المصدر: المدن
الكاتب: عزة حاج حسن
الجمعة 7 شباط 2020 06:38:00
وإن حضرت الإجراءات والعناوين الإصلاحية في "خطة الطوارئ الإنقاذية" كما وردت في البيان الوزاري، غير أنها لم ترق إلى مستوى الأزمة المالية والنقدية المتسارعة، والتي تقارب الإنهيار في بعض جوانبها.
ورد في البيان الوزاري، في شقه الاقتصادي، بنود وعبارات فضفاضة يخفي بعضها مخاطر على المودعين في المصارف، لاسيما صغار المودعين وذوي المداخيل المحدودة المعنونة بالدولار، كما يأخذ بعضها شكل شعارات أكثر منه إصلاحات، لاسيما فيما يتعلّق بالشق الاجتماعي.
تواطؤ مع المصارف
في البند السادس من فقرة الإصلاحات الواردة في البيان الوزاري، تتطرق الحكومة في معالجة الأزمة النقدية والمصرفية إلى ضرورة إعداد مشاريع القوانين للتوصل إلى "حماية أموال المودعين لا سيما الصغار منهم في المصارف اللبنانية وتنظيم علاقة المصارف مع عملائهم منعاً لأي استنسابية" و"المحافظة على سلامة النقد"، وفي هذا البند إشارة واضحة الى نية الحكومة تشريع الاجراءات غير القانونية التي تمارسها المصارف اليوم بحق المودعين، والتي كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قد طالب في وقت سابق بإيجاد التغطية القانونية لها.
الإجراءات المقرّر قوننتها هي تلك التي تحدّد بموجبها المصارف سقف للسحب النقدي بالليرة اللبنانية حصراً، وتعليق عمليات السحب بالدولار كليّاً. وبالتالي، تسهّل قضم نحو 30 في المئة من أموال أصحاب الودائع المعنونة بالدولار وأصحاب الرواتب الدولارية، بسبب فارق سعر صرف الدولار.
واكتفت الحكومة في بيانها الوزاري بذكر عبارة "المحافظة على سلامة النقد" من دون التطرق إلى ضرورة معالجة أزمة انحدار الليرة، التي خسرت أكثر من ثلث قيمتها حتى اليوم، وتسليم سوق صرف الدولار إلى الصرافين والتجار برعاية من مصرف لبنان، الذي يعمل ليل نهار على ضبط وتيرة سعر شراء الدولار، من دون الإلتفات إلى سعر المبيع. وهو ما يشكّل سبباً مباشراً لاستمرار عمليات التلاعب بسوق الصرف الموازية.
وأكثر ما يلفت في الشق المالي والمصرفي من البيان الوزاري، إصرار الحكومة وتعهدها سداد الدين في مواعيده المحدّدة، واستبعاد أي احتمال لجدولة الدين، بعد المصارحة بعدم القدرة على السداد، لاسيما أن الإلتزام بسداد أموال الدائنين سيكون على حساب المودعين، قطعاً من ما تبقى من احتياطات بالعملة الأجنبية لدى مصرف لبنان.
تعابير فضفاضة
تطرّقت الحكومة في بيانها الوزاري إلى "ضرورة اتخاذ خطوات مؤلمة" من دون أن تحدّد ماهية تلك الخطوات التي من المتوقع أن تودي بما تبقى من قدرة معيشية لدى محدودي الدخل والفقراء. فلم يغفل البيان الوزاري عن تخصيص بند لتقوية شبكات الأمان الإجتماعي لجهة "توفير الحماية لكافة شرائح المجتمع خاصة المهمّشين والعائلات الأكثر فقراً"، في حين أن مخصصات الشؤون الإجتماعية تقلّصت بشكل تدريجي، ما استدعى إعادة النظر بعدد العائلات الأكثر فقراً وخفضها بما يتناسب والميزانية المالية.
وورد في الفقرة المذكورة أعلاه "تحديث أنظمة إدارة القطاع الصحي وتعزيز التغطية الصحية للمواطنين"، في حين أن الدولة عاجزة ومتوقفة منذ سنوات عن سداد مستحقات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، الذي يؤمن التغطية الصحية لما يفوق مليون مواطن لبناني، ما يعرّضه إلى خطر الإستمرار، وعاجزة أيضاً عن سداد مستحقات المستشفيات البالغة أكثر من 2000 مليار ليرة وهو ما يعيق قدرتها على استقبال كافة المرضى...
الوعود الفضفاضة الواردة في البيان الوزاري كثيرة، باتت أقرب إلى الشعارات منها إلى الخطط، في ظل غياب رؤية واضحة للتمويل، في بلد يحتاج لما يقل عن 25 مليار دولار للخروج من أزمتة المالية وإعادة إحياء الدورة الاقتصادية.
تحدث البيان الوزاري عن سلامة الغذاء، علماً أن الحكومة نفسها حذفت من قانون موازنة العام 2020، الذي أقر منذ أيام، البند المخصّص لمعالجة مياه الليطاني من التلوث، فكيف يمكن الحديث عن سلامة غذاء في ظل استمرار تلّوث المياه التي تروي السواد الأعظم من الأراضي الزراعية في لبنان.
ولا ننسى ما ورد في البيان الوزاري من مهل زمنية لمكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة وتأمين التغذية الكهربائية عاجلاً، والعمل على تطوير الاقتصاد الوطني من اقتصاد ريعي وخدماتي إلى إنتاجي، لتتحول العبارة الأخيرة إلى شعار "فارغ" أشبه بالزجل، لا معنى له ولا قيمة، خصوصاً عندما يخلو البيان الوزاري من خطة واضحة لتعزيز قدرة المصانع اللبنانية على الاستمرار، وتمكينها من تعويض النقص الحاصل في السوق اللبنانية، وسد الفراغ الإستهلاكي الذي يتعمّق يوماً بعد يوم، نتيجة ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة بشكل جنوني، وتقلّص القدرة على التصنيع المحلي، بسبب تقييد عمليات استيراد المواد الأولية للصناعة اللبنانية.