300 دولار "إنتاجية" للمعلم في الرسمي...

على الرغم من الازمات المتراكمة التي ضربت التعليم الرسمي خلال السنوات الماضية، إلا أنه يمكن العودة إذا توافرت جملة شروط ضرورية تشكل أساساً لاستمراريته وضماناً لحمايته. وبعيداً عن المواقف الشعبوية التي تنعي التعليم مرة ثم ترفعه إلى مرتبة التميز مرة أخرى، ثم التشكيك في إمكان نهضته، فإن انتظام الدراسة وتوفير مقومات الاستقرار ودعمه واحتضانه هي أحد العناوين الرئيسية لتصويب أموره، وهذه مسؤولية السلطة السياسية أولاً، لكنها أيضاً تعني الجميع أي الكادر التعليمي بكل فئاته وأيضاً الأهل، وينسحب الأمر على مؤسسات التربية ومديرياتها وصولاً إلى التفتيش وجهاز الإرشاد والتوجيه وكل المعنيين بالتربية.

وعندما نذكر التعليم الرسمي لا نستثني الجامعة اللبنانية كونها المؤسسة الرسمية الوحيدة للتعليم العالي وهي تستقطب ثلث طلاب لبنان وطالباته. ولعل العامل المهم أيضاً الذي يشكل نقطة الانطلاق هو فتح المدارس والثانويات، فأحد شروط استقرار التعليم هي الانطلاق بالسنة الدراسية الجديدة، فلو لم تبدأ الدراسة في المدارس والثانويات الرسمية الإثنين الماضي بغض النظر عن أعداد التلامذة الذين تسجلوا منذ 25 أيلول الماضي، لكنا اليوم أمام مأزق كبير ستكون معه المدارس الرسمية خالية من التلامذة، علماً أن المعلومات تشير إلى أن نسبة اعداد المسجلين جيدة أو أقله قد تصل إلى ما كانت عليه العام الماضي، وهذا يعني تجاوز لأزمة كانت محتملة وتكرر ما حدث في الثانويات الرسمية مطلع العام الدراسي 2022- 2023، حين امتنع جزء من الثانويين عن فتح المدراس واستقبال التلامذة ما أدى إلى هجرة عدد كبير منهم إلى الخاص.

العامل الثاني هو استمرارية التعليم، وهو شرط أساسي للحفاظ على التلامذة وتعويض الفاقد التعليمي أو أقله استكمال المنهاج في المواد كلها، فاي خلل خلال السنة ستكون عواقبه وخيمة، إذا ما تقررت مثلاً المقاطعة على طريقة الاضرابات المفتوحة طلباً لزيادات في الانتاجية أو غيرها من المطالب المرتفعة السقف التي لا تتحقق بمجرد إقفال المدارس. فالمهم في هذه المرحلة هو الحفاظ على المدرسة واعتبارها عنواناً تاسيسياً أو مؤسسة، فعندما تقفل لا يعود هناك معنى لا للمطالب ولا للتعليم. وإذا كان معلوماً أن التعليم الرسمي خسر خلال السنوات الأربع الماضية عشرات آلاف التلامذة، فإن لذلك أسباب تتعلق بالانهيار العام في البلاد والازمات المالية التي جعلت قسماً من الأساتذة خصوصاً في الثانويات يتجهون نحو مهن أخرى أو إلى الخاص، وعلى المقلبين جرى إهمال المدرسة الرسمية، من السلطة التي تعاملت معها بالتوظيف، وأيضاً بكادرها التعليمي أو بعضه الذي أخطأ في المقاطعة والإقفال من دون دراسة الجدوى وقياس الخسائر والأرباح، فدفع التعليم الرسمي أثماناً باهظة في الكثير من رصيده.

يمكن البناء على القرار الذي أصدرته وزارة التربية حول بدلات الإنتاجية، وهي أحد المطالب الرئيسية التي تحققت في الظروف الحالية للدولة المفلسة. وتتراوح البدلات التي ستمنح للمديرين والأساتذة بين 360 دولاراً شهرياً للمدير و300 دولار للأستاذ في الملاك أو التعاقد، و250 دولاراً للمتعاقدين في التعليم المهني. يضاف اليها رفع بدل ساعات التعاقد وبدل النقل، فضلاً عن الرواتب الإضافية. وبينما يشترط دفع البدلات كاملة الالتزام بأيام التدريس المقررة، إلا أن ذلك يشكل فرصة لاستعادة التعليم الرسمي تعافيه أو على الأقل إقلاع الدراسة بلا مشكلات تجنباً لصدمات قد تطيح بما أُنجز وتؤدي إلى الغرق والعودة إلى نقطة الصفر.

الفرصة اليوم مواتية للاقلاع مجدداً بالمدرسة الرسمية، إلى أن يحين وقت التحليق الذي لا يتم إلا بمقومات هي غير متوافرة اليوم، وبشروط يستعيد معها التعليم الرسمي رونقه. وإذا جرى السير في هذا الطريق لا بد من إعادة تفعيل عمل الاجهزة المعنية خصوصاً التفتيش التربوي والإرشاد والتوجيه وتكامل عمل المديريات في وزارة التربية وحسم جملة من الامور لها علاقة بالتعاقد والتمهين وفرض منطق أولوية التعليم على السلطة السياسية...