3 هزات غير ارتدادية شعر بها اللبنانيون بعد زلزالي تركيا: قراءة علمية لما يجري

أثارت الهزّة التي سُجلت بالأمس بقوة 5.0 درجات على مقياس ريختر على البحر في منطقة أنطاكيا هلعاً عند المواطنين، هذه المخاوف التي تصحو عند حدوث كل هزّة تحوّلت إلى واقع لا يمكن الهروب منه.

ومع كل هزة تتوالى الأخبار التي يستند بعضها  إلى آراء علمية واضحة وموثوقة، وأخرى زائفة وكاذبة وبعيدة كل البعد عن الواقع الجيولوجي.
 
لم يعد لدى اللبنانيين القدرة على التحمّل أكثر، أصبحنا أكثر هشاشة نتيجة الأزمات المتتالية التي تضرب البلد منذ 3 سنوات. تصعب مواجهة الأخبار الكاذبة بعقلانية، بات الخوف والقلق سيدي الموقف، وهناك من يستغل هلع الناس بنشر تحاليل لا تمت للعلم بصلة.
 
هزتان جديدتان سُجلتا بالأمس وشعر بهما سكان المنطقة، بمن فيهم اللبنانيون، فهل هي هزات ارتدادية أم هزات تحمل وراءها ما هو أكبر من ذلك؟ هل هي مجرد هزات اعتيادية ولا داعي لإثارة الخوف والبلبلة؟ أسئلة كثيرة تُجيب عنها الأمينة العامة للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان الدكتورة تمارا الزين في حديثها مع "النهار".
 
لدى الزين الكثير لتوضيحه، الأخبار المغلوطة تطغى على الأخبار العلمية. وأهم النقاط التي يمكن شرحها بطريقة مبسطة وإزالة أي التباس قد يحصل أو سوء فهم لما يجري تنطلق من الآتي: إن الهزات التي شعر بها اللبنانيون منذ ما بعد حدوث زلزالي تركيا المدمرين، هي فعلياً 3 هزات: الأولى هي التي سجلت الأربعاء في ٨ شباط، وكان مركزها جنوب الهرمل، والهزتان الأخريان هما اللتان سُجلتا بالأمس، الأولى حصلت عند الواحدة والربع بعد الظهر والثانية عند التاسعة والدقيقة السابعة والأربعين ومركزها البحر وليس لبنان.
 
ومن المهم التشديد على أن هذه الهزات الثلاث ليست هزات ارتدادية. وانطلاقاً من العلم تشرح الزين "يعتبر علماء الجيوفيزياء أن الزلزال الذي حصل، وبسبب قوته وكبره والواقع الجيولوجي وتقاطع الفوالق في المنطقة (تركيا- حدود سوريا- لبنان) تنشط المنطقة زلزالياً، ويعدّ ذلك أمراً طبيعياً نتيجة مضاعفات الزلزال القوي الذي حصل في 6 شباط. وبالتالي، تحدث هزات جديدة بالإضافة إلى الهزات الإرتدادية، وهذه الهزات الجديدة لا يُطلق عليها تسمية ارتدادية حتى ةلو كانت جيولوجياً ناتجة عن مضاعفات الزلزال المدمر. وهذا ما يدفغنا إلى عدم ذكر الهزات الارتدادية ولو كنا ايضاً نسجلها ونكتفي بالهزات الجديدة، وتحديداً تلك التي كان مركزها لبنان (ولو كانت ضعيفة) وتلك التي يشعر بها اللبنانيون ومركزها خارج لبنان.

هل ما يُسجل اليوم من هزات يشير إلى حدوث زلزال مدمر آخر؟ تؤكد الزين أن "هذا جدل علمي، ولكن ما يمكن تأكيده بعد الهزتين اللتين سُجلتا بالأمس، أن وقوع الزلزالين في تركيا أدى إلى تغيرات واضحة في الضغط على الصفائح، ومع ذلك من المهم أن نشير إلى أن علم الزلازل يعتمد بشكل كبير على الاحتمالات. نحن كجهة علمية، عندما نرصد حركة مختلفة عما نسجله في السنوات السابقة نقول إن الاحتمالات بدأت تتغير. ولكن يصعب تأكيد ما إذا كان هذا الاحتمال متجهاً نحو حتمية زلزال مدمر أم أن هذا الاحتمال متجه إلى صفر.
 
