المصدر: إندبندنت عربية
الكاتب: طوني بولس
الأربعاء 7 أيار 2025 08:21:27
ليس من العبث الربط بين “7 أيار” 2008 و”4 آب” 2020. ففي الأولى، استخدم “حزب الله” سلاحه ضد اللبنانيين لإسقاط قرارات الحكومة بشأن شبكة اتصالاته غير الشرعية، وفي الثانية، استخدم نفوذه داخل الدولة لطمس التحقيقات بعد انفجار نيترات الموت في المرفأ، والذي من المرجح أن له ارتباطاً بمنظومة السلاح والتخزين والسيطرة.
بعد مرور 17 عاماً على غزوة ميليشيا “حزب الله” للعاصمة بيروت في 7 مايو (أيار) 2008، لا تزال الذاكرة الوطنية تنزف، ولا تزال العدالة غائبة، بل مغيبة عمداً عن هذا الحدث المفصلي الذي شكل انقلاباً دموياً على الدولة ومؤسساتها، وكرس واقع السلاح الخارج عن الشرعية كأمر واقع.
ولأن الذاكرة لا تموت، ولأن الجرح ما زال مفتوحاً، فإن هذا العام يجب أن يكون مختلفاً؛ لأن لبنان يقف على أعتاب استعادة دولته ومؤسساتها، ولأن روحية جديدة بدأت تلوح في الأفق السياسي مع الحديث المتزايد عن الإصلاح، واستعادة هيبة القضاء، وفرض سيادة الدولة.
في 7 مايو 2008، قرر “حزب الله” أن بيروت يجب أن تركع، فاجتاحها بسلاحه وعناصره، وقتل ما يقارب مئة لبناني من أبناء المدينة، في مشهد لا يختلف في دمويته عن انفجار مرفأ بيروت الذي هز العاصمة في 4 أغسطس (آب) 2020.
فكما بقي انفجار المرفأ من دون محاسبة، كذلك “7 أيار”. القتلة أحرار، والجريمة بلا تحقيق، والمؤسسات خضعت حينها لمنطق القوة والميليشيا. ولا تزال إلى اليوم عاجزة عن اتخاذ أي خطوة لمحاسبة من ارتكب هذه المجزرة بحق اللبنانيين.
العدالة المفقودة
ليس من العبث الربط بين “7 أيار” 2008 و”4 آب” 2020. ففي الأولى، استخدم “حزب الله” سلاحه ضد اللبنانيين لإسقاط قرارات الحكومة بشأن شبكة اتصالاته غير الشرعية، وفي الثانية، استخدم نفوذه داخل الدولة لطمس التحقيقات بعد انفجار نيترات الموت في المرفأ، والذي من المرجح أن له ارتباطاً بمنظومة السلاح والتخزين والسيطرة.
في كلتا الحالتين، هناك ضحايا، وهناك دولة جرى تطويعها بالقوة، وهناك قضاء تم تهديده وترهيبه، وهناك متهمون يتمتعون بحصانة أقوى من حصانة الدستور نفسه. وها هو وفيق صفا، مسؤول التنسيق في “حزب الله”، يدخل قصر العدل مهدداً القاضي طارق البيطار على مرأى من الجميع، ولا تحرك الأجهزة الأمنية ساكناً.
في ظل الحديث الجديد عن “دولة تقوم من كبوتها”، لا يمكن أن تبنى العدالة على طي الصفحات السوداء، بل على مواجهتها ومحاسبة من تسبب بها. وها هي الذكرى السابعة عشرة لـ “7 أيار” تحل علينا، وعلى الدولة اللبنانية – إن كانت صادقة فعلاً في خطابها الجديد – أن تبدأ من هنا.
من هنا، من الجريمة الموثقة بالصوت والصورة، من الدم الذي سفك على طرقات بيروت، من البيوت التي اجتاحتها الميليشيا، من الاتصالات التي كانت الشرارة، من الاحتلال المؤقت الذي أراد أن يكون دائماً، ومن القرار الإيراني الذي أراد كسر الدولة.
