400 ألف لبناني... بلا عمل

لبنان الذي لطالما كانت نسبة البطالة فيه قبل الأزمة غير مقلقة كثيراً، ها هو اليوم تصل فيه تلك النسبة إلى ما بين 30 و60% حسب الشريحة العمرية، (أي نحو 400 ألف عاطل عن العمل) وهي أعلى نسب مقلقة من الممكن أن يعاني منها أي بلد.

أما الأسباب فكثيرة، تبدأ بالأزمة الإقتصادية والتداعيات التي تسببت فيها جائحة كورونا، من إقفال للمؤسسات إلى الإنهيار المتزايد للعملة الوطنية، والتضخم الذي حصل في لبنان حيث تصدر قائمة الدول الأعلى تضخماً في العالم على صعيد المواد الغذائية خصوصاً. هذه المشهدية يتحدث عنها لصحيفة «نداء الوطن» المستشار في التنمية والملتحق حالياً بشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية أديب نعمة.

تعريف البطالة ليس واحداً

بدايةً، يوضح نعمة أن «البطالة ليس لديها تعريف واحد. هناك تعريف ضيق للبطالة، فإذا لم يكن المعني يبحث عن عمل فلا يعتبرونه عاطلاً عن العمل، وإذا عمل ساعة واحدة في الأسبوع لا يعتبرونه عاطلاً عن العمل.. هذا مبدئياً هوالتعريف الرسمي حسب منظمة العمل الدولية. ثم لدينا تعريف موسع قليلاً وهو يشمل حتى الأشخاص اليائسين من العمل».

على سبيل المثال عند سؤال شخص هل أنت تعمل يجيب بـ (لا)، هل تبحث عن عمل يجيب بـ (لا)، فهذا لا يعتبرونه عاطلاً عن العمل، لأن العاطل العمل يجب أن يكون باحثاً عنه.

ويضيف: «هناك الأرقام الأخيرة التي صدرت عن إدارة الإحصاء، وهذه أرقام رسمية، أي على الحكومة أن تعمل وفقها والمواطنون يجب أن يعتمدوها. فإدارة الإحصاء قامت في العام 2019 بمسح عن القوى العاملة في عام 2018 وكيف كان الوضع قبل الثورة، ثم قامت بمسح آخر في مطلع عام 2022 أي بعد حوالى عام ونصف تقريباً من الثورة. في الأرقام الرسمية كما صدرت في المسح الأول كان معدل البطالة قبل الثورة بالتعريف الضيق 11.4%، وعندما أقاموا القليل من التوسيع وشمول الأشخاص اليائسين من العمل والذين يعملون بدوام جزئي، إرتفعت النسبة الى 16%، وهذا الرقم الأقرب إلى الواقع».

ويكمل: «في بداية عام 2022 قاموا بذات المسح. فوفق التعريف الضيق بدل نسبة الـ 11.4% أصبحنا امام 30% أي أن الرقم تضاعف بأقل من ثلاث مرات تقريباً، أما بالتعريف الواسع فارتفعت النسبة من 16% إلى 50%. وهذا الرقم من الممكن أن يكون قد إرتفع منذ ذلك الحين. فبطالة الشباب في عام 2022 كانت حوالى 48% وهذه بالمعنى الضيق. والبطالة العامة بالمعنى الموسع 50% وهي بالنسبة للشباب تصل إلى 64%. وبطالة الشباب تضم الفئة التي تترواح أعمارهم ما بين 15 إلى 24 سنة. لكن الموضوع ليس له علاقة فقط بالبطالة، فهناك أشخاص يعملون لكن ظروف عملهم سيئة بشكل عام».

العمالة غير النظامية

الى ذلك يُردف انه في بداية عام 2018 كان هناك تناول لما اسمه العمل غير النظامي كبائعي العربة وعمال البناء والزراعة وليس لديهم عقود، وحتى داخل المؤسسات العامة كأساتذة التعاقد والذين يعملون على الساعة وعمال التنظيفات والخدمات في الوزارات... فهؤلاء جميعهم ليس لديهم عقود أو ليس لديهم عقود ثابتة ولا إجازات ولا ضمان إجتماعي، إضافة الى من لديه متجر صغير ويعمل فيه مع عائلته. فهذه القوى العاملة (غير النظامية) كانت تشكل 55% من نسبة القوى العاملة عام 2019، أما في عام 2022 ووفق إدارة الإحصاء أصبحت 62%. أي ان أقل من ثلثي القوى العاملة تقريباً غير مسجلين في الضمان الإجتماعي، ويشمل ذلك عمالاً غير لبنانيين».

