المصدر: الجمهورية
الكاتب: زياد ناصرالدين
الخميس 28 كانون الاول 2023 07:55:09
أضحت العوامل الاقتصاديّة العالمية وتأثيراتها الجانبية الحدث الأبرز في جزء كبير من العالم، ولبنان من الدول الواقعة تحت المجهر الاقتصادي، بخاصة بعد دخوله في نفق الأزمة الاقتصادية التي انفجرت في 17 تشرين الأول 2019.
ومع انقضاء أكثر من أربع سنوات على هذه الأزمة التي أطاحت باقتصاد البلاد وأموال المودعين والعملة المحلية، وتسببت بأزمة معيشية خانقة وارتفاع معدلات الفقر وزيادة حجم التضخّم، يبدو أنّ العام 2024 سيحمل معه تحدّيات اقتصادية بارزة، منها القديمة وأخرى مستجدة، فما هي هذه التحدّيات؟
1- انتخاب رئيس للجمهورية: قد يرى البعض أنّ انتخاب رئيس للبلاد هو عنوان سياسي محض، إلا أنّ هذا الاعتقاد ليس دقيقاً، فلهذا الاستحقاق أبعاد عدّة مرتبطة حكماً بنوع الاقتصاد المستقبلي والدور المقبل للبنان. وبهذا لن تكون أهمية الانتخاب محصورة بانتظام المؤسسات، خصوصاً أنّه يأتي بعد انهيار العام 2019 وانفجار المرفأ وانتهاء الدور الذي كان منوطاً للبنان منذ العام 1945 إلى بداية الألفية الثانية.
2- إقرار موازنة 2024: التحدّي هنا يكمن في تمكّن الحكومة والمجلس النيابي من إقرار موازنة عادلة في ظلّ فراغ رئاسي قد يعقّد الأمور. إنّ هذا الأمر بالغ الأهميّة وفقاً للمنطق العلمي والاجتماعي، وهو يمهّد لاستعادة الدولة هيبتها وقرارها المالي ودورها في الخدمات، ويجب إقرار الضرائب الجريئة والمفيدة، على أن يكون الاقتصاد المحلّي في الوقت نفسه قادراً على تقبّل الموازنة والتكيّف معها.
3- سعر الصرف: التعامل مع سعر صرف، وطريقة توحيده في الموازنة وتأقلم القطاع العام وتقبّل الاقتصاد يعدّ معضلة أساسية، بحيث أنّ ثبات سعر صرف الدولار عند عتبة الـ 89500 ليرة لبنانية حتى الآن يمثّل تحدّياً للمصرف المركزي، وإيقاف طبع الليرة هو التحدّي الأكبر لحماية الاقتصاد ومعالجة التضخم، كذلك إيقاف الاستنزاف لاحتياطي العملات الأجنبيّة وحقوق المودعين.
4- قانون هيكلة المصارف: السنة المقبلة هي «سنة المصارف» بامتياز، وستكون مفصليّة بالنسبة لهذه المؤسسات المالية، إذ أنّ اقتصاد البلاد يحتاج إلى بناء نظام مصرفي جديد يلتزم بالقوانين ويأخذ في الاعتبار دعم القطاعات التي تساعد في تكبير الاقتصاد خارج التحاصص السياسي. والسؤال الأهم: هل تريد المصارف العودة إلى الأسواق في لبنان؟ حيث سنشهد في هذا الإطار نزاع شروط بين صندوق النقد الدولي والمصارف، على أمل ألّا يدفع المودع ثمن هذا الخلاف.
5- الكابيتال كونترول: أصبح عنواناً أساسيّاً للمرحلة، لكنّ التحدي الأكبر يكمن في طريقة إقرار قانون «الكابيتال الكونترول» في ظلّ اقتصاد نقدي وحسابات نقديّة جديدة. وبعد سنوات من الأزمة الطويلة أصبح هذا القانون لزوم ما لا يلزم، إلاّ في حالة اعتماده لحماية المتبقي من الاحتياطات في المصرف المركزي، والتي تبلغ 9 مليارات دولار.
6- الكهرباء: أزمة قطاع الكهرباء يمكن وصفها بالتحدّي الدائم والعبء الاقتصادي والمخرج في الوقت عينه، فهل سنستطيع بناء مصانع حديثة واستجرار الطاقة؟ هذا ملف في ظاهره تقني وفي باطنه الكثير من السياسة والمنافع.
7- الانتظام المالي العام: مصطلح اقتصادي فضفاض وحديث في اللغة العربيّة، والمقصود به كيفية توزيع الخسائر بالنسب بين الدولة والمصارف ومصرف لبنان المركزي، ومن سيتحمّل الجزء الأكبر منها.
8- حماية أصول الدولة: عنوان سيتصدّر المرحلة في ظلّ صراع داخلي بينّ مؤيّد لبيع أصول الدولة وممانع لذلك، مع بروز طرف ثالث يؤيّد تأجير هذه الأصول واستثمارها. لكنّ المشكلة أنّ التجارب السابقة في لبنان أثبتت أنّ «مالنا لنا ومالكم لنا ولكم» على مبدأ «الشراكة الحلبية» الاقتصادية.
9- النفط والغاز: تحدّي النفط والغاز والاستكشاف مستمرّ، مع إصرار بعض الجهات على تسييس هذا الملف، إذ أصبح من الواضح أنّ العراقيل ليست تقنيّة بل مرتبطة بشروط سياسيّة.
10- النزوح السوري: الملف الذي يستنزف الاقتصاد اللبناني بعدما فاقت كلفة النزوح الـ28 مليار دولار منذ العام 2011، كما يُستخدم كورقة ضغط سياسية على سوريا ولبنان، ويدخل ضمن إطار الحلّ الشامل للصراع في المنطقة.
ختاماً، لا يمكن اعتبار لبنان جزيرة معزولة عن العالم، خصوصاً في ظلّ العدوان الإسرائيلي على غزّة وما له من تداعيات لن يكون بلدنا في بمنأى عنها. وحتى لا يكون اقتصاد سنة 2024 امتداداً للسنة الجارية لا بدّ من عقد مؤتمر إنقاذ اقتصادي يحدّد دور لبنان في المستقبل القريب والبعيد، بدلاً من أن يُفرض عليه دور معروف النتائج مسبقاً.