المصدر: نداء الوطن
الكاتب: توفيق شمبور
الجمعة 16 شباط 2024 09:16:18
اولاً- يستند تعميم مصرف لبنان رقم 166 الى المادة 174 من قانون النقد والتسليف التي تطالب مصرف لبنان بوضع التنظيمات العامة الضرورية لتأمين حسن علاقة المصارف بمودعيها وعملائها. مضمون التنظيمات العامة الضرورية حددتها الاسباب الموجبة لقانون النقد والتسليف "كوضع قانون عام للسير يحدد قواعد عامة للقيادة، من دون ان يكون لتعليمات مصرف لبنان التدخل بادارة المصارف لعملياتها بل تحفظ للأخيرة الحرية الكاملة في العمل". وهذا ما لم يتم التقيد به في مندرجات الصفحات الست من التعميم 166 الذي توغل بالتفاصيل".
ايضاً بالنسبة لحسن العلاقة بين المصرف ومودعيه، حددت شروحات الاسباب الموجبة لقانون النقد والتسليف مضمونها، وهو "بان يكون بإمكان المودع استعادة وديعته كما لو كان يستعيدها من صندوقه الخاص". وهو عكس ما نص عليه التعميم 166 بتحديد مقدار السحوبات بمبلغ شهري مقداره 150 دولاراً، فضلاً عن اثارته للمخاصمات بين المودعين من اصحاب الدولارات واصحاب اللولارات من جهة، وبين المودعين اصحاب الودائع لاجل واصحاب الودائع الجارية من جهة اخرى.
ليس من صلاحياته التمييز
ثانياً- مصرف لبنان مقيد بمعاملة المودعين والجمهور بالمساواة، وليس من صلاحياته التمييز بينهم بالمعايير والحقوق والموجبات حسب الاقتصادي الشهير Joseph Stiglitz. فهذا التمييز، بنظر الأخير، من صلاحيات السلطتين التشريعية او التنفيذية او من يتم تفويضه اصولاً به.
تشريع مخالفات
ثالثاً- يذكر التعميم عدم استفادة الاشخاص المعددين ادناه الذين لم يعيدوا تحويل المطلوب منهم وتجميده لخمس سنوات من احكامه:
1- العملاء الذين ﻗﺎم أي منهم بتحويل ما يفوق مجموعه خمسماية الف دولار او ما يوازيه بالعملات الاجنبية الى الخارج خلال الفترة المبتدئة من 1 تموز 2017 حتى تاريخ صدور التعميم 154 في 25 آب 2020، حيث يتعين عليهم ان يودعوا في حساب خاص مجمد لمـدة ﺨﻤـس ﺴـﻨوات مبلغاً يوازي 15% من المبالغ المحولة، على ان يعفى المصرف المعني من اجراء توظيف الزامي لدى مصرف لبنان بالعملات الاجنبية.
2 - رؤساء واعضاء مجلس الادارة وكبار مساهمي المصرف واعضاء الادارات العليا والتنفيذية وعملاء المصارف من الـ Peps بنسبة 30%
والتعليق على ما سبق هو التالي:
أ- ان المادة 337 من قانون التجارة تعتبر التاجر مفلساً احتيالياً عندما يقوم بالتحويل الاستنسابي، على نحو يضر بسائر الدائنين بعد ان اعلن توقفه عن الدفع (كلياً او جزئياً). بيد ان التعميم 166 شرّع بما قضى اعلاه وضمناً العمليات المخالفة للقانون والمعاقب عليها.
ب- أيضاً شرط التجميد لمدة خمس سنوات للمبالغ المعادة يجعل من غير الممكن الاستفادة من التعميم 166 الذي حددت مدته بستة اشهر واقترن الامر بشرط انتهاء مدة تجميد الحساب.
من دون حق ولا مبرّر قانوني
رابعا- يذكر التعميم 166 ان الاشخاص التاليين لا يستفيدون من أحكامه:
1 - الاشخاص الذين حولوا بعد 31 تشرين الاول 2019 ودائع من الليرة اللبنانية الى العملات الاجنبية بما يوازي او يزيد عن 300000 دولار باستثناء المبالغ الناجمة عن تعويض نهاية الخدمة.
2 - الاشخاص الذين سددوا بعد 31 تشرين الاول 2019 بالليرة اللبنانية قروضاً بالعملات الاجنبية بما يوازي او يزيد عن 300000 دولار.
3 - الاشخاص الذين حولوا بعد 31 تشرين الاول 2019 ارصدة قروضهم بالعملات الاجنبية الى الليرة اللبنانية بما يوازي او يزيد عن 300000 دولار.