الشباب والبطالة

وعن بطالة الشباب اللبناني، يقول: «هذا يؤثر سلباً على المجتمع الذي يكاد يتفكك اليوم، لأن الإنهيار شامل إن كان على المستوى المعيشي والإقتصادي وفي مؤسسات الدولة، إلى جانب توقف شبه كامل للإقتصاد، فالبلد اليوم لا يُنتج. ونسبة البطالة ممكن أن تكون أعلى لولا الهجرة في صفوف الشباب».

وعن الهجرة، يشدد على أن «النسب التي تنشر غير صحيحة ومجهولة المصدر، كما أن إحصاءات الأمن العام لا قيمة لها، لكن أكثر من 50 الى 60% من الشباب اللبناني عبّر عن رغبة في الهجرة بحسب الأرقام الاخيرة لادارة الاحصاء، ولا شك أن معدلات الهجرة مرتفعة خصوصاً وأن الطلبات المقدمة في السفارات مرتفعة».

ويشرح أن «الموضوع لم يعد موضوع بطالة فقط، إنما ظروف عمل رديئة أيضاً. وذلك بسبب العمل غير المهيكل الذي يفرض عدم التسجيل بالضمان الإجتماعي، وغياب الإستقرار الوظيفي وتدني الرواتب، إلخ...».

وعن أثر البطالة في نفوس الشباب، فلا يجد «رابطاً بين إرتفاع نسبة تعاطي المخدرات وبين البطالة والفقر، فالمخدرات يمكن أن تنتشر بين الطبقات الوسطى والغنية أكثر بكثير من الفقراء، كما أن الجرائم في لبنان يرتكبها الأغنياء وليس الفقراء، بدءاً من عصابات المولدات الكهربائية والمستشفيات والمصارف. الجريمة تقوم بها عصابات منظّمة محمية سياسياً او طائفياً أو عشائرياً، ما يؤدي الى الإرتفاع بمعدل الجريمة، وباتت الجريمة business في يومنا هذا. أما بالنسبة للفقراء والعاطلين عن العمل فهم معرضون للشعور باليأس والإضطهاد».

نحو مزيد من التدهور

ويشير إلى أن «لبنان متجه إلى التدهور. بعض مظاهر الدولة لا تزال موجودة ولكن بنسبة ضئيلة وهناك خطر من إختفائها، ومن المحتمل الوصول إلى تفكك مجتمعي يؤدي الى إنتشار الفوضى والجرائم بفعل غياب الضوابط، والمسؤولون يدفعون بشكل ممنهج ومتعمّد نحو حالة الفوضى الإجتماعية الشاملة لأنهم مستفيدون... من الخاطف إلى تاجر المخدرات وصولاً إلى مافيا النفط ومنفذ المناورة العسكرية في عرمتى، مروراً برئيس الحكومة الذي يهرب الاموال. ومن يسرق الأموال يخطط لشراء أصول الدولة تحت عنوان الإستثمار، والحديث عن الصندوق السيادي بملف النفط على سبيل المثال هو مشروع سرقة جديد خصوصاً أن الأشخاص هم أنفسهم الذين سرقوا في الماضي».

ويعتبر نعمة أن «إنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة لا يغيّران من الواقع، فطالما ان الطبقة السياسية الحالية موجودة فلا حلول، وشعار ثورة 17 تشرين «كلن يعني كلن» في محله».

