أردوغان ينتقل من الديبلوماسية إلى القوة مع الأسد...مفاوضات تحت نار المعارضة

سريعاً وبشكل مفاجئ نفذت فصائل المعارضة السورية المسلحة في شمال غربي سوريا، يوم أمس الأربعاء، عملية " ردع العدوان" كما أسمّتها، وذلك بهدف  "ضربة استباقية" لقوات النظام التي تخوض اشتباكات عنيفة ضدها في عدة مناطق في ريف حلب.

لكن المثير للجدل هو توقيت إعلان المعارضة لهذه الضربة "الإستباقية" خصوصا أنها جاءت بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، وبعد التحذير الذي وجهه رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو إلى بشار الأسد خلال الإعلان عن وقف إطلاق النار حيث قال"نحذر الرئيس السوري بشار الأسد من دعم محور المقاومة، وعلى الأسد ان يفهم أنه يلعب بالنار". فهل يكون انطلاق عمليات ردع العدوان من قبل قوات المعارضة السورية على حلب بعد قرار وقف إطلاق النار في لبنان تمهيداً لفتح جبهة داخلية وعمليات عسكرية في سوريا، وهي رسالة للنظام ولقادة الفصائل وإيران بأن وجودهم انتهى وإن لم ينته فسيجبرون على الدخول في صراع وحرب داخلية لكي يكون الكيان في مأمن.

ميدانيا تشير التقارير أن عملية "ردع العدوان" بدأت على محورين، الأول في ريف حلب الغربي والثاني في ريف إدلب الشرقي. في المحور الأول سيطرت فصائل المعارضة على نحو 20 موقعا بين قرى وبلدات ونقاط عسكرية في ريف حلب الغربي، وفي ريف إدلب الشرقي، أعلنت الفصائل سيطرتها على القرى المشرفة على الطريق الدولي ومقتل 37 عنصرا من قوات النظام السوري و44  من هيئة تحرير الشام، و16 من الفصائل.وتهدف هذه العملية بحسب إدارة العمليات العسكرية التابعة للمعارضة إلى إعادة نحو مئة ألف مهجر إلى مدنهم وقراهم التي تسيطر عليها الميليشيات الإيرانية.

جدير ذكره أن المنفس الإنساني والتجاري الوحيد  للمناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة في شمال سوريا هو من الجانب التركي. وهنا يأتي دور تركيا الأبرز في تحريك المعارضة بهدف إجبار النظام السوري على الخضوع وتوقيع اتفاق مع تركيا تحت النار.

المتخصص في شؤون الشرق الأوسط جو حمورة يعتبر "أن الهجوم المفاجئ الذي شنته فصائل المعارضة ومعه "هيئة تحرير الشام" أي "جبهة النصرة" سابقا لا يرتبط مباشرة بكلام نتنياهو أو باتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل،  إنما بما تريده تركيا من سوريا. فهذه الفصائل ومعها هيئة تحرير الشام يتم تمويلها وتجهيزها من تركيا كما تدين بالولاء لها مع هامش محدود في التحرك بمنأى عنها".

يضيف حمورة لـ"المركزية" " إلى فصائل المعارضة، هناك قوى وفصائل صغيرة ولاؤها المطلق لتركيا على غرار الحزب الإسلامي التركماني ويتم تمويلها وتدريبها من تركيا بشكل مباشر. من هنا يجب النظر من زاوية ماذا تريد تركيا من كل ما يجري اليوم على الساحة السورية بين قوى المعارضة وجيش النظام التركي؟".

" مصلحة تركيا وفق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هي التوصل إلى تسوية بين تركيا والنظام السوري لتثبيت الحضور التركي في شمالي سوريا والحصول على نوع من اعتراف وإقرار من قبل النظام السوري بهذا الوجود على أنه أساسي وضروري لحفظ الأمن ضد الإرهابيين،  واستعدادا لأي تسوية يمكن أن تُطرح مع وصول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب إلى الحكم. وهذا الأمر حيوي وأساسي  لأردوغان  حتى يكون هناك حد أدنى من التوافق بينه وبين النظام السوري حول الوجود العسكري في شمالي سوريا وضمان بقائه ونفوذه في أي تسوية مقبلة في سوريا".

المحاولات "الإستباقية" التي قام بها أردوغان لفتح حوار مع بشار الأسد عديدة لكنها باءت بالفشل على ما يقول حموره. ويوضح" في الأشهر السبعة الماضية قام أردوغان بثلاث محاولات لفتح حوارمع بشار الأسد حتى أنه تكلم عن ذلك بشكل علني أكثر من مرة، وسعى إلى إرسال موفدين من قبله للقاء الأسد وسواه من المسؤولين السوريين إلا أنه لم يسمع جوابا ولم يتلق أي موقف إيجابي من جانب النظام السوري، وعليه يبدو أن أردوغان قرر أن ينتقل من مرحلة طرح لقاء أو توافق أو تسوية أو مفاوضات ما بين تركيا والنظام السوري بشكل ديبلوماسي إلى مرحلة إجبار النظام السوري الجلوس الى طاولة مفاوضات. وما يقوم به اليوم يصب في هذا الإطار".

من هذا المنطلق يشبه حمورة عملية "ردع العدوان" بالهجوم الذي قامت به حركة حماس في غلاف غزة في 7 تشرين الأول 2023 لكنه لن يكون طويل الأمد بمعنى ان لا قدرة لوجستية لدى قوى المعارضة بالسيطرة على حلب والبقاء فيها. ستدخلها لكنها ستغادر قسما من القرى والأرياف الواقعة في غرب مدينة حلب. وعلى الرغم من ذلك سيكون لهذه المحاولات  التأثير الجدي من قبل تركيا لإجبار النظام السوري على الإذعان والإقرار بدور تركيا وأهميته في شمال سوريا وفتح نوع من المفاوضات مع إردوغان حتى يؤمن جهوزيته للمرحلة القادمة التي سيكون فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب حاضرا إضافة إلى التسوية المرتقبة والمرتبطة بسوريا وسواها".