المصدر: Kataeb.org
الجمعة 6 كانون الاول 2024 10:39:17
كتب ريمون مارون في مركز الشرق الأوسط للأبحاث والدراسات الاستراتيجية MEIRSS ريمون مارون:
في اللحظات التي تقف فيها الشعوب على حافة المجهول، يتجلى دور القيادة في اختيار الطريق الذي يقود إلى الحرية والاستقرار، أو إلى التلاشي والتفكك. لبنان، الذي كان يُنظر إليه يومًا كواحة للتنوع والتفاعل الحضاري، يعيش اليوم أزمته الكبرى: أزمة وجودية تهدد كيانه كوطن ودولته كمؤسسة. في قلب هذه الأزمة، يبرز استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية كحدث محوري تتقاطع فيه أبعاد الماضي المثقل بالتجاذبات مع آمال المستقبل القائم على بناء الدولة.
السيادة ليست مجرد شعار يُرفع، بل هي جوهر وجود الدولة وقدرتها على تمثيل مواطنيها وحماية حدودها. لبنان، الذي طالما تأرجح بين استغلال القوى الإقليمية وتنازع النفوذ الداخلي وسيطرة السلاح غير الشرعي، يحتاج اليوم إلى سيادة حقيقية تُعيد للدولة هيبتها. القرارات الدولية، كـ 1559 و1680 و1701، ليست أدوات للتدخل بقدر ما هي محاولات لتقويم مسار دولة فقدت زمام المبادرة.
تُطرح مسألة ضبط السلاح وحصره بيد الجيش اللبناني كشرط أولي لبناء دولة قادرة. فالسلاح العشوائي ليس مجرد تهديد أمني، بل هو رمز لغياب الدولة وسيادة منطق القوة على القانون. عندما تُستعاد السيطرة على الحدود والمعابر، وعندما تنتشر القوات الشرعية على كامل الأراضي، يتحقق المعنى الحقيقي للدولة كمؤسسة تحمي حقوق مواطنيها، لا كساحة صراع مفتوحة.
الرئيس الذي يحتاجه لبنان ليس حَكَمًا محايدًا بين أطراف النزاع، بل قائدًا يحمل مشروعًا يعيد صياغة مفهوم القيادة نفسه. الرئاسة ليست منصبًا شرفيًا، بل هي التعبير الأسمى عن إرادة الشعب وأحلامه بالخلاص من دوامة الفوضى.
الرئيس المطلوب اليوم هو ذاك الذي يدرك أن الحرية هي جوهر الهوية اللبنانية، وأن هذه الحرية لا يمكن أن تُختزل بشعارات سياسية. الحرية تعني القدرة على اتخاذ القرار دون إملاءات خارجية، وتعني أيضًا تحرير مؤسسات الدولة من قبضة الميلشيات. الرئيس الذي نبحث عنه يجب أن يكون تجسيدًا لهذا الالتزام بالحرية والعدالة، وأن يحمل في رؤيته برنامجًا إصلاحيًا يعيد بناء الاقتصاد ويُخرج المؤسسات من أزماتها البنيوية.
إن تحديد تاريخ 9 كانون الثاني كموعد لانتخاب رئيس الجمهورية يعكس حاجة مُلحّة لإعادة تفعيل الدور الوطني للبرلمان. الجلسة المقررة ليست مجرد اجتماع روتيني، بل هي اختبار حقيقي لإرادة النواب في وضع مصلحة الوطن فوق الحسابات الضيقة.
الجلسة المفتوحة بدورات متتالية، إذا ما تمسكت بمقتضيات الدستور، ستعكس معنى عميقًا للالتزام بالمسؤولية. في هذه اللحظة، يظهر بوضوح إن كان البرلمان مستعدًا لأن يكون ساحة حقيقية للديمقراطية.
لبنان الذي عانى لعقود من الانقسامات السياسية، يحتاج إلى رئيس يُعيد ترتيب الأولويات الوطنية. الإصلاحات الاقتصادية والمالية، رغم أهميتها، لن تكون ممكنة دون بناء دولة قانون ومؤسسات تضمن الشفافية والمحاسبة. الدولة التي نطمح إليها ليست مجرد جهاز إداري، بل فضاء يعيش فيه المواطنون بحرية وكرامة تحت حماية قوانين عادلة.
إن المرحلة المقبلة تتطلب رؤية تتجاوز الإصلاحات الآنية إلى مشروع وطني شامل يعيد للدولة موقعها كمرجعية وحيدة. الرئيس الجديد يجب أن يكون حاملًا لهذه الرؤية، وأن يُلزم نفسه بإعادة بناء علاقة الثقة بين الدولة والمواطن.
لبنان اليوم على مفترق المصير؛ الخيار واضح لكنه مصيري. انتخاب رئيس للجمهورية ليس مجرد إجراء دستوري، بل هو تعبير عن قرار وطني. هل نريد دولة حقيقية تُبنى على الحرية والسيادة، أم نستمر في دوامة التبعية والفوضى؟
اللبنانيون يستحقون رئيسًا يُخرج بلادهم من العتمة نحو نور الدولة القوية، رئيسًا يعيد تعريف القيادة كخدمة عامة وليست سلطة خاصة. جلسة 9 كانون الثاني ليست فقط موعدًا دستوريًا، بل فرصة حقيقية للبدء برحلة نحو لبنان الذي نريده: وطنًا للكرامة والحرية والسيادة.