أزمة "أوجيرو" تفتح الباب أمام الإنترنت البديل عبر الأقمار الاصطناعية

كتبت سلوى بعلبكي في النهار: 

أضرب موظفو هيئة أوجيرو، فتوقفت أعمال الصيانة في معظم سنترالات لبنان ومولداتها، وتدنت خدمات الاتصالات ومعها حتماً الإنترنت الذي تعتبر "أوجيرو" المعبر الأساسي له إلى المشتركين.

علت صرخات المواطنين وشكاواهم المحقة، فهم ما كادوا يبلعون ارتفاع أسعار التخابر والانترنت التي عدلت أخيراً على سعر صيرفة، حتى باتت خدمات الإنترنت بسبب تدني مستوى الصيانة في حال يرثى لها. هذه الحال أعاقت أعمال غالبية المواطنين وهددت المصالح والخدمات التي تقدمها شركات ومؤسسات كبرى، تتصل بحكم عملها وضرورة جودة خدماتها، بالنظم والبرامج الدولية، أو بإداراتها وفروعها في الخارج والداخل.

حالة الخدمات الرقمية المتردية، والحاجة الملحة إلى استقرار في عمل الانترنت وجودته، وفي ظل التخوف من عودة موظفي "أوجيرو" الى الاضراب إذا فشلت المفاوضات لمعالجة أزمة الرواتب، دفعت بالبعض إلى طرح استجرار خطوط إنترنت مستقلة عن "أوجيرو" عبر الأقمار الاصطناعية والساتلايت، لتأمين ديمومة الأعمال، والاستمرار في التواصل مع الداخل والخارج.

وزير الاتصالات جورج القرم كان قد قال لـ"النهار" إن الوزارة "تجري مفاوضات لاعتماد خدمة الانترنت عبر الاقمار الاصطناعية، من خلال شركة "#ستارلينك"، لكن المشكلة أنه لن يكون هناك مردود للدولة، علماً بأن مباحثاتنا تتركز حالياً على تقاسم الايرادات (Revenue sharing)، لكن لبنان بلد صغير وقد لا يجذبهم الامر، وحتى الآن لم نتوصل الى نتائج". المشكلة الاخرى التي أشار إليها القرم هي أن مشروع Star link "يمكن أن يفيد المباني والشقق، لكنه لا يفيد الشركات التي تعتمد على الاستخدام الكبير للانترنت".

"النهار" سألت الرئيس المدير العام السابق لهيئة "أوجيرو" الدكتور عبد المنعم يوسف عن الحلول البديلة عبر الأقمار الاصطناعية لتأمين خدمات الإنترنت في لبنان، فأبدى استغرابه واستهجانه لطرح المسألة في لبنان لسببين: "الأول أنه لا يوجد أي سبب تقني واقعي وحقيقي يؤدي إلى انقطاع خدمات الانترنت في لبنان.

والثاني أن التقنيات المقترحة عبر الأقمار الاصطناعية لا تشكل مطلقاً حلولاً بديلة ولا تستجيب أبداً لمتطلبات السوق الإجمالية اللبنانية". وقال "نبحث عن حلول لمشكلة لن تقع أبداً (إلا في حالة القوة القاهرة كالكوارث الطبيعية الكبرى أو حرب إسرائيلية تستعمل فيها قنابل ذرية تكتيكية مثلاً)، فيما طرح المعضلة بحد ذاته هو طرح خاطئ، يبحث عن حل لمشاكل لن تحصل".

وإذ اعتبر أن "البنية التحتية للاتصالات في لبنان هي بنية غنيّة ومتينة ومطمئنة ومكتملة الصيرورة sustainable"، لفت الى أن "الدولة اللبنانية تمتلك ثلاث شبكات أرضية وطنية للاتصالات تغطي مجمل الأراضي اللبنانية: شبكتان أرضيتان لاسلكيتان لانترنت الاتصالات الخلوي ألفا وتاتش، وشبكة أرضية وطنية ثابتة سلكية نحاسية وألياف ضوئية تشغلها وتعمل على صيانتها هيئة أوجيرو. يضاف إلى ذلك منظومة فائقة الإمكانات من الكوابل الدولية البحرية التي تهبط في لبنان وتتصل بكبرى الشبكات الدولية. تضاف أيضاً عضوية لبنان ودوره الفاعل عبر بعض المديرين واللاعبين في "أوجيرو" في المنظمات الدولية المشغلة الانترنت مثل ICAN والـRIPE والـISOC وغيرها". هذا الواقع، وما يعرفه من معلومات أخرى عن دينامية القطاعين العام والخاص في لبنان، حدا بيوسف إلى التأكيد أن "لبنان لن يواجه مطلقاً انقطاعاً شاملاً أو طويلاً، لا اليوم ولا غداً ولا بعد غد، في خدمات الإنترنت أو غيرها من خدمات الاتصالات".

أما ما يواجهه المشتركون اللبنانيون حالياً من تردٍّ في جودة الخدمات، وانقطاعات زمنية متكررة، فيعود برأي يوسف الى "النقص في الطاقة الكهربائية والمحروقات وبعض الإضرابات المتنقلة بسبب انحدار الرواتب، بما يستدعي البحث عن حلول بديلة لتأمين استمرارية إنتاج الطاقة الكهربائية وتأمينها لتغذية شبكات الاتصالات، لا طرح حلول بديلة من خدمات الاتصالات. وكذلك البحث الجدي في تحسين رواتب الموظفين العاملين في القطاعات الإنتاجية لخدمات الانترنت والاتصالات".

