4 آب 2020 - 4 آب 2025: الذاكرة لم تنسَ... والعدالة آتية!

مرّت خمس سنوات، ولا تزال الساعة متوقفة عند السادسة وسبع دقائق مساءً، عند اللحظة التي ارتجّت فيها بيروت، وتناثر زجاجها وأجساد أبنائها وكرامتها على امتداد المدينة. اللحظة التي دوّى فيها انفجار نيترات الأمونيوم، فأسقط أكثر من مئتي شهيد، وخلّف آلاف الجرحى، وشرّد عشرات الآلاف من العائلات، وترك وصمة في وجدان وطن يتخبّط في ظلامٍ فرضته منظومة تمنع كشف الحقيقة.

بيروت لم تنسَ، وأهلها لم ينسوا. فالحجر قد رُمّم، لكن القلوب لا تزال مدمّرة، والمباني أعيد إعمارها، غير أن العدالة لم تبصر النور بعد. خمس سنوات مرّت على تفجير العصر، ولا تزال العدالة مكبّلة. 

بعد خمس سنوات على الذكرى الأليمة، قامت "نداء الوطن" بجولة ميدانية في الأحياء القريبة من المرفأ كالجميزة، مار مخايل والكرنتينا. استمعنا إلى المواطنين الذين عايشوا الكارثة لحظة بلحظة، فكان الألم لا يزال ظاهرًا على ملامحهم وكلماتهم. الذكرى حاضرة، والجرح لم يندمل، والوجع لا يزال نابضًا.

يقول أحد المتضررين: "الله لا يسامح من ارتكب هذه الجريمة. ما زلنا صامدين، رممنا بيوتنا بجهدنا وتعبنا. ولكن لم ولن ننسى... نحن لا نملك سياسيين، بل لدينا لصوص ومجرمون. وأدعو الله أن يحمي القاضي البيطار".

ويضيف آخر: "هذه الجريمة لا تُغتفر، والشعب لا يزال ينتظر الحقيقة. نريد عدالة تضع الجميع تحت سقف القانون، لا أن تضع القانون تحت أقدامهم".

وفي حديث مع أحد سكان العكاوي، قال: "سقط شهداء في المبنى الذي أقطنه، ولم نعرف كيف ننقل المصابين إلى المستشفيات وسط الازدحام والرعب والفوضى. ما حصل يشبه ما حدث في هيروشيما. إنها فاجعة بكل ما للكلمة من معنى. نترحّم على الشهداء، ونصلّي من أجل شفاء الجرحى، ونطالب بتحقيق نهائي وشفاف، لأن التغاضي عن هذه الجريمة هو جريمة بحد ذاته. أما الذين يعرقلون التحقيق، فهم ليسوا سياسيين بل مجرمون".

مالك أحد صالونات الحلاقة في مار مخايل لا يزال يحتفظ بآثار الدم على باب محله، يقول: "رفضت إعادة طلاء الباب بعد الانفجار، لأتذكر دائمًا ما حصل، وأتذكر من دمّر حياتنا ومنع كشف الحقيقة".

رجل آخر يختصر المعاناة قائلًا: "سقط جدار على ابني الأكبر، وأصبت أنا بنزيف داخلي، زوجتي أُصيبت في صدرها، وابني الصغير فقد ذاكرته. ثلاث سيارات لدينا دُمّرت بالكامل. الدولة جاءت وصوّرت الأضرار ثم اختفت. لم يعوّض علينا أحد. واليوم لم أعد قادرًا حتى على شراء سيارة".

بين الصوت والصدى، بين الحجر والدم، بين الذاكرة والوجع، تكمن الحقيقة.

ما حدث في الرابع من آب 2020 لم يكن حادثًا عرضيًا، ولا قضاءً وقدرًا، بل جريمة مكتملة الأركان. جريمة وقعت في قلب العاصمة، أمام أعين الدولة، وبتواطؤ من كان يعلم وسكت. جريمة تحاول المنظومة السياسية طمسها، مانعةً التحقيق من أن يأخذ مجراه، ومحاولة خنق العدالة.

لكنّ الحقيقة لا تموت، والعدالة، وإن تأخّرت، لا تُهزم.

في بيروت، كما في وجدان كل لبناني، لا يزال صدى الانفجار حيًّا. والصرخة واحدة: اكشفوا الحقيقة، حرّروا القاضي طارق البيطار، ودعوا العدالة تُنطق باسم الشهداء.

الرابع من آب ليس مجرد ذكرى، بل قضية وطن مذبوح وشعب لا يزال ينزف… والعدالة آتية، ولو بعد حين!