أكبر مستشفى عامل بغزة "خارج الخدمة".. ماذا يجري بمجمع ناصر؟

خرج مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس بغزة، رسميا عن الخدمة، الأحد، حسبما أعلنت منظمة الصحة العالمية والسلطات الصحية بالقطاع، وذلك بعد أن داهمته قوات إسرائيلية، وسط الأسبوع.

ورغم بقائه تحت الحصار لأسابيع بسبب القتال بين الجيش الإسرائيلي وحماس، واصل مجمع ناصر تقديم خدماته كأكبر منشأة طبية عاملة في غزة، قبل أن ينضم إلى قائمة المستشفيات التي توقفت خدماتها، في أعقاب الاقتحام الأخير، الذي أثار قلقا واسعا بشأن مصير المرضى والأطقم الطبية والإدارية لهذا المركز الصحي.

وأكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أن المستشفى "لم يعد قادرا على تقديم الخدمات​​​​، بعد الحصار والاقتحام المستمر منذ أسبوع".

وأضاف المسؤول الأممي في منشور عبر منصة "أكس"، الأحد، أنه لم يُسمح لفريق المنظمة، الجمعة والسبت، بدخول المستشفى لتقييم أوضاع المرضى والاحتياجات الطبية الحرجة، على الرغم من وصوله إلى حرم المستشفى لتوصيل الوقود بالتعاون مع الشركاء.

وأكد غيبريسوس على أن المرضى سيدفعون حياتهم ثمن أي تأخير في الإحالة، داعيا إلى ضرورة تسهيل الوصول إلى المرضى والمستشفى.

بدورها، تؤكد مسؤولة الإعلام بالهلال الأحمر الفلسطيني، نبال فرسخ، خروج المستشفى نهائيا عن الخدمة، مشيرة إلى أن حياة المرضى بالمستشفى في خطر، في ظل غياب جميع مقومات توفير الرعاية الطبية لهم.

وتشير فرسخ في تصريح لموقع الحرة، إلى أنه جرى نقل المرضى إلى المبنى القديم للمستشفى بعد اجتياح القوات الإسرائيلية، الذي تسبب في انقطاع للتيار الكهربائي وتوقف المولدات، مما أدى إلى وفاة ستة مرضى بينهم طفل.

ووفقا للجيش الإسرائيلي، دخلت القوات المستشفى، الخميس، بناء على "معلومات استخبارية موثوقة" تفيد بأن رهائن ممّن خُطفوا في 7 أكتوبر محتجزون في المنشأة الطبية، وأن جثث بعضهم قد تكون هناك أيضا.

والأحد، قال الجيش الإسرائيلي، إن قوات خاصة لا تزال تعمل داخل المجمع وفي محيطه، معلنا العثور على أسلحة، بعد أن أفاد في بيان سابق العثور على أدوية بأسماء رهائن إسرائيليين داخل المستشفى. فيما تنفي حماس مزاعم استخدام مقاتليها المرافق الطبية.

اتهامات وردود

ويكشف مسؤولون بقطاع الصحة أن مستشفى ناصر لا يزال يؤوي عشرات المرضى الذين يعانون من إصابات ناجمة عن الحرب ومن الأزمة الصحية المتفاقمة في غزة.

وأكدت فرسخ، أن هذا المركز الصحي يبقى إلى الآن بدون كهرباء ودون أجهزة طبية والآليات اللازمة للعمل الطبي، مما يهدد حياة نحو 125 جريحا لا يزالون بداخل المجمع ويتلقون عناية طبية من طرف 5 أطباء فقط.

من جهته، كشف المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، أشرف القدرة، لرويترز، أن أربعة أطقم طبية فقط تتولى رعاية المرضى داخل مستشفى ناصر، وتتألف من 25 موظفا.

وحاول موقع قناة الحرة، التواصل مع مدير المستشفى، ناهض أبو طعيمة، غير أن هاتفه كان خارج الخدمة.

وأوضح الجيش الإسرائيلي في بيان سابق، أنه بعد ورود بلاغ بخصوص عطل الأنظمة الكهربائية داخل المستشفى،  عملت قوات على إصلاح المولد وإحضار مولد بديل.

وبالإضافة إلى ذلك، قام جيش الدفاع الإسرائيلي بتزويد المستشفى بالغذاء للأطفال الرضع والمياه، وفقا للبيان ذاته.

لكن المسؤولة بجهاز الهلال الأحمر الفلسطيني تقول إن القوات الإسرائيلية التي تحاصر المستشفى لم تستجب لمطالبات بنقلهم وتقديم العناية الطبية لهم في مراكز طبية أخرى.

وأفاد مراسل "الحرة" في غزة، أن الجيش الإسرائيلي، قام بعمليات تجريف وحفر وتفتيش داخل أقسام وساحات مجمع ناصر الطبي، فيما أعلنت وزارة الصحة بالقطاع، عن وفاة مرضى في العناية المركزة نتيجة توقف الأوكسجين.

كما أعلنت الوزارة خلال اليومين الماضيين،  عن ولادة سيدتين في ظروف قاهرة وغير إنسانية بلا كهرباء وماء وطعام وتدفئة في داخل المجمع.

وأعلن الجيش، السبت، أنه اعتقل 100 شخص في المستشفى بشبهة قيامهم بـ"أنشطة إرهابية"، وأنه عثر على قذائف وقنابل يدوية وأسلحة أخرى تابعة لحماس.

وفي المقابل، قالت وزارة الصحة بغزة، إن القوات الإسرائيلية أقدمت على "اعتقال عدد كبير من إدارة وكوادر مجمع ناصر الطبي"، معتبرة أن "هذه جريمة حرب واستهتار بحياة المرضى والجرحى الذين هم بأمس الحاجة إلى الرعاية والعلاج المباشر".

وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية، أن  الجيش الإسرائيلي "أجبر إدارة مجمع ناصر الطبي على وضع 95 كادرا صحيا و11 من عائلاتهم و191 مريضا و165 من المرافقين والنازحين في ظروف قاسية ومخيفة بلا طعام أو حليب أطفال ونقص حاد في المياه".

ونفت وحدة المتحدثين التابعة للجيش الإسرائيلي، حدوث أي انتهاكات خلال عملياتها في المستشفى، مشيرة إلى أنها "فتحت طريقا آمنا لإجلاء المدنيين الذين لجأوا إلى منطقة مستشفى ناصر باتجاه المنطقة الإنسانية".

وبحسب تصريحات المصدر ذاته لموقع "الحرة"، "أجرت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي عملية إخلاء السكان المدنيين بطريقة محكمة ودقيقة لمنع الإرهابيين من استغلال عملية الإخلاء".

وأكدت الوحدة، أن الجيش الإسرائيلي لا ينوي إجلاء المرضى والطواقم الطبية، وقد تم توجيه القوات المشاركة بشكل كامل مسبقا لإعطاء الأولوية لسلامة المدنيين والمرضى والعاملين الطبيين والمرافق الطبية أثناء العملية.

وأشار المصدر ذاته إلى أن الجيش سيواصل العمل بموجب القانون الدولي ضد حماس، التي تعمل بشكل مقصود داخل المستشفيات والبنية التحتية المدنية"، موردا أنه "يعمل على التمييز بين السكان المدنيين وإرهابيي حماس".

"حكم بالإعدام"

وأعربت منظمات دولية عن قلقها إزاء الوضع في المستشفى، بينها منظمة "أطباء بلا حدود" التي وصفت الوضع الصحي في القطاع بأنه "كارثي"، بعد أن كان "ناصر الطبي" واحدا من  11 مستشفى، لا تزال في الخدمة من أصل 36 منشأة طبية في قطاع غزة قبل الحرب.

واعتبرت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، في بيان، أن الاقتحام الإسرائيلي لمستشفى ناصر، يبدو كأنه "جزء من نمط الهجمات التي تشنها القوات الإسرائيلية على البنية التحتية المدنية الأساسية المنقذة للحياة في غزة، خصوصا المستشفيات".

من جانبه، أشار  المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية، أن خروج مستشفى ناصر عن الخدمة "حكم بالإعدام على مئات الآلاف من المواطنين والنازحين بمنطقة خان يونس ورفح وذلك لأن المجمع الطبي يعتبر العمود الفقري للخدمات الصحية جنوب غزة".

الصحفي الفلسطيني، رائد اللافي، يكشف أن المستشفى لا يزال تحت سيطرة إسرائيلية شاملة، حيث تطوقه مدرعات ودبابات ويوجد جنود بداخل مرافقه.

ويوضح اللافي في تصريح لموقع "الحرة"، أن الآلاف نزحوا في بداية الحرب إلى هذا المستشفى الذي يعد الأكبر في النصف الجنوبي لقطاع غزة، بعد أن فر مئات الآلاف هربا من الحرب في شمال المدينة.

ويكشف الصحفي الفلسطيني، أن المجمّع كان يؤوي آلاف النازحين الفارين من مناطق أخرى، قبل أن يضطر غالبيتهم للنزوح مرة أخرى، خلال الأيام القليلة الماضية، نحو جنوب القطاع، بطريقة مأساوية، حيث ساروا على الأقدام لكيلومترات تحت صوت القصف والرصاص.

وقالت منظمة أطباء بلا حدود، الخميس، إن معظم النازحين فروا في الأيام الأخيرة "استجابة لأمر من الجيش بالإخلاء، ليجدوا أنفسهم بلا مكان يذهبون إليه"، مؤكدة أنه "مشهد مروّع" أصبح فيه القصف "جزءا من الحياة اليومية".

ويوضح اللافي، أنه إلى جانب الجرحى والأطقم الطبية، كان معلوما أن المستشفى ضم قبل 3 أيام من الاقتحام، أقاربهم أو مرافقيهم، بالإضافة إلى نازحين خشوا من التحرك جنوبا.

ووصف المتحدث باسم الجيش، دانيال هاغاري، مداهمة مستشفى ناصر بأنها "دقيقة ومحدودة"، وقال إنها استندت إلى معلومات تفيد بأن مسلحين من حماس يختبئون ويحتجزون رهائن بالمستشفى مع احتمال وجود جثث لرهائن هناك، وهو ما نفاه متحدث باسم حماس ووصفه بأنه "أكاذيب".

وتعتقد إسرائيل أن نحو 130 رهينة ما زالوا محتجزين في غزة بعد الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر وأسفر عن مقتل نحو 1160 شخصا، معظمهم مدنيون، حسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس تستند إلى أرقام إسرائيلية رسمية.

وأفرج عن عشرات الرهائن الذين احتجزوا خلال الهجوم وقدر عددهم بنحو 250 رهينة، في مقابل الإفراج عن معتقلين فلسطينيين خلال هدنة استمرت أسبوعا في نوفمبر. وترجح إسرائيل مقتل 30 من الرهائن الذين ما زالوا في غزة.

من ناحية أخرى، قتل ما لا يقل عن 28985 شخصا وأصيب أكثر من 68 ألفا، معظمهم نساء وأطفال، في الهجوم الإسرائيلي على غزة، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.

وأضافت الوزارة، أن 127 فلسطينيا على الأقل قتلوا وأصيب 205 آخرون خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.