الأزمة وكورونا زادتا «الطين بلة»

من جهته، يقول رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين «FENASOL» كاسترو عبدالله لـ»نداء الوطن»: «ان نسبة البطالة كانت قبل الأزمة تتجاوز الـ 33% وأكثر من 60% بين فئة الشباب وهذا الرقم قبل عام 2019. لدينا خريجو جامعات بحدود 35 ألف شاب وشابة لم يكن تتوفر فرص عمل إلا لما يقارب الـ 1000 والـ 1500 منهم، ولدينا الهجرة المقنعة والبطالة المقنعة والتي تشمل من يعملون يوماً هنا ويوماً هناك وعن بعد... فكل هذه الأعمال غير ثابتة. وأتت الأزمة الإقتصادية وكورونا وزادتا الطين بلة، خاصة أن عدداً كبيراً من المؤسسات أقفل، والمعامل الكبيرة والتي يتجاوز عدد عمالها أكثر من 100 و150 عاملاً حصل فيها صرف موظفين. وفي ذات الوقت فإن الأزمة وإنعكاساتها السلبية اثرت في القطاع العام، فالموظفون بما فيهم الأجهزة العسكرية سمحت لهم الدولة بأن يعملوا بعمل آخر، لأن الرواتب تدنت كثيراً».

حلول متوفرة

ويرى كاسترو أن «الحلول متوفرة إذا كان هناك إرادة سياسية، أولاً عبر تطبيق الدولة للقوانين رغم تخلفها. فصحيح أن قانون العمل عمره 73 عاماً لكن إذا طبق يحد جزئياً من المنافسة غير المشروعة لليد العاملة اللبنانية، وهذا ليس تمييزاً بين عامل محلي وآخر اجنبي».

ويتطرق إلى «أصحاب عمل يستغلون الموظفين بدوامات وساعات عمل طويلة دون التصريح عنهم للضمان الإجتماعي. ولدينا جزء من البطالة هي بسبب عدم إمكانية الذهاب إلى العمل. فالموظف الذي يتقاضى بين 3 و4 ملايين ليرة، ماذا يكفيه راتبه، إذ هو بحاجة إلى ما يقارب الـ 7 ملايين للذهاب إلى عمله دون حسبان مصاريفه الاخرى، ونحن نعلم أن هناك أشخاصاً يمشون سيراً على الأقدام لساعات يومياً للوصول الى عملهم بسبب غلاء كلفة النقل».

ويتابع: «إضافة إلى العمل على حل الأزمة السياسية وبالتالي إعادة الثقة بالبلد، فان المصارف سرقتنا وسرقت البلد. فالإستثمارات الخارجية بحاجة الى الثقة لتعود، لذا نحن بحاجة إلى إصلاح قضائي وإصلاح مصرفي لينعكس ذلك إيجاباً على المستثمرين الجدد وحتى على المستثمرين اللبنانيين، علينا بالإصلاح وتعديل القوانين والتشريعات وإقرار قوانين جديدة والتصديق على إتفاقيات دولية. والعمل على تدريب العمال والتدريب المهني، فهناك اليوم مهن كثيرة أصبحت شبه منقرضة، ومهن أخرى جديدة بدأت تبرز، لذلك يجب أن نتماهى مع الواقع وندرب هؤلاء».

ويختم كاسترو حديثه: «بالإضاءة على إستغلال العمال السوريين في الأفران من خلال عملهم 16 إلى 17 ساعة، بينما في السابق كانت أغلبية العمال بالأفران من اللبنانيين وحتى السائقين. ففي مرفأ بيروت فقط هناك 2000 سائق غير لبناني، ووفق قانون السير يُمنع أن يكون السائق إلّا لبنانياً وبخاصة السائق العمومي، كما ان أغلب أصحاب العمل كمحطات البنزين والقطاع الزراعي يلجأون إلى العمال غير اللبنانيين لأن الموظف اللبناني يطلب ضماناً وبدل نقل وراتباً ليعيش بكرامته».

عاملون... عاطلون عن الحياة

من أهم الأسباب التي يمكن أن تؤدي الى ارتفاع نسبة البطالة هي الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي ساهمت في اهتراء معظم القطاعات الاقتصادية في لبنان. إضافة الى الصراعات السياسية المستمرة والتوترات الأمنية. وبحسب الدولية للمعلومات نحو 80 ألف موظف وموظفة فقدوا وظائفهم نتيجة الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا. وما عزز هذه الظاهرة، هو تباطؤ الحكومة وعدم رغبتها في اتخاذ القرارات اللازمة للحد من ارتفاع نسبة البطالة.

