المصدر: النهار
الكاتب: ليلي جرجس
الأربعاء 4 أيار 2022 07:24:00
9 سنوات مرّت على خطف المصور اللبناني سمير كساب والمراسل الموريتاني إسحاق مختار ومرافقهما السوري عدنان عجاج في سوريا، من دون أن تنجح الدولة اللبنانية في الكشف عن هذا اللغز الذي رافق اختفائهم. 9 سنوات ترفض فيها والدة سمير أن تتخلى عن أملها الوحيد الذي تعيش من أجله. في داخلها صوت يهمس لها "أنه حيّ وسيعود". هو حدس أمٍ قلبها محروق على ولدها المخطوف منذ 15 تشرين الأول 2013، وهو مسؤولية دولة متهمة بالتقصير وعدم فعل المستحيل لمعرفة مصيره. وفي اليوم العالمي لحرية الصحافة، نتذكر سمير وآخرين.
في آذار 2014 حُرِرت راهبات معلولا بعد 3 أشهر على اختطافهن، بعد جولات عديدة وتبادل لوائح بالمطالب، انتهت بإطلاق سراح الراهبات ومساعداتهن (وعددهن جميعاً 16) لقاء إطلاق سراح عشرات المساجين في السجون السورية. وكان الإفراج بوساطة لبنانية - قطرية قادها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم ومدير المخابرات القطرية غانم الكبيسي.
وفي كانون الأول 2015 جرت عملية تبادل الأسرى بين الحكومة اللبنانية و"جبهة النصرة" برعاية قطرية في منطقة جرود عرسال على الحدود اللبنانية السورية. أفرجت جماعة "جبهة النصرة" عن 16 عسكرياً لبنانياً، كانوا مخطوفين لديها وتسليمهم إلى الصليب الأحمر اللبناني، مقابل إفراج الجانب اللبناني عن 13 سجيناً طالبت "جبهة النصرة" بإطلاق سراحهم من بينهم خمس نساء.
هذه الصفقات أعادت بعض الأمل إلى قلب عائلة كساب التي كانت تتمسك بأي جهود واجتماعات أمنية وسياسية للكشف عن مصير ابنها المفقود. لكن قضايا كثيرة وصلت إلى نهايات سعيدة أو أُقفلت بعد معرفة خواتيمها إلا قضية ابنها سمير التي بقيت مفتوحة على كل الاحتمالات والغموض! عاشت العائلة "طلعات ونزلات"، دموعاً وفرحاً، أخباراً عن موته وأخرى عن وجوده حياً... بقيت قضية سمير اللغز الأكبر والوجع الأقسى باستغلال البعض لاختفائه طمعاً بالمال أو تلاعباً بمشاعر عائلته.
في الذكرى التاسعة لاختفائه، تعود قضية المصور سمير كساب إلى الواجهة من جديد، بعد أن أطلق وزير الإعلام زياد المكاري اليوم، لمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، "جائزة سمير كساب للتصوير والإعلام"، وذلك لإبقاء قضية المصور الصحافي لدى قناة "سكاي نيوز عربية" سمير كساب الذي خطف في ريف حلب - سوريا، في دائرة الضوء.
هكذا عاد اسم سمير كساب للتداول، وعادت صورته تظهر بعد سنتين من الصمت الرسمي المريب. وتحت شعار "الحقيقة مخطوفة حرّروها" يتمنى الوزير مكاري كما قال في حديثه لـ"النهار"أن يُعيد تحريك القضية لمعرفة مصير سمير، فهو مواطن لبناني ولديه عائلة ووطن، ومن واجبنا أن نسعى ونحاول من أجل الكشف عن مصيره. حتى اليوم لا أحد يعرف أي معلومة جدية، وقد كلفت الدولة اللبنانية المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في هذه القضية، وسأتابع معه آخر التحريات حتى نعرف أي شيء".
ويعترف مكاري أن "ثورة 17 تشرين وجائحة كورونا وانفجار 4 آب والأزمة الاقتصادية أثرت على بطء عملية البحث، ولكن نأمل اليوم أن نكثف الجهود أكثر والاتصالات للوصول إلى الحقيقة. ولقد أصررتُ على الاجتماع بعائلته وزيارتها لأنني أردت أن أشعر بما يشعرون به وأن أستمع إليهم، ووعدت والدته أن أوظف كل امكانياتي الوزارية والشخصية لمعرفة الحقيقة. وأنا أعرف أن اللواء عباس ابراهيم يقوم بالمستحيل لمعالجة هذه القضية".
