أروقة الخارجية الأميركية: لبنان الرسمي "مكتوف اليدين" أمام الحرب

كلّ الاجتماعات التي تتخذ طابعاً ديبلوماسيّاً بما فيها تلك المنعقدة في صروح دولية، تضع التطورات الحربية على الحدود اللبنانية الإسرائيلية نقطة أساسية على جدول مشاوراتها عندما تعرّج على الأوضاع اللبنانية. الهدف هو البحث عن سبيل لإنهاء الاحتدام القتاليّ ومنع الحرب الشاملة.

في خضمّ لقاء حصل حديثاً بين جهة ناشطة جدّاً على النطاق اللبنانيّ الأميركيّ في الولايات المتحدة الأميركية ومسؤول مهمّ في وزارة الخارجية الأميركيّة، وتابعت "النهار" أجواءه، جرى تداول مجريات المعارك القتالية الناشبة بين الجيش الإسرائيلي والميليشيات المحسوبة على محور "الممانعة" جنوب لبنان مع إبراز المسؤول الأميركي خريطة جغرافية بيّنت مدى توسّع الرقعة الاستهدافية المتقابلة على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية وما باتت تشمله "حلقة النار" على نطاق الجنوب اللبناني والشمال الإسرائيلي بعدما كانت المناوشات محصورة بمساحة جغرافية ضيّقة في الأسابيع الأولى التي تلت انطلاق مرحلة 7 تشرين الأول الماضي.

ينذر الاحتدام القتاليّ المتفاقم بين إسرائيل و"حزب الله" بنشوب معارك أكثر ضراوة، فيما ترتسم استفهامات بارزة في واشنطن حول غياب أي تحرّك لبنانيّ رسميّ يمكن الرهان عليه حالياً لإنهاء الجوّ الحربيّ المتعاظم، فيما يبدو أنّ لبنان الرسميّ يقف "مكتوف اليدين" ولا يحرّك ساكناً، في اختصار للملاحظات التي أعرب عنها المصدر في الخارجية الأميركيّة مع استغرابٍ لعدم استطاعة أحد في لبنان إيقاف "حزب الله"، إضافة إلى استفهامات وارتياب من الأداء الوزاريّ اللبنانيّ على مستوى تصريف الأعمال لناحية مجاراة "حزب الله" في مرحلة شغور على نطاق استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية وغياب انتظام عمل مؤسسات الدولة اللبنانيّة وعدم وجود حكومة كاملة الصلاحيات.

وتداول الاجتماع الذي اتّخذ إطاراً شخصيّاً بين الجهة الناشطة اللبنانية الأميركيّة ومن يتابع الأوضاع الحربية بين إسرائيل و"حزب الله" في الخارجية الأميركية، في السبل الممكنة لتحييد لبنان عن الحرب الشاملة وحمايته في الأروقة الدولية. وبدا أنّ ما من خشية مباشرة من حرب شاملة رغم الاشتعال الناريّ المتأجّج على الحدود اللبنانية الإسرائيلية والمناطق المحاذية، لكن لا يزال هناك رادع تضطلع به الإدارة الاميركية الحالية يحول دون اللهيب الحربيّ الشامل، وإن كانت إسرائيل تنفّذ عمليات عسكرية متقدّمة خارج إطار المناوشات التقليدية التي طبعت الأسابيع القتالية الأولى، لكنها لا يمكن أن تعاند التوصيات الأساسية للإدارة الاميركية في واشنطن التي تقف سدّاً قويّاً أمام أيّ اندلاع حربيّ من دون ضوابط بين إسرائيل ولبنان.

ماذا أيضاً في الاستنتاجات الأساسية للاجتماع الخاصّ في الخارجية الأميركية؟ من الأمور اللافتة التي تم تأكيدها أنّ أحداً لا يسعى إلى الحرب الشاملة على الجبهة القتالية بين لبنان وإسرائيل، لكن أداء "حزب الله" يفاقم توسّعها. ورغم أنّ هناك تصريحات رسمية لبنانية ضدّ احتدام المعارك جنوب لبنان، لكنّها غير كافية في ظلّ عدم قدرة الدولة اللبنانية على اتخاذ قرار السلم والحرب ما لا يجعلها تصاريح محفّزة للتوقف عندها. صحيح أن هناك مواقف لبنانية مندّدة ومعارضة لـ"حزب الله" في الداخل اللبناني، لكنّها لا تأتي من مرجعيات لبنانية رسمية، ما يخفّف من وطأتها خارجياً خصوصاً أن حكومة الولايات المتحدة الأميركية تتعامل رسميّاً مع حكومات الدول وسلطاتها لا مع أحزاب أو مؤسسات خاصّة في المجتمع المدنيّ أو جمعيات مهما تكن بارزة أو مهمّة.

تحرص أكثر من جهة مؤثّرة لبنانية - أميركية ناشطة في واشنطن على أن تبحث سبل تحييد لبنان عن قنابل الحرب الشاملة، مع مناداتها بضرورة الدفاع عن لبنان وحمايته والتأكيد على أنّ الشعب اللبنانيّ في غالبيته يرفض الحرب. وإذ لم يغفل الاجتماع الذي شكّل محطة تشاورية مهمة في وزارة الخارجية الأميركية هذه النقاط، فقد أكّد أيضاً على أهمية انتخاب رئيس أو رئيسة للجمهورية اللبنانية وهو كان يمكن أن يغيّر في الأوضاع اللبنانية ويضاعف فرص الإقناع في أهمية التوصل إلى حلّ ديبلوماسيّ، لكن يبدو من الصعب إيقاف الأوضاع الحالية في غياب انتخاب رئيس الجمهورية وغياب وجود حكومة كاملة الصلاحيات. وقرّ الرأي في الاجتماع على ضرورة أن يتغير أداء الدولة اللبنانية حيال كيفية التعامل مع الأوضاع الحربية جنوب لبنان في ظلّ وجود ملاحظات على مستوى وزارة الخارجية الأميركية تستنكر أداء السلطة اللبنانية الخافتة عملياً في موازاة تفاقم النشوب الحربي في المناطق الحدودية بين لبنان وإسرائيل. وفيما تبقى الملاحظات الدولية معبّرة عن خيبة لناحية الأداء الرسمي للسلطات اللبنانية، فإنّها تطرح أهمية أن يتحرّك لبنان الرسمي للعمل على وقف تمدّد الحرب والتزام مندرجات القرارات والتوصيات الدولية التي ترعى الاستقرار.