لقد أصبح نصف قوة عمل الشعب اللبناني وخاصة فئة الشباب بلا عمل. وعلى الرغم من وجود نسبة ممن يعملون ويتقاضون رواتب تكفيهم لتأمين احتياجاتهم الأساسية، هناك من يعملون وهم «عاطلون عن الحياة»، بمعنى أنهم يعملون ولكنهم يتقاضون رواتب منخفضة حيث يواجه العديد منهم صعوبة في تلبية احتياجاته الأساسية وتحقيق معيشة كريمة، نظراً لارتفاع تكاليف المعيشة وتضخم الأسعار وانخفاض قيمة العملة وارتفاع معدلات التضخم.

 

ففي تشرين الاول الماضي، أجرت الدولية للمعلومات دراسة حول الكلفة الأدنى لمعيشة أسرة لبنانية مؤلفة من 4 أفراد، مع الأخذ بعين الاعتبار الفروقات بين السكن في القرية أو المدينة، وبين التملّك والاستئجار. وخلصت الدراسة إلى أن «كلفة المعيشة تتراوح بين 20 و26 مليون ليرة شهرياً بالحدّ الأدنى، وبمتوسط 23 مليون ليرة شهرياً». أما اليوم فإن الحد الأدنى المطلوب بحسب الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين هو «39 مليون ليرة شهرياً، بيد ان 70 بالمئة من عمال لبنان لا يملكون هذه القدرة».

تفاقم الظاهرة المقلقة

وقد جاءت نتائج مسح القوى العاملة في لبنان في التقرير الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي ومنظمة العمل الدولية لسنة 2022 والذي شمل عيّنة من 5444 أسرة من مختلف المحافظات على الشكل التالي: «ارتفاع في معدل البطالة في لبنان من 11,4 في المئة في الفترة الممتدة بين عامي 2018 و2019 إلى 29,6 في المئة في كانون الثاني 2022، وهذا يعني أن ثلث القوى العاملة الناشطة كانت عاطلة عن العمل مطلع عام 2022».

فالبطالة في لبنان ليست ظاهرة جديدة، وقد تواجدت على مدى فترات طويلة، بما في ذلك في أيام الازدهار الاقتصادي. لكن المشكلة تفاقمت في السنوات الأخيرة نتيجة للأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد حيث أدى انخفاض النمو الاقتصادي وتدهور العملة الوطنية إلى تقليص فرص العمل وتضاعفت صعوبات البحث عن وظائف جديدة. وتأثر سلباً العديد من القطاعات الاقتصادية، مثل الصناعة والسياحة والخدمات، وتسببت الأزمة في إغلاق العديد من الشركات وفقدان العديد من فرص العمل. «فالقطاع المصرفي الذي كان الأكثر انتعاشاً وتوفيراً لفرص العمل، أصبح اليوم يقلص عدد موظفيه. فعدد الموظفين الذين صرفوا من المصارف منذ بدء الأزمة الى اليوم وصل إلى 10000 موظف، مع العلم أنه كان يضمّ في الماضي 26000 موظف. وكذلك قطاع الفنادق والمطاعم الذي شهد إغلاقاً لعدد من مؤسساته ما أدى إلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل فيه جراء هذا الإغلاق، أو بسبب منافسة اليد العاملة السورية الأقل أجراً».

الأخطر بين الخريجين الجدد

بحسب إحصاءات «الدولية للمعلومات»، أكثر من 12 ألف مؤسسة بأحجام مختلفة اقفلت منذ نهاية 2019، «وارتفعت نسبة البطالة إلى 38 بالمئة»، يقول شمس الدين: «ان البطالة تتركز بشكل خاص في أوساط الشباب والخريجين الجامعيين الجدد». ويشير الى السبب الأساسي وراء تفاوت نسب البطالة في لبنان، «ففي المفهوم الأكاديمي، إن كل شخص يتراوح عمره بين 16 و64 سنة لا يتعلم ولا يعمل ينضم إلى صفوف العاطلين عن العمل شرط أن يكون بحالة بحث عن عمل خلال الأسبوعين السابقين لموعد الاستطلاع، الأمر الذي لا يطبق في لبنان. ويعني ذلك كل من ينهي دراسته ويبدأ بالبحث عن عمل، فإذا لم يرسل سيرته الذاتية لشهر واحد فهو ليس عاطلاً عن العمل في المفهوم الأكاديمي، أما في المفهوم اللبناني فهو عاطل عن العمل. وبالتالي إن عدد العاطلين عن العمل في لبنان يتراوح بين 400 و455 ألف لبناني ولبنانية، وحتى ربة المنزل إذا كانت في سن العمل ولا تعمل، فهي تعتبر عاطلة عن العمل».