ويؤكد مكاري أنه "مؤمن بحدس والدة سمير أن ابنها بخير، ونحن نعيش على الأمل، فقضية سمير والمراسل والمطرانين يلفها لغز كبير. ومع ذلك نرفض السوداوية ونتمسك بالأمل، ولولا هذا الأمل لما كنا قادرين على العيش في لبنان".
هذا الأمل الذي تحدث عنه الوزير مكاري استمد قوته من والدة سمير التي تتسلح به حتى تتحمل قساوة الانتظار. 9 سنوات وقلبها ما زال ينتظر ابنها بكل رجاء ليعود إليها، لم تفقد الأمل كما لم تفقد الرجاء، تنتظره وفي قلبها صوت داخلي يهمس لها "سمير بخير"، ومن لا يصدق قلب الأم؟
يعترف جورج كساب شقيق سمير في حديثه لـ"النهار" أن "المشكلة في قضية سمير أننا لا نملك أي معلومة جديدة، وهناك غياب لأي معلومة ملموسة يمكن الاستناد إليها لاستكمال البحث. وآخر معلومة حصلنا عليها من الدولة اللبنانية كانت في آب 2017 تفيد أن سمير والمطرانين ليسا بعهدة داعش، ومن بعدها ساد صمت رسمي لمدة سنتين قبل أن تبدأ الثورة ومن ثم جائحة كورونا... وعليه، لم نتبلغ أي معلومة رسمية أخرى من الدولة اللبنانية، وكانت آخر محاولة في العام 2014 من خلال اللواء عباس ابراهيم عندما قال إن "سمير سيعود إلى لبنان وعائلته" ولكن هذا التفاؤل سرعان ما تبخر ولم تنجح المفاوضات أو الأمور".
وفي العام 2016، حصلت العائلة على معلومة من خلال تقرير عرضته الـ"أل بي سي" يرجح أن يكون سمير في سجن بسوريا. وبرغم من كل محاولات الأمن والإعلام، إلا أننا عملياً لم نتمكن من الاستحصال أو الوصول إلى أي معطيات جديدة أو مؤكدة متعلقة بمصير ابنها المفقود. وبرغم من ضآلة المعلومات، إلا أن البعض وجد بهذه القضية فرصة للابتزاز والاستغلال المادي، حيث تلقت العائلة عشرات الاتصالات تدّعي استحواذها على معلومات تخص ابنهم، إلا أنها كانت من باب الاستغلال المادي أو التلاعب بمشاعرهم، لكن في السنتين الأخيرتين خفت هذه الاتصالات التي كانت ترد من أرقام وحسابات وهمية.
9 سنوات ولم تنجح الدولة اللبنانية أو محطة "سكاي نيوز" أو العائلة في الحصول على دليل ملموس يتعلق بمصير ابنها. وليس للعائلة سوى الأمل والصلاة للتمسك به إلى حين جلاء الصورة، خصوصاً أن هناك مناطق ومساحات كبيرة في سوريا أصبحت بيد النظام السوري. برأي جورج "لم نعد نتأمل أو نعوّل على خطابات ووعود السياسيين، لقد اجتمعنا برؤساء الحكومات ورئيسي الجمهورية ولم نحصل سوى على الوعود الفارغة من دون أن نلمس أي تحرك جدي على الأرض للمطالبة بالكشف عن مصير سمير. وأملنا في اللواء عباس ابراهيم الذي كان يملك خيوطاً في القضية في العام 2014 والذي أحرز نجاحات عدة في قضايا كبيرة مشابهة، لذلك نثق به وندرك أنه الوحيد القادر على متابعة الملف بكل مسؤولية وجدية".
وبعيداً عن العاطفة، يقول جورج "سمير مواطن لبناني ومسؤولية الدولة اللبنانية أن تعرف مصيره وأن تولي اهتماماً بقضيته كما أعطت لقضايا أخرى. لدينا أجهزة استخبارات وسفراء وعلاقات سياسية وأمنية لمحاولة البحث عنه وايجاد أجوية شافية بعيداً عن الفرضيات غير المؤكدة. لذلك نحن لا نطالب الدولة سوى بالعمل الجدي على قضية سمير كما عملت على قضايا أخرى مشابهة لأنه من حقنا أن نعرف مصير سمير بعد 9 سنوات على اختفائه".
كل الاحتمالات واردة برأي جورج "احتمالات سوداء واحتمالات بيضاء، ولكن أي شيء أرحم من أن نبقى رهينة سنوات لا نعرف فيها أي شيء عن سمير. أملنا كبير ورجاء والدتي وأملها هو الذي يجعلنا "واقفين على إجرينا وان شاء الله نقدر نوصل لشيء قريباً".