التعليق على ما سبق هو التالي:
أ- يميز التعميم 166 وبدون حق وبدون مبرر قانوني بين من قاموا بالعمليات السابقة بعد 17 تشرين الاول 2019، حيث اقفلت المصارف ابوابها لكنها ابقت على تسيير الاعمال من ورائها لصالح insiders و Pep s، وبين من قاموا بها بعد 31 تشرين الاول 2019، فيضع القيود فقط على الاخيرين علماً انه سبقت الاشارة اعلاه ايضاً الى من قاموا بتحويلات للخارج من تموز 2017 حتى آب 2020.
ب- أيضاً يميز التعميم بدون حق وبدون مبرر قانوني عندما يستثني من شرط سقف عمليات التحويل من الليرة الى الدولار المبالغ الناجمة عن تعويض نهاية الخدمة، بتفضيل واضح للذي امضى حيزاً من عمره بخدمة رب عمل على من قضى هذا الحيز بالعمل لمصلحته الشخصية بظروف قد تكون اقسى وبضمانات عمل اقل او بدونها.
ج- كذلك يشرع التعميم 166 ضمناً ودائماً بدون حق وبدون مبرر قانوني التمييز في العمليات الآنفة الذكر سواء ضمن السقف المحدد لها او تتعداه او خارج اطاره. مثل استجابة المصرف لطلبات عميل بفتح حساب له او بتحويل حسابه من الليرة اللبنانية الى الدولار في الوقت الذي يرفض رد وديعة دولارية لمودع يطالبه بذلك بذات الوقت وهو الاولى بالاستجابة لطلبه. وايضاً عندما يقبل المصرف بايفاء قروض او تحويل قروض، معقودة بالدولار، بـِ او الى الليرة اللبنانية على اساس سعر ادنى من الاسعار الواقعية من دون التدقيق في ان هذا الامر غير جائز وممكن فقط في الايفاء في الالتزامات بالنقود القانونية اي الـ fiduciaries، ولا يسري على ايفاء الالتزامات scripturales حيث يقتضي رد القرض بذات عملته وهذا الامر خلاصة فقهاء قانون مجلين اخصائيين في شؤون التعامل القانوني بالعملات الاجنبية امثال Nurit-Pontier و M savatier والبروفسور M Malaisie وايضا مآل العديد من احكام القضاء الفرنسي.
لقد سبق لمصرف لبنان بدافع انساني ان سمح للمصارف وخلافاً للقانون بقبول ايفاء قروض استهلاكية واسكانية على سعر صرف للدولار متدن بكثير عن السعر الواقعي، فوسعت المصارف دائرة الاجازة لتطبقها على مختلف القروض ايا كانت قيمتها من دون الاعتداد بان هذا الامر يضر بمصالح المودعين بالنهاية.
دولارات التوظيفات الإلزامية
خامسا- ينص التعميم 166 صراحة على ايفاء المستفيدين منه ممن اجروا عملياتهم بعد تشرين الاول 2019 من دولارات التوظيفات الالزامية لدى مصرف لبنان. علماً ان هذه التوظيفات اقتطعت وتكونت من الودائع الدولارية المكونة قبل تشرين الاول 2019 ويأتي التعميم 166 لينص على مشاركة الطارئين المعنيين بالتعميم 166 من دون وجه حق بهذه التوظيفات الالزامية.
ايضا ينص التعميم 166 صراحة على اعفاء المصرف من موجب تكوين الاحتياطي الالزامي للذين اعادوا قسماً من اموالهم المحولة الى الخارج من عملاء ونافذين وكبار المساهمين والمدراء في المصرف وفقا لما تمت الاشارة اليه اعلاه، ومع هذا يسمح من دون اي منطق للأخيرين بمشاركة اصحاب الحق المباشر بالتوظيفات الالزامية والذين هم اصحاب الودائع الدولارية قبل تشرين الاول 2019؟ ذات التساؤل يثار ايضا عن تبرير المشاركة بهذه الاحتياطيات الالزامية للاشخاص الذين قبل المصرف بتحويل حساباتهم بعد تشرين الاول 2019 بالليرة الى الدولار (او اللولار فعلياً). كونه، اي المصرف، كان يرفض بذات الوقت ايفاء اصحاب الودائع الدولارية قبل هذا التاريخ بحجة عدم توافر الدولار لديه؟
قبل عدة اشهر خفض مصرف لبنان السحوبات الشهرية لاصحاب الودائع الدولارية بمقتضى التعميم 158 من 400 الى 300 دولار من دون اي شرح وتبرير لخطوته. وها هو الان يقرر بالتعميم 166 دفع المبلغ المقتطع وهو 100 دولار من اصل الحد الذي قرره للمستفيدين من التعميم 166 وهو 150 دولاراً ومن اين؟ من ذات الوعاء الذي هو التوظيفات الالزامية التي دفعتها المصارف الى مصرف لبنان من ودائع المعنيين بالتعميم 158!
واقع يدفع الى طرح السؤال التالي: هل التعميم 166 هو حقاً لإعادة الحقوق أم لسلب الحقوق ؟