المنفذ الوحيد... الهجرة

وترتفع أعداد العاطلين عن العمل كل سنة مع وصول 35000 خريج جامعي سنوياً إلى السوق بحثاً عن فرص عمل، وبالمقابل لا يوفر السوق سوى 5000 وظيفة، ما يعني أن هناك 30000 لبناني ينضمون كل سنة إلى صفوف العاطلين عن العمل أو يتوجهون للبحث عن فرص عمل في الخارج. وقد وصل عدد المهاجرين والمسافرين في العام 2022 إلى 59 ألف شخص، مقابل 79 ألفاً في العام 2021، و 17 ألفاً في العام 2020 (ويعود الانخفاض في أعداد المسافرين الى القيود التي فرضتها جائحة كورونا)، و66 ألف شخص في سنة 2019، أي بحدود 60 ألف لبناني يغادر البلاد سنوياً بحثاً عن فرص عمل في الخارج. فلذلك يمكننا اعتبار أن الهجرة أصبحت اليوم وسيلة للحد من ارتفاع نسبة البطالة، فلولا هجرة حوالى 60 الف لبناني كل سنة لكان هؤلاء انضموا أيضاً إلى قوافل العاطلين عن العمل». واعتبر شمس الدين أن ايجابيات الهجرة اليوم أكثر من سلبياتها،» فرغم شيخوخة المجتمع اللبناني وخسارة الرأسمال البشري وهذه مسألة ديموغرافية لها تداعياتها الخطيرة على المدى البعيد، فإن أموال المغتربين والتحويلات المالية إلى ذويهم في لبنان تساهم في تحسين أحوال تلك الأسر، حيث تعتبر الاوكسجين الذي يسمح للبنانيين بالتنفس. وكان البنك الدولي قدّر حجم تحويلات المغتربين الوافدة إلى لبنان بـ6.8 مليارات دولار في العام 2022، ليحل في المركز الثالث إقليميّاً. ولكن برأي شمس الدين «إن الرقم الحقيقي قد يكون ضعف هذا الرقم لأن أكثرية الأموال تدخل الأراضي اللبنانية نقداً، وذلك بسبب غياب الثقة في القطاع المصرفي». إضافة إلى ذلك تبوّأ لبنان، بحسب تقديرات البنك الدولي، المركز الأول في المنطقة والمرتبة الثانية عالمياً، من حيث مساهمة تحويلات المغتربين في الناتج المحلي الإجمالي، التي بلغت 37.8 بالمئة في العام 2022.

ربط سوق العمل بالتعليم

هناك تناقض بين المهارات التي يمتلكها السكان العاطلون عن العمل والوظائف المتاحة في السوق. وهذه مشكلة مزمنة لطالما عانى منها لبنان، وتتطلب تعديل المناهج والعمل على توجيه الطلاب نحو الاختصاصات الأكثر طلباً. فعلى سبيل المثال، من المهم لفت النظر مثلاً الى اختصاص صياغة الذهب والمجوهرات، حيث أن تعليمه يقتصرعلى عدد قليل من المؤسسات في لبنان، مع العلم أنه يتم تصدير حوالى 700 مليون الى مليار دولار سنوياً من الذهب المصنع من لبنان إلى الخارج، فمن المهم العمل على تطوير وتوجيه الطلاب نحو هذا الاختصاص. وكذلك في مجال صناعة البطاريات، حيث يحتاج لبنان سنوياً إلى 3 ملايين بطارية لتلبية حاجات السوق، ولكن لا يوجد أي استثمارات مالية تساعد العمل في صناعة البطاريات لتأمين حاجة السوق والتصدير إلى الخارج».

وأخيراً، إن هذه الأرقام إلى المزيد من الارتفاع في ظل عدم مبالاة من هم في موقع المسؤولية، ولبنان إلى المزيد من الفقر والجوع والفوضى. ومن المهم البدء في معالجة البطالة في لبنان كون العمل يوفر للأفراد دخلاً منتظماً وفرصاً للتقدم والتطوير الشخصي، كما يعزز النمو الاقتصادي والثقة في المستقبل والشعور بالانتماء إلى المجتمع، ويحد من خسارة الرأسمال البشري الكفؤ.