من جهة أخرى، أكد يوسف أن "تقنيات الانترنت عبر الأقمار الاصطناعية على اختلافها وتنوعها لا تشكل مطلقاً حلولاً بديلة، بل هي حلول مكملة ومساندة ولكن حتماً ليست بديلة. يضاف إلى ذلك أن هذه التقنيات، سواء عبر كان ذلك عبر شبكة "ستارلينك" أو شبكة "وان واب" أو "كويبر" أو "غيو وان" أو "لايت سبيد" أو "سفيرا" ليس لديها إمكانية التشغيل مباشرة في لبنان لأنها تتطلب بناء بنى تحتية مساندة لها في لبنان وبناء محطات أرضية "وسيطة" الأمر الذي يتطلب فترة زمنية تراوح بين سنة ونصف السنة وسنتين. كما أنها ليست معدة وموجهة لتكون حلولاً بديلة عند جمهور العموم ذلك أن أسعارها مرتفعة جداً. فالأكلاف التأسيسية للمشترك الواحد مثلاً تقارب 700 دولار، ثم اشتراك شهري يراوح بين 60 إلى 100 دولار".

ثمة حالياً 7 شبكات كوكبية عالمية من الأقمار الاصطناعية التي تسبح على مدارات منخفضة (على علو يراوح بين 1100 كم و1800 كم من مستوى الأرض)، وتتنافس في الأسواق العالمية على تأمين الخدمات الاستكمالية المساندة للانترنت في المناطق المعزولة والمناطق الريفية النائية حيث لا توجد أي شبكات أرضية للاتصالات سلكياً أو لاسلكياً. وكذلك في الدول الفقيرة أو قيد النمو التي لم تتمكن لغاية الآن من نشر شبكات للاتصالات على مجمل أراضيها، علماً بأن خدمات الشبكات الكوكبية لا تلائم المناطق السكانية المدنية المكتظة.

السوق الأكبر التي توجد فيها اليوم خدمات شركة "ستارلينك" هي في دول أفريقيا "الفقيرة" حيث لا توجد شبكات اتصالات نامية ومتطورة تمتد على مجمل أراضي هذه الدول، ولا سيما: موزمبيق، نيجيريا، كينيا، أنغولا، تنزانيا، زيمبابواي، بوستوانا، وزامبيا.

أما بالنسبة للبنان، فيؤكد يوسف أن التركيبة التجارية والسكانية للسوق اللبنانية لا تشبه مطلقاً السوق في هذه الدول، يضاف إلى ذلك أن لبنان يملك شبكات عدة للاتصالات تغطي مجمل أراضيه.

من جهتها، تحدثت العاملة في قطاع الاتصالات رنا زخور لـ"النهار" عن إمكان الاستعانة بالانترنت عبر الاقمار الاصطناعية تقنياً وتنظيمياً، فأشارت الى أنه تقنياً يمكن للشركات اللبنانية اللجوء الى الخدمات التي تقدمها الشركات العالمية، ولكن المشكلة التي تواجههم أن "لا آلية تنظيمية لهذا الامر ضمن الاطر القانونية من وزارة الاتصالات".

وإذ أشارت الى أن "خدمات "ستارلينك" مثلاً تغطي المنطقة، ولكن لم تُفعّل بعد بسبب عدم وجود اتفاق بين وزارة الاتصالات والشركة. فشركة "ستارلينك" لا يمكنها التعامل مع الشركات المحلية قبل موافقة الـRegulater (المنظم) أي وزارة الاتصالات".

الى "ستارلينك"، تشير زخور الى أن "ثمة شركات كبيرة عالمية أخرى لديها ساتلايات في الجو ويمكن للشركات المحلية التعاقد معها، ولكن الفارق بين "ستارلينك" والشركات التي نتحدث عنها هو أن الاقمار الاصطناعية للاولى موجودة في المدار المنخفض وقريبة من الارض على خلاف الشركات الاخرى. عدا عن ذلك فإن لدى "ستار لينك" خططاً صغيرة تناسب المشتركين النهائيين، فيما الشركات الأخرى كلفتها أكبر وبسرعات أقل".

وتوضح زخور أن خدمات "ستارلينك" وإن كانت بحاجة الى أطر تنظيمية وقانونية، لا تحتاج الى البنى التحتية التي تملكها الدولة، فيما خدمات الانترنت التي تؤمن عبر الخطوط الارضية عبر الكابل البحري وتوزع عبر وزارة الاتصالات مهددة إذا ما طرأ أي عطل في خدمة الانترنت في البلاد.

 

وفيما أكد وزير الاتصالات أن لا إيرادات للدولة من الانترنت عبر الاقمار الاصطناعية، تؤكد زخور أنه يمكن للدولة أن تحقق إيرادات إذا فرضت تعرفة معينة على الشركات التي ستتعامل مع "ستارلينك" أو غيرها من الشركات التي تؤمن الخدمة عبر الاقمار الاصطناعية.

 

من يوفر الانترنت عبر الاقمار الاصطناعية؟

الشبكات الكوكبية بالأقمار الاصطناعية التي تنتج خدمات الإنترنت العالية السرعة والتي تتنافس بشراسة في الأسواق العالمية هي:

شبكة "سبايس إكس" لصاحبها ألان ماسك التي تبيع خدماتها تحت التسمية التجارية "ستار لينك"، وشبكة "وان واب" المملوكة من شركة إيرباص وشركة أوتيلسات، وشركة باهارتي ميتال (بريطانيا)، وشبكة "كويبر" المملوكة من شركة أمازون، وشبكة "غيو وانغ" المملوكة من الدولة الصينية، وشبكة "لايت سبيد" المملوكة من المشغل الوطني الكندي تيليسات، وشبكة "سفيرا" المملوكة من الدولة الروسية، وشبكة "إيريس" المملوكة من دول الاتحاد الأوروبي.