وتعترف الزين أن "هناك مسؤولية علمية تجاه العالم يجب التحدث بها، وليس من مسؤولياتنا إثارة الهلع أو التطمين، عملنا هو نقل المعلومة العلمية كما هي. ومن جهتنا كمجلس وطني للبحوث العلمية أصدرنا بياناتنا بكل شفافية لنلخص ما سجلنا كهزات، وبالتوازي مع البيانات، نرسل تقارير إلى لجنة التنسيق لمواجهة الكوارث مع إضافة بعض الملاحظات حول ما سُجل والاختلافات أو التشابه مع ما نُسجله في العادة. هنا تنتهي صلاحيات المجلس، وبالتالي ليس من صلاحية المجلس دعوة المواطن إلى الخروج من منزله أو إلى اتخاذ أي إجراء فعلي على الأرض. كل ما ينقل عن لسان المجلس في هذا الإطار هو محض شائعات وتحوير. لذلك كل ما يتعلق بالإجراءات والإرشادات هي عند لجنة التنسيق لمواجهة الكوارث، كما أن الدفاع المدني والصليب الأحمر يعملان منذ مدة طويلة على الإرشادات التوعوية حول هذا الموضوع.

وتشير الزين إلى أننا "نفتقر كشعب إلى الثقافة التوعوية للتدريب على مواجهة الأخطار، ومن المهم تعزيز مفهوم الوقاية والتوعية خصوصاً في ظل الأزمات التي يمرّ بها البلد والتي تؤثر على الاستجابة في مثل هذه الظروف والتي قد لا تكون فعالة بشكل كاف. كما يجب التركيز على واقع الأبنية و‘جراء المسوحات اللازمة وتطبيق قانون السلامة العامة الصادر في العام 2012، (وقد يحتاج القانون إلى تعديل في ظل الواقع الجديد)".
 
أما عن التنبؤ والقدرة على تفسير فوري لما يجري، ترى الزين أن "الأرصاد الجوية مثلاً ترتكز على أدوات علمية تتيح لها توقع حالة الطقس والعواصف، في حين أن علم الزلازل يُعنى بدراسة باطن الأرض وأدواته لا تسمح تبفسيره بين ليلة وضحاها، وهي تستوجب سنوات من الدراسة والبحث لفهم الواقع الجيولوجي للمنطقة. وما جرى في تركيا كان بمثابة حدث نادر. ويقر الجيولوجيون بأنهم تعلّموا منه أشياء جديدة، حيث وقع الزلزال الأول وأدى إلى ضغط كبير انتقل إلى فالق ثانٍ وتسبب بزلزال ثانٍ في غضون 6 ساعات فقط، وهذا نادراً ما يحدث. وبالتالي، نؤكد أنه من باب المنطق العلمي، ما حصل مؤخراً أدى الى تغيرات، ولكن يستحيل حسم حتمية حصول زلزال آخر مدمر، أو اعتبار أنها مجرد هزات عادية ولو كانت تأتي في سياق جيولوجي واضح.
 
وأعادت هزة الأمس الحديث عن خطر حدوث تسونامي لاسيما أن نقطة الهزة كانت البحر، تشرح الزين أن "الخطر الأكبر للتسونامي هو عندما يكون مركز الهزة البحر، بالإضافة إلى موقعها وقوتها التي تؤثر في حدوثها وامتدادها. ومع ذلك، وفي كل الأحوال، تشدد إرشادات الصليب الأحمر والدفاع المدني إلى أهمية عدم التوجه إلى البحر في حال الشعور بأي هزة.