أنطاكيا.. مدينة تركية هزمت كل الكوراث قبل أن يهزمها الزلزال

قبل أسابيع، كانت أنطاكيا عاصمة إقليمية صاخبة، تشتهر بمأكولاتها وكنائسها ومعابدها اليهودية ومساجدها التي تعود إلى قرون لكنها اليوم مدينة دمرها الزلزال وتسعى إلى إعادة بناء نفسها.

واليوم المدينة، المعروفة سابقا باسم أنطاكية، هي عبارة عن خراب من الخرسانة حيث تنقب الكلاب الضالة بين الأنقاض ويتجمع السكان القلائل المتبقون معا، فيما يقوم جنود أتراك يرتدون قبعات زرقاء بدوريات في الشوارع، وبنادقهم الرشاشة مغطاة بالغبار من جبال الأنقاض، وفق تقرير من "وول ستريت جورنال".

عانت أنطاكيا من  الدمار الذي خلفه الزلزال المزدوج الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 فبراير، مما أسفر عن مقتل أكثر من 51000 شخص وترك عددا لا يحصى من الآخرين في عداد المفقودين.

ودمر الزلزال الأول ما لا يقل عن نصف مباني المدينة، وسقط البعض الآخر في زلزال بلغت قوته 6.4 درجة في 20 فبراير، وفق التقرير.

وفي جميع أنحاء المدينة القديمة دمرت المباني، بما في ذلك الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية التاريخية ومسجد بني في أوائل 1700. وبالقرب منها مسجد حبيب النجار في حالة خراب.
وكان المسجد أول مكان عبادة إسلامي تم بناؤه في الأناضول، وتم تشييده منذ ما يقرب من 1500 عام. ودمره زلزال وأعيد بناؤه في القرن 19، ودمر مرة أخرى، وسقطت مئذنته الآن، وانهارت قبته، وتشققت جدرانه. 

وفر معظم سكان أنطاكيا، إذ لا يوجد في المدينة مياه جارية ولا كهرباء ولا تدفئة ولا متاجر لبيع المواد الغذائية ولا آفاق فورية للعودة إلى الحياة الطبيعية.
وقال جوزيف ناصح، 69 عاما، عالم الآثار المسيحي السوري الذي ولد وعاش حياته كلها هنا في المدينة: "لا يمكن إعادة بناء هذا المكان المقدس".

وحافظت المدينة، التي يقطنها مسلمون ومسيحيون ويهود أتراك، على التعددية الثقافية في العالم القديم والتضامن بين الأديان الذي تلاشى في أماكن أخرى خلال قرن من الحكم القومي في تركيا الحديثة وعقود من الحرب الاستعمارية والتشدد الطائفي في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وحتى قبل انتفاضة عام 2011 والحرب الأهلية في سوريا التي دفعت أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ إلى الاستقرار في تركيا، كان العديد من سكان مقاطعة هاتاي يتحدثون اللغتين التركية والعربية، وهو أمر فريد من نوعه في بلد يفخر فيه الرئيس رجب طيب إردوغان والعديد من النخب الأخرى بالتحدث بلغة واحدة.
وقد فرت الجالية اليهودية بأكملها من المدينة، مما قد ينهي وجود اليهودية التي يعود تاريخها إلى أكثر من ألفي عام في أنطاكيا.

وتوفي كل من زعيم الجالية وزوجته. تم دفنهم بعد أيام في إسطنبول، حيث استقر يهود أنطاكيا الآخرون.

وغادر آخرون أيضا، بما في ذلك جميع الطوائف المسيحية الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية في المدينة تقريبا. 
وتعهد إردوغان بإعادة بناء جنوب البلاد بأكمله في غضون عام واحد، مع بدء بناء 200 ألف منزل الشهر المقبل.

ويقول مسؤولون محليون وجماعات مجتمع مدني وأصحاب أعمال إنهم يتوقعون إعادة بناء المدينة بشكل ما، لكنهم يخشون أن تفقد بعضا من طابعها الثقافي الغني.  

وما يعرف الآن باسم أنطاكيا كانت ذات يوم عاصمة المقاطعة الرومانية في سوريا. وبنت الإمبراطورية أنطاكية لتصبح مدينة كبرى من المسارح والقنوات والحمامات. كانت أيضا مركزا للقوافل التي تربط آسيا بعالم البحر الأبيض المتوسط فيما أصبح يعرف باسم طريق الحرير.

وتغيرت أنطاكيا أكثر من ست مرات، وحكمت في نقاط مختلفة من قبل الإمبراطوريات الرومانية والبيزنطية والفارسية والسلجوقية والإسلامية الكلاسيكية والعثمانية والفرنسية، إلى جانب احتلال الصليبيين والمماليك. وفي كل مرة، حتى بعد الحروب والحصار، جددت المدينة نفسها.

وعلى مدى العقد الماضي، أصبحت أنطاكيا أيضا مركزا للمتمردين السوريين وتجار الأسلحة وعمال الإغاثة والجواسيس والدبلوماسيين الذين يتنقلون من وإلى الحرب المستعرة على بعد 20 ميلا.

واستقر عشرات الآلاف من السوريين في المدينة وحولها، ويعيشون بين السكان الناطقين بالعربية في منطقة تركية ادعت سوريا ذات مرة أنها تابعة لها.

والآن عانت أنطاكيا الحديثة من صدمة الزلازل، التي أطاحت بالأبراج وسحقت المباني الحجرية القديمة.

وقال فرانسيس دوندو، وهو كاهن كاثوليكي من الهند يعيش في تركيا منذ عام 2007 ويقود جماعة صغيرة في مدينة أنطاكيا القديمة، "دمر هذا الزلزال كل ما نعتز به".