أزمة في المصارف... الحرب وسياسات الصرف تُراكم نقص الموظفين

كتبت عزة الحاج حسن في المدن:
"قد يستغرب البعض الحديث عن مواجهة القطاع المصرفي نقصاً بالكوادر البشرية وهو الذي سلك كافة الطرق في السنوات الماضية كي يتخلّص من آلاف الموظفين لترشيد إنفاق المصارف. لكن أن يواجه القطاع المصرفي أزمة توظيف، فهو ما يبدو غريباً على قطاع لطالما شهد تهافتاً من قبل الشباب اللبناني المتعلّم والمتخصّص.

اليوم وتحت ضغط الحرب والقصف على مناطق عديدة من لبنان يواجه القطاع المصرفي أزمة توظيف لم يشهدها يوماً. يعاني القطاع نقصاً بالكوادر البشرية في أقسام محددّة شهدت حالة نزوح منذ بداية الأزمة المالية واستُتبعت خلال أشهر الحرب المستمرة حتى اليوم.

ورغم خطط الطوارئ التي وضعتها المصارف تحسّباً لأي تصعيد أو حرب والتي نجحت إلى حد كبير في تأمين استمرارية عملياتها المصرفية، لكنها لم تتمكن حتى اليوم من سدّ الشواغر التي تعاني منها أقسام معيّنة كالمعلوماتية IT والأمن الإلكتروني والأقسام المعنية بإدارة المخاطر وتطبيق معايير الإمتثال وغيرها.

سنوات من الصرف
على مدار سنوات الأزمة المالية منذ عام 2019 وحتى شهر تموز من العام 2023، قامت المصارف بصرف الآلاف من موظفيها غالبيتهم من كبار السن (من يفوق سنه 50 عاماً) أو ذوي الرواتب المرتفعة، وذلك في إطار خفض النفقات التشغيلية بعد تراجع نشاط المصارف بشكل كبير جداً وتعليق معظم أعمالها.

في تلك الفترة الزمنية تراجع عدد موظفي المصارف، بحسب أرقام مصرف لبنان، من 24704 موظفين في شهر كانون الأول 2019 إلى 14693 في شهر تموز 2023، أي قرابة 40 في المئة. وفي هذه الفترة بالذات شهدت المصارف أيضاً موجة استقالات اقتصرت على الموظفين الجدد خصوصاً أولئك الذين انضموا إلى القطاع المصرفي قبل الأزمة المالية بفترات وجيزة إيماناً منهم بمستقبل القطاع. لكن خلال الأزمة خرج قسم كبير منهم من المصارف، إما بداعي الهجرة أو الإنتقال إلى قطاع مختلف برواتب وتقديمات تفوق أضعاف ما تقدّمه المصارف.

هذا الواقع أحدث في بعض الأقسام في المصارف شغوراً لا يمكن سدّه بعملية إعادة توزيع مهام ولا حتى استعانة مؤقتة بخبرات البعض، إنما يستلزم عملية توظيف لأصحاب الخبرات، بتقديمات ورواتب متواضعة جداً وهو ما لا يمكن ضمان تأمينه من قبل المصارف.

فالمصارف التي حاولت إعادة ترتيب بيتها الداخلي، من خلال إغلاق فروع ودمج موظفين وصرف آخرين خسرت الكثيرين من أصحاب الخبرة لديها بسبب تراجع قيمة الرواتب والتقديمات. وبحسب مصادر مصرفية فإن الغالبية الساحقة من المصارف عدّلت رواتب موظفيها لكنها لم تتجاوز بمجملها نسبة 30 في المئة مما كانوا يتقاضونه قبل الأزمة أي عام 2019. وقلة من المصارف، ربما مصرفين اثنين فقط، ترتفع رواتب موظفيهم إلى ما يقارب 50 في المئة من رواتبهم السابقة. وهي نسب لا تضمن استقرار الموظفين في مصارفهم لا بل تدفع بهم إلى البحث المستمر عن فرص وظيفية داخل وخارج لبنان.

استدعاء وتهديدات بالصرف
مع بداية الحرب أغلقت المصارف فروعها العاملة في جنوب لبنان واتخذت عدة إجراءات لضمان عملها وأمان موظفيها، فقامت بنقل البعض إلى فروع أخرى في مناطق آمنة ومنحت البعض الآخر إجازات مدفوعة محسومة من إجازاتهم السنوية للعامين الحالي والمقبل.

لكن بعد توسّع الحرب وشمولها مناطق أخرى ارتفعت نسبة الموظفين المستقيلين والمهاجرين والمتوقّفين قسراً عن العمل بحكم نزوحهم إلى مناطق أخرى، ما أوقع المصارف في حالة من النقص الفادح في بعض أقسامها. فاضطرت إلى استدعاء موظفيها المتوقفين عن العمل بفعل إجازات سنوية، حتى أن بعض المصارف تضع الموظفين أمام خيار العودة إلى العمل أو الصرف التام.

ويقول أحد الموظفين الذين يعملون online من خارج لبنان في حديث إلى "المدن" إن المصرف لم يضغط عليه لدفعه إلى العودة وهو يمارس عمله عن بُعد بشكل طبيعي، لكن في المقابل اضطر زميل له إلى تقديم استقالته لأن المصرف أجبره على العودة إلى أحد الفروع الكائن في أحد أحياء بيروت غير الآمنة. فالمصرف وضعه بين خيارين إما العودة إلى العمل أو الاستقالة.

ويوضح نقيب موظفي المصارف ابراهيم باسيل في حديثه إلى "المدن" أن المصارف تقوم باستدعاء الموظفين الذين مُنحوا إجازات طويلة في وقت سابق في إطار الإجراءات التي اتخذتها المصارف خلال الأزمة. وإذ يشرح باسيل الآليات التي تعتمدها المصارف لتأمين استمرارية عملها وكيفية توزيع الموظفين ومنح البعض منهم إجازات مدفوعة وغير مدفوعة الأجر، يشير إلى أن كل مصرف يقوم بإجراءات مختلفة عن الآخر لتأمين استمرارية عمله ويؤكد عدم تلقي أي شكاوى من الموظفين.

ويكشف باسيل عن أن المصارف تعاني اليوم من نقص بالموظفين في أقسام محدّدة لأسباب تعود إلى عمليات الصرف السابقة والاستقالات الكثيرة التي لحقتها، والأخطر من ذلك، يقول باسيل، هو عزوف الشباب اللبناني عن الإقبال على وظائف بالقطاع المصرفي واهتزاز مستوى الثقة من قبلهم. فالشباب من ذوي الخبرة يبحثون عن وظائف ذات الرواتب المرتفعة وهو ما ليس متوفراً في القطاع المصرفي في الوقت الحالي. لذلك تعاني الأقسام المرتبطة بالمعلوماتية والمخاطر وسواها من الأقسام المهمة في المصارف من نقص الموظفين.

بالمحصّلة تتمكن المصارف اليوم من تأمين استمرارية عملها لجهة التحويلات والسداد والبريد بين المصارف ومع مصرف لبنان والخارج وغير ذلك من الأعمال اليومية لكن ثمة أمور تعجز عن تأمينها كما السابق، ما يُربكها ويهدّد استمرارية عمل الفروع بشكل طبيعي."