أيّ وضع في المخيمات بعد المراحل الأولى من تسليم السلاح؟

أما وقد حصل أخيرا ما كان يبدو صعبا للغاية، وتسلمت الدولة اللبنانية جزءا من سلاح المخيمات الفلسطينية في بيروت والجنوب، فإن السؤال المطروح: ماذا بعد؟

 

ثمة استنتاج يتبناه كثر، هو أن الحجم الكبير للضجة التي واكبت  عملية التسليم، انطوى على أبعاد مهمة من خلال الوقائع الآتية:

- إن بيئة "حزب الله" كانت تعتبر دوما أن السلاح الفلسطيني جزء من ترسانته واحتياطاته العسكرية. لذا، فإن هذه البيئة مستاءة ضمنا، وهي تشهد بالعين المجردة عملية تسليم سلاح العمل الفدائي.

- صار في إمكان الدولة اللبنانية أن تقيم على نظرية فحواها أنها تقدمت أشواطا بعيدة في رحلة الألف ميل، لتحرير لبنان من زمن السلاح غير الشرعي، من خلال تسلم سلاح كان إلى الأمس القريب ذا قيمة كبرى في نظر فئة واسعة، لكونه "سلاح العمل الفدائي الفلسطيني". لذا يمكن الدولة أن تقارب الأمر من زاوية أنه إنجاز لا يستهان به.

- إن تجريد المخيمات من سلاحها في لحظة بلغ فيها السجال حول تسليم سلاح "حزب الله" ذروته، يكتسب ولا شك أهمية استثنائية، خصوصا أن ثمة ترابطا عضويا بين السلاحين.

- أتت العملية بعد مخاض عسير في حركة "فتح" والسلطة الفلسطينية. وبدا واضحا أن سلطة رام الله أخذت وقتها لإزالة العصيان عبر إجراءات تنظيمية داخل الحركة أطاحت المتمردين وحققت وعد السلطة ورئيسها للدولة اللبنانية.

بصرف النظر عن قيمة ما حصل، فإن عملية التسليم التي تمت سريعا، من دون أي إشكالات ووسط تغطية إعلامية واسعة، غطت على الكلام الآخر المتداول عن أن هذا السلاح قديم ومتواضع ويعود إلى الستينيات، لذا فقد قيمته القتالية.

وعلى رغم ذلك، صار في إمكان الدولة اللبنانية أن تعلي قيمة ما حدث باعتباره إنجازا بارزا، لأنه ظهّر أمرين هما: الأول أن الدولة اللبنانية صارت متمكّنة وقادرة إلى درجة أنها أسقطت قيمة سلاح شغل لبنان وأسر وضعه السياسي لأكثر من نصف قرن. وتاليا صار يمكن الحكومة الحالية أن تعتبر أن ما حققته يُعدّ إنجازا فصل بين مرحلة ما قبلها وما بعدها، ما يعني ضمنا أن هذه الحكومة قد قطعت شوطا متقدما في عملية إخراج لبنان من معادلة الصراع الإقليمي التي طالت.

والثاني أن كل سلاح فلسطيني آخر يمكن إدراجه من الآن فصاعدا في خانة السلاح غير الشرعي الذي يمكن مصادرته وملاحقة حامليه.

ولا شك في أن واقع الحال هذا سيعزز فرضية إعادة النظر في وضع المخيمات، ووضع الفصائل الأخرى التي لم تشارك في تسليم السلاح.

تحرص حركة "حماس"، كبرى الفصائل غير المنضوية في منظمة التحرير الفلسطينية، على عدم الإفصاح عن موقفها مما حدث منذ انفتاح باب الكلام على تسليم سلاح المخيمات انطلاقا من النقاط الآتية:

الأولى أن السلاح المسلّم هو سلاح "فتح" حصرا.

الثانية أن أحدا لم يفاتحها في الأمر مع بقية الفصائل الأخرى.

الثالثة أنه كان يفترض أن تجتمع هيئة العمل الفلسطيني المشترك التي تضم كل ألوان الطيف الفلسطيني في لبنان وتأخذ توجها واحدا في ملف الجميع معني به.

الرابعة أنها ترى أن أمر التسليم كان في جزء كبير منه "بروباغندا".

على رغم ذلك كله، فإن مصادر على صلة بالحركة لا تخفي خشيتها أن يكون ما حدث مقدمة لأمور مخفية يتم الإعداد لها، من شأنها أن تفتح باب الخلافات الفلسطينية في لبنان، ولا سيما بعد شيوع كلام مفاده أن "لا مانع" لدى سلطة رام الله من "حظر" حركة "حماس" في لبنان وإبعاد فريقها القيادي من بيروت وسجن من لا يمتثل لأمر الإبعاد.

وإذا كان الأمر ليس بهذه السهولة، فإن ثمة تجربة في الفترة بين عامي 1982 و1984 أظهرت أن السلطة في بيروت أقدمت على هذا الفعل، فاعتقلت وأبعدت وحاكمت، وتاليا باب الاحتمالات والمخاوف عندها مفتوح على مصراعيه.