أسابيع قبل ركوب لبنان القطار.. أو دخوله النفق الملغوم

لم يكن من قبيل الصدفة إعلان الجيش الإسرائيلي عن العمليات التي نفذها في جنوب لبنان، وادعى فيها تدمير بنى تحتية عائدة لحزب الله، ومصادرة أسلحة. مثل هذه العمليات كانت تحصل منذ أشهر، وتحديداً منذ تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار. لكن الهدف الواضح من الإعلان هو إحراج الدولة اللبنانية أكثر، والضغط عليها، في ضوء انتهاء زيارة الموفد الأميركي توم باراك من زيارة لبنان.

ما يريد الإسرائيليون قوله إن الدولة اللبنانية لم تكمل حتى الآن عمليات سحب الأسلحة وتفكيك البنى التحتية العائدة لحزب الله في جنوب نهر الليطاني، علماً أن المطلوب هو سحب السلاح من كامل الأراضي اللبنانية، ويفترض الانتقال إلى شمال نهر الليطاني. 

جدول زمني

يندرج الإعلان الإسرائيلي في سياق الضغط على لبنان، خصوصاً أن المطلوب من الدولة اللبنانية وضع خطة تنفيذية واضحة وبرنامج عمل مقسم إلى مراحل زمنية لسحب السلاح، مع التشديد على ضرورة إقرار ذلك في الحكومة، لا سيما أن التقييمات الأميركية الأولية للردّ، بحسب ما يتسرب من معلومات، أنه أقل من المتوقع، والمطلوب تحديده أكثر والالتزام بآلية تنفيذية، لأن إعلان النوايا فقط لم يعد يكفي. أما بحال عدم الإقدام على ذلك، فإن إسرائيل -ومن خلال الخبر الذي وزعه جيشها- ستكون مستعدة لتنفيذ المزيد من العمليات العسكرية. وعندها، لن تكون الولايات المتحدة الأميركية مهتمة بالملف اللبناني. إذ أن الموفد الأميركي قالها بوضوح، إنه لا أحد سيكون مستعداً لإطالة أمد التفاوض حتى السنة المقبلة. 

المطلوب من لبنان إذاً، هو الالتزام بفترة زمنية محددة ومعقولة. كسب اللبنانيون بعض الوقت لبضعة أسابيع قبل عودة باراك وتسليمه الخطة، وبانتظار ما سيتقرر في مجلس الوزراء. هنا سيكون التركيز على دور رئيس مجلس النواب نبيه بري مع حزب الله، في محاولة لإقناعه بالموافقة على المراحل والجدول الزمني، لتجنّب المزيد من التصعيد، ولتفادي حرب مدمرة. 

الحكومة و"ركوب القطار"

في الأثناء، بدأت تُطرح سيناريوهات كثيرة. فبحال عُقدت جلسة للحكومة، هل سيحضر وزراء الثنائي الشيعي أم سيقاطعونها؟ وفي حال مقاطعتها هل تستمر الجلسة بالانعقاد؟ وما سيكون عليه رد فعل الحزب؟ أما بحال لم يتم الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء، ماذا سيكون عليه موقف وزراء القوات اللبنانية وآخرين؟ هل سيتجهون إلى الانسحاب من الحكومة أو الاستقالة؟ 

يُطرح كلّ ذلك بالتزامن مع تكرار مصطلح "ركوب القطار". وهو ما يتكرر على ألسنة الكثير من المسؤولين الدوليين، بما فيهم باراك، الذي تحدث عن متغيرات وتحولات تمرّ بها المنطقة، ولا بد من مواكبتها، وإلا فإن الجميع سيتخلى عن لبنان. تلك التحولات لها انعكاساتها السورية والتي تعني باراك مباشرة. إذ انتقل من بيروت إلى دمشق لترتيب اجتماع بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، على قاعدة الالتزام بوحدة الأراضي السورية و"توحيد البندقية" تحت سلطة الدولة. وكأن في ذلك إشارة إلى نهاية عصر "القوى المسلحة الرديفة"، وهو ما حصل بالتزامن مع رسالة عبد الله أوجلان عن ضرورة إلقاء السلاح. هذا النموذج الذي يُراد له أن يتحقق في لبنان مع حزب الله أو غيره، وفق كلام بارّاك، الذي شدد على ضرورة سحب كل سلاح وتفكيك البنى العسكرية لكل الفصائل المسلحة. في المقابل، فإن حزب الله لا يزال يطالب بضمانات تتعلق بالانسحاب الاسرائيلي، والالتزام ووقف الاعتداءت والخروقات وترك الأمر بعهدة اللبنانيين، من ضمن استراتيجية دفاعية. 

الأسابيع الحاسمة

سيكون لبنان أمام أسابيع حاسمة، تشهد الكثير من الضغوط السياسية الخارجية والداخلية، ولا تحول دون إمكانية توسيع مدى الضغط العسكري، انطلاقاً من البيان الإسرائيلي ومن عمليات الاغتيال التي تتوسع على طول الأراضي اللبنانية. القطار أصبح معروف الوجهة، وقالها باراك بوضوح حول سلوك مسار سوريا، التي تتجه إلى اتفاق ترتيبات أمنية مع إسرائيل. وعندما يتحدث باراك عن أن فشل آلية مراقبة اتفاق وقف اطلاق النار الذي جرى التوصل إليه في تشرين الماضي، يعني أن هناك حاجة إلى اتفاق على آلية جديدة أو اتفاق أو تفاهم جديد بأبعاد أمنية.