"النهار" عن أهميّة الكشف المبكر التي تقضي بإجراء التصوير الشعاعيّ للثدي سنوياً منذ سنّ الأربعين بالنسبة إلى عامّة النساء، ويشير إلى "الإرشادات الجديدة للجمعيّة الأميركيّة للسرطان التي توصي بأنّه في إمكان من هنّ فوق سنّ الـ 55 إجراء الصورة مرّة كلّ سنتين حسب عوامل الخطر لديهنّ. فالدول الأوروبيّة تعتمد إجراء الصورة مرّة كلّ سنتين، أمّا أميركا فتوصي بإجرائها مرّة كلّ سنة، نحن نوصي باتّباع الإرشادات الأميركيّة لأنّ نسبة سرطان الثدي مرتفعة في لبنان، خصوصاً أنّ 50 في المئة من حالات سرطان الثدي تصيب من هنّ دون سنّ الـ50".
أمّا بالنسبة إلى النساء اللواتي لديهنّ تغييرات في الطفرات الجينيّة (عامل جينيّ أو وراثيّ) فيُنصح بإجراء الصورة ما فوق الصوتيّة والرنين المغناطيسيّ السنويّ منذ سنّ الـ 25، في حين يُجرى التصوير الشعاعيّ للثدي منذ سنّ الـ35. ثمّ يُجرى فحص الخزعة لمعرفة المستقبلات البروتينيّة ( الأستروجين- البروجسترون- والـHER2- إيجابيّ 3+). وقد تمّ اعتماد إدراج الـ HER 2 الخفيف (الإيجابيّ 1+- الإيجابيّ +2) في خانة جديدة اسمها HER 2 LOW.
ما الجديد اليوم؟ يقول البروفيسور في الأمراض السرطانيّة أنّ دواء جديداً مضادّاً لـ HER2 الخفيف اسمه T-DXD أصبح متوفّراً اليوم، حيث يمزج بين دواء Trastuzumab والعلاج الكيميائيّ، فيلتصق الدواء على الخليّة ويتحرّر العلاج الكيميائيّ dxd إلى داخل خليّة الكتلة السرطانيّة لقتلها وقتل الخلايا المجاورة لها. وقد أعطى نتائج إيجابيّة لحالات HER2 الزائد والخفيف، ويُنتظر أن يتمّ تسجيل هذا الدواء في لبنان قريباً.
الحمل وسرطان الثدي
أُجريت مؤخّراً دراسة تتناول مسألة الحمل للنساء الناجيات من السرطان أو المصابات بسرطان الثدي، وفي هذا الصدد، أشار الصغير إلى "أنّنا قد نلجأ اليوم قبل البدء بالعلاج إلى طريقتين لتحسين فرص الإنجاب عند النساء اللواتي يتمّ شفائهنّ ويرغبن في الإنجاب:
الطريقة الأولى: تجميد البويضات قبل البدء بالعلاج الكيميائيّ.
الطريقة الثانية: إعطاء دواء لوقف "المبيضات" عن العمل، والتخفيف من تأثير العلاج الكيميائيّ عليها".
وعليه، فـ"بعد أن تخضع المرأة المصابة بسرطان الثدي للعلاج الهرمونيّ لمدّة 2.5 - 3 سنوات، نوقف الدواء الهرمونيّ لمدة 3 أشهر، وبعدها يمكن للمرأة أن تحمل، وبعد ولادة الطفل، تعود من جديد لتكمل العلاج الهرمونيّ حسب خطّة علاجها الأساسيّة".
الكتلة السرطانيّة الصغيرة
تختلف طريقة العلاج بين مريضة وأخرى وفق النوع الخبيث وسرعته وانتشاره، ولمعرفة كيفيّة التعاطي مع كلّ حالة بشكل أكثر دقّة، قد تخضع المريضة إلى فحص Mamaprint أو فحص Oncotype DX حتّى تُعرف مدى نسبة استفادة المريضة مع العلاج الكيميائيّ، لاسيّما أنّ الحالات السرطانيّة التي اكتُشفت في مراحل مبكرة قد لا يلزمها علاج كيميائيّ.
كما يساعد الكشف المبكر على إجراء جراحة جزئيّة ترميميّة من دون الحاجة إلى جراحة كاملة تفقد فيه المرأة ثدييها. كذلك أحياناً لا تُزال كلّ العقد الليمفاوية تحت الإبط، وإنّما يكتفي الجرّاح باستئصال العقدة الحارسة والتأكّد من نظافتها، وفي حال كانت النتيجة جيّدة ونظيفة لا يُضطرّ إلى إزالة باقي العقد الليمفاويّة.
ويشدّد الصغير على أهمية الجراحة الجزئية الترميمية وأن يكون الجرّاح متخصّصاً في جراحة الثدي، لأنّه يكون قادراً على تحديد مكان الكتلة السرطانيّة وكيفيّة ومكان شقّ الجلد واقتلاعها بطريقة سليمة، وإجراء هذه العملية بدقّة وبتخطيط متكامل ومتجانس، وترميم نسيج الثدي بحيث يحافظ قدر الإمكان على شكل الثدي كما كان من دون أيّ اختلاف أو فروقات.
هذا بالنسبة إلى الكتلة السرطانيّة الصغيرة، أمّا "المريضة التي لديها كتلة سرطانيّة كبيرة أو سرطان سريع النموّ والانتشار فالعلاج الكيميائيّ يكون أساساً. أمّا حالات السرطان الثلاثيّ السلبيّ فيكون الحلّ بإعطاء علاج مناعيّ مع علاج كيميائيّ بهدف تصغير الكتلة السرطانيّة قبل استئصالها بالجراحة. وفي حين تكون مستقبلات HER2 زائدة، فنعطي علاجاً مضاداً لـ HER2 مع العلاج الكيميائيّ لتصغير الورم، وفي حوالى 60 في المئة من الحالات يذوب الورم بشكل تام، قبل أن نجري جراحة جزئيّة ترميميّة للثدي".
نسبة الشفاء
يؤكّد الصغير أنّ نسبة الشفاء في المراحل الأولى قد تصل إلى ما بين 80 و90 في المئة، وتنخفض النسبة إلى 50 في المئة في المرحلة الثالثة من المرض، في حين يُعتبر الشفاء في المرحلة الرابعة صعباً ويصل إلى نسبة تتراوح بين 10 و20 في المئة، ولكن يمكن السيطرة على المرض لفترة سنوات طويلة حسب مواصفات الخلايا السرطانيّة، ويبشّر الصغير بأنّ الأبحاث الجديدة تركّز على اكتشاف وتطوير الأدوية الهادفة، والتي تزيد من نسبة القضاء على المرض، وزيادة الشفاء في حالات المرض المتقدّمة.
وهنا تكمن أهمية الأدوية، إذا كان عامل الخطر كبيراً حتّى في بعض المراحل الأولى من المرض، حيث نعتمد على العلاجات التي توقف الخلايا السرطانيّة عن النموّ مثل Ribociclib وabemaciclib مع العلاج المضادّ للهرمون. وقد أظهرت النتائج أنّها تزيد من فرص الشفاء.