أبعد من انفجار مخيّم البرج الشماليّ

يصحّ الانتظار فقط لهواة النوع من السائلين عن وصولات وطوابع وأختام تثبت أنّ ثمّة سلاحاً غير شرعيّ يتكاثر ويتناسل في لبنان.

مناسبة الكلام هو الانفجار الأخير في مخيّم البرج الشمالي جنوب لبنان، الذي هو انفجار مخزن أسلحة حتى إثبات العكس.

الانفجار، أيّاً تكن أسبابه، يندرج في سياق أوسع تتكاثر الأدلّة على أنّه تحويل ممنهج للبنان إلى مخزن أسلحة. وقد يكون من باب الصدف أو لا يكون أنّ صحيفة "يديعوت أحرونوت" نشرت قبل أيام من الحادث تقريراً يفيد أنّ حركة حماس، وبعد جولة العام 2014 بينها وبين إسرائيل، قرّرت أن تؤسّس لذراع لها في لبنان يرفدها عند الحاجة فلا تبقى "ساحة" غزّة مستفرَدة. وبالفعل، في حرب غزة الأخيرة في أيار الفائت، أُطلِقت صليات صاروخية من لبنان، نُسِبت حينذاك إلى فصائل ومجموعات فلسطينية.

تحضرني زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة للبنان، وتحديداً مخيّم عين الحلوة، في أيلول 2020، وما أدلى به في حينه من تصريحات أثارت الكثير من السجال والمخاوف في أوساط اللبنانيين. يومئذٍ، وخلال تظاهرة كبيرة كان فيها محاطاً بحشد مسلّح، وغداة لقاء مطوّل عقده مع الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، صدح هنيّة أنّ "مخيّمات الشتات هي قلاع المقاومة، ومنها صُنِعت الأحداث الكبرى، وخرج منها الأبطال، وفيها ظلّت القضية حيّة"، وأطلق جملة تهديدات لإسرائيل قال فيها إنّ "المقاومة تمتلك صواريخ لتدكّ بها تل أبيب وما بعد تل أبيب"، ثمّ عاد وصرف الكثير من الوقت لتوضيح أنّه يقصد المقاومة في غزّة لا لبنان! بيد أنّه توضيح تقزِّمه تصريحات سابقة لنصرالله، في يوم القدس العالمي عام 2017، هدّد فيها بفتح الحدود أمام آلاف المقاتلين الأجانب ليأتوا ويقاتلوا معه ضدّ إسرائيل.

والحال هذه، يصير الغريب أن لا تنفجر مخازن السلاح هذه أو أن لا تنكشف للعيان، بين الحين والآخر، في ضوء تكامل الرؤية بين حماس وحزب الله وميليشيات العراق وغيرها من فصائل التخريب الإيراني. فهذه تجمعها رؤية ثابتة تحتقر الوطني والسيادي والخاصّ، وتجمح كلّها إلى تفضيل إلغاء الحدود بين "فصائل المقاومة" و"ساحات الصراع"، كما أنبأنا ذات مرّة قيس الخزعلي، زعيم ميليشيا "عصائب أهل الحق" العراقية، الذي اختار بوّابة فاطمة في بلدة كفركلا الجنوبية ليعلمنا، وهو باللباس العسكري، أنّه وميليشياه "على أتمّ الجهوزيّة للوقوف صفّاً واحداً مع الشعب اللبناني والقضية الفلسطينية ضدّ الاحتلال الإسرائيلي".

حماس والسلاح القاتل

يحدث كلّ هذا في ضوء صدور البيان الفرنسي السعودي عن لبنان، الذي توسّع ليصير بياناً خليجياً، ويفيد بأنّ المدخل الأوّل والأخير لمعالجة الأزمات اللبنانية المتناسلة هو حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن 1559 و1680 و1701، والقرارات الدولية ذات الصلة.

لا يفعل الانفجار في المخيّم الفلسطينيّ إلا التوكيد على منطوق البيان الفرنسي السعودي حول لبنان، وعلى حصريّته ووحدانيّته كمدخل للحلّ. وينطوي الانفجار على إجابة، ولو غير مقصودة من حزب الله وحلفائه (إلا إذا افترضنا أنّ الانفجار مقصود)، تفيد بأنّه في مواجهة الضغوط الدولية لوضع سلاح حرب الله على الطاولة، فإنّ ردّ الحزب هو السلاح ثمّ السلاح ثمّ السلاح، بهويّاته جميعها.

ليس صدفة أنّ تصريحات هنيّة في عام 2020، التي أشرت إليها أعلاه، والأخبار عن انفجار مخيّم البرج الشمالي الآن، تزامن كلٌّ منهما مع مساعٍ دولية لوضع أطر إنقاذ اقتصادي وسياسي للبنان تتصدّرها فرنسا بالتعاون مع الخليج ومصر والأردن….. وإسرائيل (ملفّ الغاز). وتزامنت أيضاً التصريحات والانفجار، كلٌّ في وقته، مع فتح النقاشات العلنية حول مستقبل ودور السلاح غير الشرعي. فهنيّة زار لبنان في ذروة الحديث عن حياد لبنان الذي رمت الكنيسة المارونية كلّ ثقلها خلفه. أمّا الانفجار فيحدث في ذروة التحشيد لإعادة وضع سلاح حزب الله على طاولة البحث في أيّ معالجات تخصّ لبنان.

بهذا المعنى تتكثّف كلّ الرسائل في لحظة تفجير واحدة شهدها مخيّم فلسطيني صغير جنوب لبنان، ليصير الانفجار كناية عن كلّ ما يحفّ بالأزمة اللبنانية من أمراض وتقييح وعفن.

أمّا إلصاق تهمة التفجير بموادّ تخصّ مكافحة جائحة كورونا، فهو تحامل على الفيروس أين منه تحامل محور المقاومة على حياتنا..