المصدر: المدن
الكاتب: عزة الحاج حسن
السبت 29 حزيران 2024 17:05:54
استمرت السلطتين السياسية والنقدية بوضع سياسات أمّنت دعم واستمرارية المصارف بنهج العمل نفسه وبتحقيق مكاسب من تهريب ودائع الى الخارج وجراء تذويب صغرى الودائع ومن خلال تجارة الشيكات ودولارات منصة صيرفة وغيرها، ومنذ ذلك الحين لم يُحاسب ولم يُساءل أحد كما لم يتحمّل أي طرف مسؤولية ما حصل، باستثناء المودعين الذي خسروا حقهم بالوصول الى ودائعهم على مدار 5 سنوات.
وبعيداً عن الصناديق التي تسعى السلطة السياسية لتأسيسها تحت عناوين متنوّعة من صندوق استرداد الودائع الى صندوق إعادة تكوين الودائع والصندوق الإئتماني وغيرها، والتي تصب جميعها في خانة تغطية خسائر المصارف على حساب الدولة والمودعين، ثمة إجراءات أخرى كفيلة باستعادة الودائع دون المس بالأصول العامة أو احتياطات مصرف لبنان من الذهب.
تلك الإجراءات قد تكون مستحيلة بغالبيتها، في ظل سلطة لها من الشراكات والارتباطات مع السلطة القضائية ما يؤمّن لها الحماية الشاملة، لكن لا بد من الإضاءة على سُبل محتملة لاستعادة الودائع أكثر إنصافاً من كل ما هو مطروح. فعمليات تحصيل جزء من الودائع من خلال 150 دولار شهرياَ (بحسب التعميم 166) أو من خلال 300 دولار (بحسب التعميم 158) لا يمكن اعتبارها عمليات تقسيط للودائع إنما هي نوع من الضغط على المودعين وثنيهم عن المطالبة بحقوقهم، في مقابل تمديد عمر المصارف.
حلول شبه مستحيلة
الودائع لم تُختلس عام 2019 إنما على مدار سنوات من سوء الإدارة والهدر وإبرام الصفقات المشبوهة والعمولات و"التشبيح" وغيره من الممارسات الفاسدة التي تشاركت فيها السلطة السياسية مع المصارف بإشراف وتنظيم من مصرف لبنان. من هنا يرى العديد من خبراء المال والاقتصاد انه ثمة حلول منصفة جداً لكنها قد تبدو مستحيلة ما لم يتم كسر حلقة التضامن والتواطؤ السياسي المصرفي.
حتى وإن كانت الحلول المرجوّة "مستحيلة" التطبيق بنظر الكثيرين إلا أنه لا بد من السعي لتحقيق بعضها كأضعف الإيمان.
أولا: لا بد أن تنطلق عملية استعادة الودائع من خلال فتح ملفات مصرف لبنان وعلاقاته والصفقات التي أبرمت في غرفه السرية بما فيها صفقات شركة اوبتيموم Optimum وفوري Forry التي كلّفت مصرف لبنان مليارات الدولارات من أموال المودعين. كما يرى البعض أن إعادة هيكلة مصرف لبنان باتت مسألة ملحّة، وذلك كقاعدة لانطلاق التأسيس لقطاع مصرفي شفاف واهل للثقة.
ثانياً : إجراء تدقيق مالي شامل بمالية المصارف وتحديد وضع كل مصرف على حدة، ما له وما عليه، وهو ما يكشف حقيقة الفجوة المالية، لاسيما ان عملية توزيع الخسائر لا يجب ان تشمل الضحايا، أي المودعين، إلى جانب إعادة النظر بأموال اصحاب المصارف ومجالس إدارتها والتدقيق بمصادرها.
ثالثاً: اعادة الاموال المهربة الى خارج البلد من العام 2018، وهنا لا مجال للتكهّنات حول ماهية تلك الأموال، فمصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف لديهم اللوائح كاملة بأسماء كل مَن هرّب أمواله منذ ما قبل تفجّر الأزمة.
رابعاً: استعادة أرباح الهندسات المالية التي وزّعها سلامة "هدايا" على بعض المصارف. بالإضافة الى استرداد الفوائد الهائلة التي كانت تقدمها المصارف لأصحاب الودائع الكبيرة، وتصل في بعض الأحيان الى 25 في المئة.
خامساً: تغريم كل من استفاد خلال الأزمة من سداد ديون عقارية وتجارية كبيرة على سعر صرف 1500 ليرة للدولار، واستعادة القروض التي مُنحت خلال الأزمة لبعض المحظيين بالدولار الفريش وتم تسديدها كذلك على سعر صرف 1500 ليرة للدولار.
سادساً: فرض ضريبة على كبار التجار المستفيدين من اموال الدعم عبر منصة صيرفة لاسيما منهم من حقّق أرباحاً هائلة نتيجة فارق سعر الصرف ودعم الليرة على حساب احتياطات مصرف لبنان.
سابعاً: كشف السرية عن الحسابات المصرفية والتدقيق بكبرى الودائع للتمييز بين الودائع المشروعة المستحقة والودائع غير المشروعة، وهذا البند يحمل الكثير من النقاشات بين مَن يعطي الأفضلية للمودعين أصحاب الأموال النظيفة على أولئك الذي جنوا أموالهم من تبييض الاموال والتهرب الضريبي وسوء استخدام السلطة والعقود المشبوهة والسرقة والإثراء غير المشروع واختلاس المال العام وغير ذلك، ومَن يرى أن هكذا طرح لا يمكن ان يتم باعتبار أن كل الأموال التي تدخل الى المصارف تتمتع بالمشروعية لاسيما ان المصارف من المفترض أنها تطبق القوانين المحلية والمعايير الدولية.
باختصار الودائع لم تُنفق فقط على تمويل القطاع العام وعجز الكهرباء وتثبيت سعر الصرف وغير ذلك إنما أنفقت أيضاً على أيدي مصرف لبنان والمصارف التي راهنت و"قامرت" بالودائع طمعاً بالفوائد العالية، وعرّضت أموال المودعين لمخاطر كبيرة بهدف تحقيق أرباح ومراكمة ثروات.