المصدر: النهار
الكاتب: عباس صباغ
الجمعة 26 آب 2022 08:34:49
كتب عباس صباغ في النهار:
ينتظر لبنان عودة الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين لينقل الرد الاسرائيلي النهائي على طلبه بالحصول على الخط 23 اضافة الى كامل حقل قانا. لكن ماذا عن الكلام الاسرائيلي في شأن تنازل لبنان عن منطقة قريبة من الساحل، وهل تعني هذه المنطقة تسليماً بالنقطة B1 التي ازاحها الجيش الاسرائيلي قبل انسحابه من الجنوب عام 2000 ؟
قبل فترة افادت "القناة 12" الاسرائيلية، بأن "تفاصيل الاتفاقية مع لبنان ستتضمن تخلي إسرائيل عن منطقة معينة في أعماق البحار، مقابل تنازل لبنان عن منطقة أقرب إلى الساحل".
عندما قصد وزير الاشغال العامة والنقل علي حمية منتصف تموز الفائت الحدود الجنوبية، وتحديداً نفق الناقورة، اكد ان "لنفق الناقورة الكلمة الفصل في معادلة ترسيم الحدود، واكثر من ذلك، سيكون سلاح قوة بيد المفاوضين (...)".
كلام حمية عن النفق وانه حق للبنان ليس عابراً وانما يركز على نقطة برية ازاحها شمالاً الجيش الاسرائيلي قبل عام 2000، وباتت النقطة فوق منتصف النفق بدل ان تكون في نهايته، أي اعادتها جنوباً. اذاً فالنفق محتل والجدار والاسلاك الشائكة التي وضعها الاسرائيلي هي داخل الاراضي اللبنانية.
ولهذا الامر تأثير كبير على الترسيم البحري لأن النقطة B1 معروفة بإحداثياتها منذ العام 1949 وقبل ذلك تم ترسيمها مع فلسطين عام 1923 واودعت الوثائق حينذاك لدى عصبة الامم. وهذه النقطة تشرف على رأس الناقورة وتتمتع بأهمية استراتيجية، خصوصاً ان الحدود تنطلق من ذلك الرأس وفق احداثيات النقطة B1، وان الهدف من ازاحتها شمالا، أي داخل الاراضي اللبنانية (كما هي الحال اليوم) ينعكس على رأس الناقورة الذي سيتأثر بشكل تلقائي مع تحريكها، وعندها بدل ان تُحدد الحدود البحرية من الغرب في اتجاه الجنوب تصبح من الغرب في اتجاه الشمال. الخط 23 كان يجب ان ينطلق من رأس الناقورة بينما في الواضع الراهن هو ينطلق من شمال الرأس. ولتأكيد الخرق الاسرائيلي وضع الجيش الاسرائيلي الاسلاك الشائكة فوق النفق، لكن الجيش اللبناني اقام قبل 3 سنوات برجاً للمراقبة في منطقة قريبة جداً من تلك الاسلاك على رغم محاولات منعه، علماً ان "اليونيفيل" كانت تعتبر تلك المنطقة عسكرية وفيها الغام ولا يجب الدخول اليها.
وبحسب متابعين لملف الحدود البحرية فإن الاصرار الاسرائيلي على الاحتفاظ بتلك النقطة يهدف الى عدم السماح بانكشاف منطقة سياحية شمالها، وفي حال اعيدت النقطة الى مكانها الطبيعي وفق الترسيم بين لبنان وفلسطين قبل قرن من الزمن عندها تصبح تلك المنطقة مكشوفة، وهذا ما تخشاه تل ابيب وبالتالي ترفض تثبيتها ولا تسمح للبنانيين بالاقتراب منها.
الى ذلك، يؤكد خبراء ان لبنان لا يمكنه التنازل عن تلك الارض لسبب بسيط هو ان الدستور اللبناني، وتحديداً في مادته الثانية، يمنع التنازل عن الاراضي اللبنانية، وبالتالي فإن أي اتفاق مرتقب مع تل ابيب برعاية اممية ووساطة اميركية سيكون مخالفاً للدستور ما ينزع الشرعية عن أي اتفاق ما لم يتم تعديل الدستور.
وفي سياق متصل، يبقى ان مطالبة لبنان بالخط 23 اضافة الى كامل حقل قانا المفترض ستتعارض مع ما اودعه لبنان في الامم من خرائط قبل نحو 10 سنين وتجعل من موقفه متعارضاً مع وثيقة ارسلها الى الامم المتحدة وتفسح في المجال امام الاعتراض.
اما لو تمسك لبنان بالرسالة التي اودعها لدى الامم المتحدة ومجلس الامن في نهاية كانون الثاني الفائت، لكان موقفه اقوى بكثير من اليوم، ولا سيما ان شركات التنقيب كانت لتتهيّب العمل في منطقة متنازع عليها، والرسالة تغني حتى عن التمسك بالخط 29 لانها تعتبر ان حقل كاريش يقع في منطقة متنازع عليها.
الا ان لبنان الرسمي لم يستخدم يوماً تلك الحجة المسجلة لدى الامم المتحدة، ولم تصدر مواقف حاسمة تحذر شركات التنقيب من العمل فيها.