"صدمات" متوقعة للذهب الأسود... كيف ستكون أسعار النفط في 2023؟

خلال عام 2022، حازت أسعار النفط على اهتمام كبير على الصعيد الدولي، خاصة بسبب تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا، والعقوبات على التي فرضت على موسكو في قطاع الطاقة، ناهيك عن قرارات "أوبك بلس" بخفض الإنتاج بهدف ضمان استقرار.

وسجلت أسعار النفط خلال هذا العام زيادة قياسية عندما وصلت، في مارس، إلى مستوى تجاوز 139 دولارا للبرميل، ليصبح في أعلى مستوى منذ 2008 بعدما أثار الغزو الروسي لأوكرانيا مخاوف مرتبطة بالإمدادات. وتراجعت الأسعار على نحو سريع في النصف الثاني من 2022 بفعل مخاوف من حدوث ركود عالمي، بحسب تقرير لوكالة رويترز.

ورجح اقتصاديون في استطلاع نشرته وكالة رويترز، الجمعة، أن متوسط أسعار خام برنت سيكون بحدود 89 دولارا للبرميل خلال العام 2023، مشيرين إلى أن المكاسب الطفيفة التي ستحققها سوق الطاقة تعود إلى "الخلفية الاقتصادية العالمية القاتمة وتفشي كوفيد-19 في الصين اللذان يهددان نمو الطلب ويبددان تأثير نقص الإمدادات الناجم عن العقوبات على روسيا".

أسعار النفط في 2023
المحلل الاقتصادي، علاء الفهد، قال إنه رغم التراجع الطفيف الذي طال "أسعار النفط بنهاية 2022، إلا أن مستوياتها ستحافظ على ارتفاع عن معدلات الأسعار الحالية".

وتوقع في رد على استفسارات موقع "الحرة" أن أسعار الخام ستتجاوز مستوى الـ 100 دولار، خاصة إذا ما استمرت الحرب الروسية في أوكرانيا والتي قد تشكل الأكثر تأثيرا في الأسعار، إضافة إلى عوامل اقتصادية أخرى.

ويتوقع استطلاع رويترز، الذي شمل 30 من الاقتصاديين والمحللين، أن متوسط سعر خام برنت سيكون أقل بنحو 4.6 في المئة عن متوسط استطلاع أجري في نوفمبر، عندما توقعوا مستوى 93.65 دولار للبرميل. 

ومن المتوقع أن يصل متوسط سعر الخام الأميركي إلى 84.84 دولار للبرميل، في 2023، مقابل 87.80 دولار للبرميل في الشهر السابق.

المحلل المالي في مجموعة "سي أف أي"، مهند عريقات، قال إن "التحليل الفني لأسعار النفط يشير إلى أن مستوياته ستبقى عند متوسط 90 دولارا للبرميل".

وأوضح في حديث لموقع "الحرة" أن "أسعار النفط الخام، منذ مارس الماضي، شهدت تراجعا بنحو 30 في المئة، حيث تشكل بعدها مستوى مقاومة عند 90 دولار، فيما شكل مستوى أسعار 77 دولار مستويات دعم هامة".

ويرى أن هناك عدة عوامل علينا متابعتها خلال الربع الأول من 2023، "أولها تقليص روسيا للإنتاج بما يتراوح بين 5 إلى 7 في المئة، بسبب وضع حد أقصى لسعر النفط الروسي، وحظر وارادات الخام عبر البحر، وثانيها، أملٌ بانتعاش الطلب من جانب الصين، وثالثا، وجود مخاوف من تباطؤ وحالة عدم اليقين التي تسيطر على الاقتصاد العالمي".

"صدمات" متوقعة
الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون الطاقة، عامر الشوبكي، قال إن "التوقعات لسوق النفط لعام 2022 كانت تتركز بالتعافي من جائحة كورونا وعودة تحسن الطلب، ولكن الحرب الروسية على أوكرانيا، أربكت سوق الطاقة، ورفعت الأسعار، والتي تبعها تأثيرات أخرى بالتضخم ومحاولة البنوك المركزية مواجهة هذا الأمر بزيادة أسعار الفائدة".

وأضاف في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة" أن "العوامل المؤثرة في ارتفاع الأسعار لا تزال مستمرة، والفرص لحدوث صدمات لا تزال قائمة"، مشيرا إلى أن متوسط أسعار النفط خلال 2022 بلغت 97 دولارا للبرميل، فيما كان معدل السعر خلال 2021 حوالي 71 دولار للبرميل.

وتابع الشوبكي أن توقعات دولية مختلفة تشيرا إلى أن مستويات الأسعار قد تتراوح من 89 دولار إلى 100 دولار للبرميل خلال 2023، ولكن قد تتعرض سوق الطاقة لصدمات، خاصة مع استمرار الحرب الروسية، وحالة عدم اليقين التي تسيطر على الاقتصاد العالمي، واستمرار الضغوط التضخمية، وإجراءات البنوك المركزية بزيادة أسعار الفائدة.