شبكة الاتصالات
يجب أن تعود الدولة إلى أصل القرار الذي أشعل تلك النيران: شبكة اتصالات “حزب الله” الخاصة، الخارجة عن كل رقابة قانونية، والتي تمكن الحزب من التنصت والتعقب والمراقبة خارج سلطة الدولة.
ففي أي دولة في العالم، تحتكر الدولة وحدها الحق في إدارة البنية التحتية الأمنية والاتصالية. أما في لبنان، فقد تجرأت الحكومة حينها على اتخاذ قرار سيادي، فجاء الرد باجتياح العاصمة وسفك دماء مواطنيها.
إذا كانت الدولة عازمة على استعادة سيادتها فعلاً، فلتبدأ بتفكيك شبكة الاتصالات هذه، وليسحب منها ما يهدد الأمن القومي والحق في الخصوصية والسيادة الرقمية.
ولن تكون استعادة السيادة مكتملة من دون تفكيك البنية الأمنية والعسكرية لـ”حزب الله”. فوجود ميليشيا مسلحة بقوة الدولة أو أقوى منها، لها مخابراتها وسجونها ونقاطها العسكرية، هو إهانة للجيش وللدستور وللبنانيين كافة.
إلى جانب ذلك، هناك اقتصاد ظل كامل يقوده الحزب، من جمعيات كـ”القرض الحسن”، إلى منظومات مالية لا تخضع لأي رقابة مصرفية أو ضريبية، تهدد بقاء النظام المصرفي الرسمي، وتستعمل لتبييض الأموال وتمويل الأنشطة العسكرية.
إذاً، لا يكفي أن نستعيد السيادة الأمنية، بل يجب أيضاً أن تستعاد السيادة المالية، وأن تلغى كل الأطر الموازية للدولة من جيش واقتصاد ومخابرات واتصالات.
من الطيونة إلى القضاء
الذين نفذوا “7 أيار”، هم أنفسهم الذين ارتكبوا أحداث الطيونة في 2021 لإسقاط قاضي التحقيق في تفجير مرفأ بيروت. في الحالتين، السلاح هو وسيلة فرض الإرادة، والدولة تقف متفرجة.
في الحالتين، الهدف واضح: منع قيام دولة قادرة على محاسبة “حزب الله”، لا بقوة السلاح، بل بقوة الحق والقانون. ولكن إلى متى؟ هل يعقل أن يبقى اللبناني رهينة سلاح ميليشيا؟ وهل يعقل أن تمر كل الجرائم بلا حساب؟
العدالة… أو لا دولة
إن “7 أيار” 2008 لا يجب أن ينظر إليه كمجرد ذكرى مؤلمة. إنه جريمة موصوفة ضد الشعب، جريمة قتل جماعي وسيطرة غير مشروعة على العاصمة، ومَن نفذها يجب أن يحاسب.
إذا كانت الدولة اللبنانية قد بدأت تستعيد أنفاسها فعلاً، وإذا كان رئيس الجمهورية الجديد يتحدث عن “استقامة القضاء”، فإن هذه العدالة يجب أن تبدأ من هنا:
– من “7 أيار” وجرائمه.
– من تفكيك منظومات الحزب الأمنية والمالية.
– من إخضاع قادته للتحقيق أمام القضاء اللبناني.
– من استعادة حق بيروت واللبنانيين في العيش في دولة لا تقتلهم عند أول قرار سيادي.
في 2025، لا يمكن للبنان أن ينهض إذا لم يحاسب من أسقطه في القعر. “حزب الله” هو المسؤول الأول عن انقلاب “7 أيار”، عن انهيار الدولة، عن شلل القضاء، عن تخريب الاقتصاد، عن تأجيج الطائفية، وعن تحويل لبنان إلى منصة لإيران لا وطناً لأبنائه.
المصالحة الحقيقية لا تبدأ بالعفو، بل بالحقيقة. والعدالة لا تبدأ من الصفر، بل من الجرائم التي لم تفتح ملفاتها بعد.
هذا العام، لا نريد طي صفحة “7 أيار”… بل نريد فتحها. فتحها بالكامل، أمام الرأي العام، وأمام القضاء، وأمام الدولة، لتساق الميليشيا إلى المحاسبة، ويسجل في التاريخ أن بيروت لم تنسَ… وأن لبنان لم يمت.