المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الأربعاء 7 آب 2019 15:23:56
في 7 آب 2019، كان من المفترض أن يبلغ أحداث 7 آب 2001 "سن الرشد" السياسي، لتصير في الذاكرة الجماعية اللبنانية والمسيحية، خصوصا، محطة لاستخلاص عبر النضال في سبيل السيادة والحرية والاستقلال، وكسر حاجز الخوف في زمن الوصاية السورية، التي لم يخرجها من لبنان بعد 3 عقود من الاحتلال إلا صرخات الحرية التي أطلقها مناضلو التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحزب الكتائب وحزب الوطنيين الأحرار، أمام قصر العدل في 7 و9 آب 2001، معبّدين بذلك، وربما من حيث لا يدرون، طريق ثورة الاستقلال الثاني في 2005.
لم يعتد النظام السوري، على ما يعرفه اللبنانيون وقد خبروه طويلا، إلا النفخ في بوق التفرقة والشرخ بين اللبنانيين، بدليل المجازر الدموية والخطايا السياسية الكثيرة التي ارتكبها في حق وطن الأرز هذا، سالبا اللبنانيين حقهم البديهي في ممارسة سياسية نزيهة متحررة من كل قيود الخوف و"البطش" والتهديد... والاعتقال.
متّبعاً شعار "فرّق تسد"، جهد النظام السوري، مستعيناً ببعض القادة الأمنيين، وحلفائه السياسيين المحليين، لإطاحة المشهد الجامع الذي نجح البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير في رسمه مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، فكانت مصالحة الجبل التاريخية (3 آب 2001) التي أعادت المسيحيين إلى قراهم في الجبل بعد عقدين من الاحباط، وكرست التعايش المسيحي الدرزي في الجبل خطا أحمر لا يطاله أي سجال سياسي عابر. وفي هذا الاطار، يذكر مراقبون وعارفون بكواليس تلك المرحلة أن جنبلاط لم يكن وحيدا آنذاك، بل كان إلى جانبه الرئيس أمين الجميل (الذي وقع معه وثيقة مهدت للمصالحة عام 2000) ولقاء قرنة شهوان، لا سيما النائبان السابقان فارس سعيد و(الراحل) سمير فرنجية، على سبيل المثال لا الحصر، مستفيدين من جرعة "الأوكسيجين" السياسية المهمة هذه، معطوفة على نداء المطارنة الشهير في أيلول 2000، الذي خطه البطريرك صفير بعناية مطالبا جهارا بالانسحاب السوري، أطلق شباب الأحزاب المسيحية العنان لصرخات الحرية والسيادة والاستقلال، وقرروا كسر جدار الخوف الذي كبل حلمهم الكبير طويلا، فاعتصموا في الشارع في مشهد لم تتوقع دمشق، ذات القبضة الفولاذية على الساحة اللبنانية، رؤيته في بيروت. فما كان منها إلا أن ردت بمشهد دموي مطبوع بالقمع والاسكات، مورست في خلاله مختلف أنواع التعذيب، في حق المتظاهرين إلى حد الزج بهم في السجون. غير أن الأهم يكمن في أن الوصاية فشلت في لي ذراع المناضلين، الذين عادوا وتظاهروا أمام قصر العدل في 9 آب، للمطالبة بالحرية لرفاقهم المعتقلين، وبالسيادة اللبنانية الناجزة على الأراضي اللبنانية.
وفي السياق، يذكّر العارفون بأن بين أولئك الشباب الذين واجهتهم الأجهزة الأمنية اللبنانية بالعنف والعصي، من صار في أرفع المراكز النيابية والوزارية كرئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل والنواب ادي أبي اللمع، سليم عون وحكمت ديب، والقياديين السابقين في التيار الوطني الحر أنطوان نصرالله ونعيم عون ورمزي كنج، إضافة إلى وزير البيئة فادي جريصاتي (الذي كان مسؤول الطلاب في التيار الوطني الحر) ، والجنرال المتقاعد نديم لطيف، والسياسي توفيق الهندي، والاعلامي الزميل حبيب يونس، على سبيل المثال، وهم الذين واجهوا بالدم واللحم الحي "الأسلوب الأمني الجديد في التعامل مع التظاهرات"، على ما أعلن النائب سامي الجميل في إحدى مقابلاته.
إلى هذه الصورة، يضيف القيادي السابق في التيار أنطوان نصرالله عبر "المركزية" العودة إلى العزف على وتر المحاكم الاستثنائية ذات الأحكام المبرمة كالمحكمة العسكرية التي تعود إلى الحياة، فيما كان أبطال 7 آب يتظاهرون لإلغائها والعمل على إرساء دولة مدنية تقدس حقوق الانسان وحرياته"، مكتفيا بدعوة التيار إلى "العودة إلى مبادئ نضال 7 آب 2001".
أمام هذا المشهد، تدعو أوساط سياسية سيادية عبر "المركزية" الأحزاب التي يمسها في الصميم تاريخ 7 آب إلى عدم الاكتفاء بالاحتفالات الشعبية والحزبية في هذا النهار، بل إلى استخلاص عبره وتشكيل جبهة سياسية واسعة تستأنف النضال في سبيل القيم التي كلفت مناصريهم أثمانا باهظة تكبدوها من دمائهم وحريتهم.