المصدر: اللواء
الكاتب: خالد حماده
الثلاثاء 7 تشرين الأول 2025 08:18:44
دخلت خطة الرئيس ترامب لإنهاء الحرب في غزة حيّز التنفيذ بعد تخلي كل من إسرائيل وحركة حماس عن كل ما اعتبر سابقاً خطوطاً حمراء. تخلت إسرائيل عن خطة إحتلال القطاع ورفض إشراك الفلسطينيين في إدارته، وبالمقابل وافقت حماس على تسليم الأسرى الإسرائيليين دفعة واحدة والتخلي عن السلاح وخروج قادتها من القطاع مقابل ضمانات أميركية بانسحاب إسرائيلي كامل وعلى مراحل وتسليم السلطة لإدارة مؤقتة بدعم دولي. وبهذا فإن جولات التفاوض التي تستضيفها مصر ستخصص لمناقشة مراحل وأولويات تطبيق النقاط المتعلقة بتبادل للأسرى والسجناء وانسحاب الجيش الإسرائيلي دون النقاط الأساس التي لن تكون موضع نقاش.
تعبّر خطة ترامب التي أتت غداة إجتماعه بقادة دول عربية واسلامية في نيويورك ــــــ والتي تعهد بالإشراف الشخصي على تنفيذها ــــــــ عن استدارة أميركية لا عودة عنها في علاقة واشنطن بالمنطقة العربية. ويندرج في هذا الإطار إعلان البيت الأبيض عن "اعتذار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لانتهاكه سيادة دولة قطر وتأكيده أن مثل هذا "الهجوم لن يتكرر في المستقبل"، وتوقيع الرئيس الأميركي الأمر التنفيذي الذي يعتبر أن "أي هجوم يستهدف أراضي دولة قطر، أو يمس سيادتها أو بنيتها التحتية الحيوية، هو تهديد مباشر لأمن الولايات المتحدة ومصالحها الاستراتيجية".
تشكّل خطة ترامب بضماناتها العربية والأميركية إعلاناً واضحاً بإخراج طهران بشكل نهائي من الميدان الفلسطيني وإقصائها عن كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. لقد تحوّل كل ما يتعلق بوقف الحرب في غزة وبمستقبل القطاع شأناً عربياً وأميركياً بكل ما للكلمة من معنى، كما تجاوز الإلتزام العربي بدعم الخطة الموقف الدبلوماسي بتأييد بنودها ليبلغ حدود المشاركة الميدانية في تنفيذها. أضحت المشاركة العربية عبر القوة الدولية العربية-الإسلامية التي ستنتشر في القطاع أحدى الجهات الضامنة لانسحاب الجيش الإسرائيلي بما في ذلك ضمان نزع سلاح حماس وتسليم السلطة البديلة.
تؤسّس عودة غزة إلى الحاضنة العربية وتحرير القرار الفلسطيني من سطوة طهران لقطع أهم الصلات التي تسللت إيران من خلالها إلى الوجدان العربي وخاطبت الجماهير وألّبتها على دولها وحكامها وأقامت ميليشياتها المذهبية. يأتي خروج طهران من غزة بعد أقل من عام على سقوط نظام بشار الأسد (كانون الأول/ديسمبر 2024) وخسارة دمشق إحدى أهم العواصم العربية الأربعة التي لطالما تغنت طهران بالسيطرة عليها. هذا وتنبئ الساحات المتبقية في اليمن ولبنان والعراق بمزيد من التصعيد بالتزامن مع إعادة فرض العقوبات الأممية على طهران بتفعيل "آلية الزناد" أو ما يُعرف بـ"سناب باك"، بما تتضمنه من قيود على قطاع الطاقة الإيراني والمعاملات المالية مع المصارف الإيرانية، ليشكل ضربة قاسمة للإقتصاد المتداعي منذ سنوات.
تدرك طهران تداعيات خسارة قطاع غزة بعد سوريا واستحالة إعادة الوضع إلى ما كان عليه، إذ يعبّر موقف حزب الله الداعم والمؤيد لموقف حركة حماس من خطة الرئيس ترامب عن موقف طهران الحقيقي إزاء الوضع الجديد والقاضي بفك الإشتباك مع إسرائيل. ويلتقي هذا الموقف بل يتماثل مع رضوخ الحزب لتسليم السلاح في جنوب الليطاني كرسالة إيرانية إلى كل من واشنطن وتل أبيب بأن المواجهة العسكرية لم تعد خياراً لدى طهران. من جهة أخرى، فإنّ رفض حزب الله القاطع تسليم السلاح شمال الليطاني ليس سوى تعبيراً عن إرادة إيرانية لا عودة عنها بأن لبنان هو أحد الساحات وربما أكثرها احتمالاً لتعديل ميزان القوى الجديد، وإن السلاح في شمال الليطاني هو الأداة المتاحة لذلك، فأين لبنان الرسمي من كل ذلك؟
تريد كل من إسرائيل وإيران تحويل لبنان إلى غزة جديدة. تعبّد مواقف قادة الجمهورية الإسلامية المتمسكة بدور حزب الله وسلاحه في لبنان الطريق أمام مغامرة إيرانية جديدة في لبنان، فيما ترتفع حدود المخاطر مع تقدم خطة ترامب وخروج الجيش الإسرائيلي من القطاع في غضون أسابيع قليلة، مما يفسح المجال أمام خيارات عسكرية واسعة النطاق للقضاء على حزب الله.
وما بين الرغبة الإسرائيلية في تكرار نموذج غزة التدميري في لبنان والرغبة الإيرانية في وضع اليد على لبنان عبر استنساخ تجربة حماس التي تحوّلت إلى قوة مسلحة تمردت على السلطة واستولت بالقوة على قطاع غزة وطردت السلطة خارجه في العام 2007 ، هل تقدم الحكومة على مناقشة تداعيات خطة ترامب على لبنان؟ وهل هناك من لا زال يعتقد أن استمرار حالة التعايش القسري مع سلاح حزب الله كافية لإنقاذ لبنان؟