"أوهام" الحزب تُفضي الى نهايات كارثية؟

لم يعد مجدياً تكرار الخطاب نفسه الذي يتلوه الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، والذي يعيد فيه مقولة أن المقاومة هي قوة لبنان، وأنها انتصرت في الحرب ضد إسرائيل. في كل مرة يتجاوز الشيخ قاسم ذكر الخسارات التي تعرض لها الحزب مع بيئته، بقوله أن إسرائيل خسرت في لبنان وفي غزة، وكأنه فقد ثقته بنفسه. فلو كان محور الممانعة اليوم قادراً على المواجهة لما تُركت الاستهدافات الإسرائيلية لكوادر الحزب في لبنان تمر من دون رد، أو أقله حفظ ماء الوجه كما كان يحدث قبل 7 تشرين الأول 2023، حين كانت قواعد الاشتباك السائدة آنذاك قائمة على ما كان يسميه الحزب "توازن ردع" كسرته إسرائيل عندما اغتالت السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين وقيادات الصف الأول للحزب وكوادره، ثم دمرت قرى الجنوب وهجّرت مئات الآلاف إلى الشمال.

لم تنته الحرب الإسرائيلية على "حزب الله" بعد اعلان اتفاق 27 تشرين الثاني 2024، فيما موازين القوى اختلت في شكل خطير لمصلحة إسرائيل التي تواصل احتلالها للنقاط الخمس في الجنوب وتتوسع ضمن خطة القضم مستهدفة انشاء منطقة أمنية عازلة على طول الشريط. وهذه المنطقة المتاخمة للحدود بقيت تخضع لقواعد الاشتباك ولتوازنات معينة حتى الثامن من تشرين الأول 2023، إلى أن أطلق الحزب حرب إسناد غزة. وبوقف النار تغيّرت المعادلات التي لا يعترف بها "حزب الله" بإصراره على إعلان الانتصار كما في حرب تموز 2006، فإذا بلبنان اليوم كله تحت الاستباحة الإسرائيلية والمطالبة الأميركية والدولية بنزع سلاح "حزب الله" من جنوب الليطاني إلى شماله، فيما تضغط الإدارة الأميركية لإنهاء نفوذ إيران في لبنان والمنطقة، فتعلن إجراءات عقابية وقرارات لإنهاء مصادر تمويل الحزب في لبنان، إضافة إلى ضغوط لمحاصرته في مؤسسات الدولة.

ويأتي التهديد الإسرائيلي بالحرب بزعم نزع سلاح الحزب ومنعه من إعادة بناء قوته، مع التصعيد العسكري اليومي بالغارات والاغتيالات، والشروط التي تضعها للتفاوض، لتتقاطع مع الضغوط الأميركية، وتعكس اختلال موازين القوى التي أنتجتها الحرب الإسرائيلية على لبنان، فإذا بالأمين العام للحزب لا يرى في اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل إلا ما يتعلق بجنوب الليطاني، متجاوزاً كل الأخطار التي تتهدد لبنان وتضعه على مفترق طرق خطير.

وإذا كان قاسم يؤكد أن العدوان الإسرائيلي لا يمكن أن يستمر بلا رادع، وأن هناك حدًا للصبر، فما هي المقاربة التي تؤدي إلى وقف الاعتداءات وصولاً إلى تحرير النقاط المحتلة في الجنوب؟ لا توجد مقاربة لدى الحزب الذي تجاوز كل ما حل ببنيته خلال الحرب، إلا نهج الصدام مع الداخل، وإعلان الولاء المطلق لإيران، وحتى إن تمكن من إعادة بناء قوته، فإن العجز هو السمة الغالبة على رؤيته، وأيضاً الخوف والأوهام، فيختار الانتظار لإحداث تغييرات على الخط الإيراني – الأميركي ليستمر بالطريقة نفسها من الممارسات التي أدت إلى الهزيمة، ويسلط سهامه على الدولة ويقطع طريقها في حصر السلاح وفي التفاوض، ولا يقدم أي دعم لها أو تسهيلات لاستعادة قرارها. وإذا استمر الحزب بالسياسة نفسها وتقديم الذرائع للاحتلال، فإنه لا يستنزف لبنان فحسب إنما يعرض بيئته لشتى الأخطار وإلى نهايات كارثية؟