المصدر: النهار
الكاتب: ابراهيم بيرم
الأربعاء 1 تشرين الأول 2025 07:12:20
دفعة واحدة، يفاجئ "حزب الله" الجميع برفعه شعار الاستعداد للانفتاح على الجميع من دون تمييز، حتى بدا هذا التطور منطويا على أبعاد وخلفيات في طليعتها أنه بات مستعدا بعد أشهر على سريان اتفاق وقف النار، للانطلاق في رحلة تقديم صورة مختلفة عن نفسه.
إشارة الانطلاق في هذا النهج المستجد أتت كما هو معلوم على لسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم الذي فاجأ الجميع في إطلالة أخيرة له قبل فترة بإعلان الاستعداد للتلاقي والتحاور مع كل المكونات الداخلية، كما جاهر بالاستعداد لفتح حوار مع الرياض.
من البديهي أن دعوتَي الانفتاح هاتين تثيران ردود فعل متعددة، فخصومه سارعوا إلى اعتبار الدعوة فعلَ ضعيفٍ انعدمت في وجهه الخيارات فاضطر إلى البحث عن خشبة خلاص. في حين أن آخرين وجدوا في هذا السلوك المباغت وعيا متأخرا من الحزب لضرورة الانتقال من وضع الدفاع عن النفس أمام هجمات كاسحة إلى وضع الأخذ بزمام المبادر والقادر على مشاغلة المناوئين، وعرقلتهم عن المضي في محاصرته.
لا شك في أن الحزب يدرك أن احتمال أن تلقى دعوته الانفتاحية الداخلية والخارجية على حد سواء الصدى المطلوب هو شبه معدوم، لاعتبارات شتى أبرزها:
- أن أداءه وانغلاقه السابق أورثه تركة من الخصوم، انتظروا بفارغ الصبر لحظة تصفية الحساب معه بمفعول رجعي.
- واقع الحال هذا يسري أيضا على الطرف الإقليمي الذي وجّه قاسم مباشرة الدعوة إليه لحوار حول كل الملفات الخلافية المتراكمة.
وعلى رغم ذلك، ذهب الحزب بعيدا في دعوته إلى حوار محرّر من أيّ شروط أو أثقال.
لا تخفي جهات على صلة بدوائر القرار في الحزب أن الأمر بالنسبة إليه نقلة نوعية في أدائه، ولم تأت من فراغ أو من باب المناورة بل نتيجة مراجعة ونقاش داخلي انتهى إلى ضرورة إدخال تعديلات على الصورة النمطية للحزب بناء على الخلاصات الآتية:
- إن حرب إسناد غزة التي أعلنها الحزب بعد أقل من 36 ساعة على عملية "طوفان الأقصى"، أفقدته إلى حد بعيد الموقع المحوري في اللعبة السياسية الداخلية.
- إن حلفاء سياسيين كانوا بالنسبة إليه شبكة أمان وإسناد، قد غادروا هذا الدور وانتقلوا إلى فضاء سياسي مغاير تحت عنوان أن ثمة مرحلة انقضت وأخرى استجدت تستلزم التكيّف معها.
بمعنى آخر، يدرك الحزب أن حجم التحديات المتعاظم الذي صار لزاما عليه أن يواجهه يضيّق الخناق عليه ويقطع شوطا في رحلة نزع أوراق قوته بما يملي عليه إبداء المرونة وإشهار الرغبة في الانفتاح، علّه يخفض منسوب هجمة الآخرين عليه، وخصوصا أن هؤلاء الآخرين ليس لهم الخيار في تجاهل دعوة من هذا النوع.
فضلا عن ذلك، فإن توقيت هذه الدعوة ينأى بالحزب عن دور "المشكلجي" أو المولّد للمشاكل والمتمرد على الانتظام العام، خصوصا مع إصراره على الاحتفاظ بسلاحه، وإنكاره للتحولات والتغييرات التي طرأت بعد حرب ال66 يوما، وهي الشهران الأخيران من "حرب الإسناد، وما تكشّف عنها من آثار كارثية.
وثمة في محيط الحزب من يقارب الموضوع من زاوية التساؤل: لمَ لا تكون خطوة الحزب تلك دلالة على الرغبة المضمرة في حجز مكان له في المرحلة الآتية والتي لا يكون لسلاحه فيه حضور؟ ولمَ لا تكون ترجمة لتوجه إيراني بدأ يتكشف من خلال لغة مختلفة للأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إبان حضوره في بيروت أو من خلال زيارتيه للرياض؟