المصدر: النهار
الكاتب: جاد فياض
الخميس 24 تشرين الأول 2024 10:07:41
شكّل إعلان إسرائيل اكتشاف خلية تجسّسية إيرانية بلبلة في الداخل الإسرائيلي، كون العملاء متهمين بتصوير مواقع حساسة جداً استهدفتها إيران و"حزب الله" بهجماتهما التي أدّت إلى مقتل جنود إسرائيليين وتدمير منشآت. وتلقى الداخل الإسرائيلي الخبر مُستغرباً، أولاً لأن أجهزة دولته المخابراتية تُعد ضمن الأقوى عالمياً ويصعب خرقها، وثانياً لأن تجنيد عملاء يهود لم يكن مهمة سهلة تاريخياً.
واعتقلت السلطات الإسرائيلية سبعة إسرائيليين للاشتباه في تجسسهم لصالح إيران خلال العامين الماضيين، وزعمت أنهم نفذوا 600 مهمة، بما في ذلك تصوير قواعد عسكرية وجمع معلومات استخباراتية عنها، بينها قاعدتا رامات ديفيد ونيفاتيم الجويتان، ومقر الموساد في غليلوت، ووزارة الدفاع في تل أبيب، وقاعدة لواء جولاني في الشمال ومواقع نظام القبة الحديدية فضلاً عن التجسس على القادة العسكريين.
وبحسب الشرطة، فإن الرجال اليهود السبعة هم خمسة بالغين، أحدهم جندي هارب، واثنان قاصران - كانوا جميعاً من منطقة حيفا ولا يملكون عملاً مستقراً، وقد هاجروا إلى إسرائيل من أذربيجان. ووفقاً للشرطة، كان الرجال السبعة جميعهم يعملون لصالح إيران عن علم وكانوا مكلّفين بتجنيد المزيد من الإسرائيليين ولكن تم القبض عليهم قبل أن يتمكنوا من القيام بذلك.
في هذا السياق، تطرّق الكاتب يوسي ميلمان، في "هآرتس"، إلى المتغيّر الذي دفع اليهود الإسرائيليين إلى التجسّس لصالح "ألد أعداء إسرائيل"، ونقل عن خبراء، ومنهم علماء النفس الذين يدرسون أسباب استعداد الناس لخيانة بلدهم، قولهم إن الدوافع عادة تكون "الجشع والانتقام وعدم الاندماج في المجتمع والإيديولوجيا، أو البحث عن المغامرة والإثارة".
وبرأي ميلمان، فإن الجشع كان دافعاً رئيسياً، خصوصاً أن إيران كانت مستعدّة لدفع مئات الآلاف من الشواكل للجواسيس الإسرائيليين. ويوافقه جوش برينر، في مقال آخر في الصحيفة العبرية نفسها، الذي يرى أن الاعتقالات الأخيرة تشير إلى أن المكاسب المالية، وليس العوامل الإيديولوجية، هي الدافع وراء التعاون مع إيران، إلى جانب التهميش الاجتماعي.
عوامل سياسية
لكنّ العاملين المادي وعدم الاندماج الاجتماعي ليسا سببين وحيدين يدفعان الإسرائيليين إلى التجسّس، بل ثمّة عوامل سياسية أخرى مرتبطة بالانقسامات الجذرية التي تواجهها الدولة العبرية بين معسكرات سياسية مختلفة، وبحسب ميلمان، فإن التقليل من خطورة الحالة وتقديم المشتبه بهم باعتبارهم جواسيس جاؤوا من هوامش المجتمع الإسرائيلي، من الفقراء والمحتاجين، هو "خداع ذاتي"، وينبغي التحليل من منظور سياسي واجتماعي أوسع نطاقاً.
وبرأي ميلمان، فإن المزيد من اليهود الإسرائيليين "على استعداد" للتجسس لصالح إيران وتنفيذ عمليات اغتيال انتقامية نيابة عنها، ومنهم من يُدرك أن المجتمع الإسرائيلي "منقسم أكثر من أي وقت مضى"، ومن خلال الشقوق في النسيج الإسرائيلي الهش تُحاول إيران الاختراق وتنجح، وبعد أحداث 7 تشرين الثاني (أكتوبر)، بات العملاء الإيرانيون يعتقدون أنهم قادرون على "استغلال نقاط الضعف الإسرائيلية".
وإذا كان اليهود نادراً ما كانوا مستعدين للتجسس لصالح "ألد أعداء" إسرائيل مثل "حماس" أو "حزب الله" أو إيران، حسب ميلمان، إلّا أن هذا الواقع تغيّر، فـ"الكثير من الإسرائيليين يشعرون بالاكتئاب لأنهم لا يرون نهاية لسياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العدوانية، فيما الاقتصاد يتدهور والحكومة لا تقدم الحلول لمواطنيها، وكل هذه الأمور تشكل أرضاً خصبة لزراعة الجواسيس" ، وكأن نتنياهو يُجنّدهم عن غير قصد.
وإذ يعتقد جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي أن الإجراءات العقابية القاسية التي تتخذها المحاكم ضد الجواسيس والخونة سوف تعالج هذه الظاهرة المتنامية، وفق مقال ميلمان، فإن المعالجات السياسية والاجتماعية تبقى الأساس، إلّا أن الكاتب يستبعد إيجاد علاج لـ"مرض" الجواسيس والخونة الإسرائيليين في ضوء الطريقة التي تدير بها حكومة نتنياهو شؤونها اليومية.
في المحصّلة، قد يكون الدافع الأول للجواسيس اليهود هو جني المزيد من المال، كون العملاء بشكل عام ينتمون إلى الطبقات الفقيرة والمتوسطة، لكن ثمّة عوامل سياسية معزّزة تدفع بإسرائيليين ويهود إلى التجسس والعمل ضد حكومتهم التي يعارضون سياساتها، في ظل اتساع رقعة الاختلافات السياسية داخل إسرائيل بين اتجاهات ومعسكرات مختلفة.