وقال الاقتصادي في كابيتال إيكونوميكس، برادلي سوندرز، لوكالة رويترز: "نتوقع أن ينزلق العالم إلى ركود في أوائل عام 2023 مع ظهور تأثيرات التضخم المرتفع وزيادة أسعار الفائدة".

كبير المحللين في أواندا، إدوارد مويا، يرى في حديثه للوكالة أن "سوق النفط لا تزال تعاني شحا في المعروض، على الرغم من ضعف توقعات الطلب العالمي مع تزايد مخاوف الركود"، مضيفا أن الصين ستكون محور التركيز الأساسي في الربع الأول من العام المقبل.

وبالنسبة للعام بأكمله يتجه برنت صوب زيادة بنسبة ثمانية في المئة بعدما قفز 50 في المئة في 2021. ويتجه الخام الأميركي نحو تسجيل زيادة 4.6 في المئة في 2022 بعد ارتفاعه 55 في المئة في العام السابق. وتراجع الخامان في 2020 بسبب تأثر الطلب سلبا من الجائحة.

الطلب على النفط في 2023
ويرجح الفهد أن يشهد الطلب على النفط زخما خلال الربع الأول من عام 2023، خاصة مع فصل الشتاء، حيث ستحتاج العديد من الدول تعويض طلبها من الغاز الروسي، لتستخدم النفط بديلا له من أجل توفير التدفئة للمواطنين خاصة في الدول الأوروبية.

وذكرت شركة "كبلر" للبيانات والتحليلات أنه "في حالة حدوث انخفاض حاد في الصادرات الروسية، وهو ما لا نتوقع حدوثه، فمن المرجح أن تكون أوبك بلس مستعدة لزيادة الإنتاج لمنع الأسعار من الارتفاع الشديد".

وخفضت إدارة معلومات الطاقة الأميركية، مطلع ديسمبر، توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط، في عام 2023، بمقدار 160 ألف برميل يوميا إلى مليون برميل يوميا.

ويوضح الاقتصادي الشوبكي، أن الطلب على النفط سيشهد نموا خلال 2023، رغم وجود مخاوف من ركود اقتصادي قد يصيب اقتصادات دول غربية.

وقال محللون لرويترز إن الطلب على النفط سيرتفع بشكل كبير في النصف الثاني من عام 2023، مدفوعا بتخفيف قيود كوفيد-19 في الصين واعتماد البنوك المركزية نهجا أقل تشددا بشأن أسعار الفائدة.

المحلل المالي، عريقات، أشار إلى أن التوقعات تشي بنمو "الطلب"، وهو ما سيترافق مع حفاظ "أوبك بلس" على سياسة خفض الإنتاج خلال الربع الأول من 2023 على الأقل.

وأضاف أن "أوبك بلس أكدت في تصريحاتها الأخيرة، أن سياستها تجاه الإنتاج ستكون رهينة لعوامل العرض والطلب، وليس وفقا لمعطيات سياسية ولذلك سيصعب توقع كيف ستكون مسارها للفترة القادمة".

وتراجعت أسعار النفط في النصف الثاني من هذا العام مع رفع البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم أسعار الفائدة لمحاربة التضخم وارتفاع الدولار. وقد جعل ذلك السلع الأولية المقومة بالدولار استثمارا أكثر تكلفة لحاملي العملات الأخرى، كما أدت قيود الصين للحد من فيروس كورونا، والتي لم تُخفف سوى في ديسمبر، إلى القضاء على آمال تعافي الطلب على النفط لدى ثاني أكبر مستهلك للخام في العالم.

وفي آخر تقاريرها، حافظت وكالة الطاقة الدولية على توقعاتها بارتفاع معتدل في الطلب على النفط هذا العام والعام المقبل، على خلفية "احتمال أن يتجه الاقتصاد العالمي نحو الركود".

ورفعت الوكالة بشكل طفيف توقعاتها بزيادة استهلاك الديزل في الربع الرابع من هذا العام، وبالتالي من المتوقع أن يزداد الطلب العالمي على النفط بمقدار 2.3 مليون برميل يوميا في 2022.

وفي عام 2023، من المتوقع بلوغ الزيادة 1.7 مليون برميل يوميا، ليصبح الإجمالي 101 مليون برميل يوميا، بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، مشيرة إلى "الرياح الاقتصادية المعاكسة واقتصاد عالمي من المحتمل أن يتجه نحو الركود وأزمة الطاقة في أوروبا".

على صعيد العرض، انخفض الحجم بمقدار 190 ألف برميل يوميا، في نوفمبر، بعد قرار "أوبك بلس" خفض حصص الإنتاج لدعم أسعار الخام، في أكتوبر، وتتوقع الوكالة "انخفاضا أكثر حدة" في العرض العالمي، في ديسمبر، مع بدء تطبيق الحظر الأوروبي وسقف الأسعار الذي حددته مجموعة السبع على النفط الروسي.