المصدر: المدن
الكاتب: محمد زهوة
الأربعاء 13 نيسان 2022 15:25:10
مع استفحال الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ ثلاث سنوات، وما تبعها من ارتفاع لسعر صرف الدولار ورفع للدعم عن معظم المواد الحياتية الأساسية، يواجه المجتمع اللبناني، طلابًا وعمّالًا وموظّفين وغيرهم، صعوبة في التنقّل من المنازل إلى المدارس والجامعات والمؤسسات، جرّاء غلاء المحروقات، وبالتالي ارتفاع تكلفة سيارات وباصات الأجرة إلى مستويات تفوق قدرة المواطن على تحمّلها.
كلفة المواصلات بالملايين
الطالبة شيرين. ح، تخبرنا عن الأعباء المالية التي تثقل كاهل أهلها من أجل الوصول إلى جامعتها، فتقول إن أجرة "السرفيس" ذهابًا من منزلها الكائن في منطقة زقاق البلاط إلى الجامعة اللبنانية في منطقة الحدث تبلغ 30 ألف ليرة اليوم، "إذا ما حالفني الحظ وحظيت بسائق يوافق على سرفيس واحد لا سرفيسين"، وتدفع الرقم عينه إيابًا، "ما يعني أن اليوم الدراسي الواحد يكبّدني 60 ألف ليرة، فيما يقدّر بحوالى 800 ألف ليرة إذا ما احتسبنا التكاليف الإجمالية الشهرية للتنقّل من الجامعة وإليها، بمعدّل يتراوح بين 3 إلى 4 أيام حضورية في الأسبوع".
المعاناة نفسها يعيشها جمال. ن إبن منطقة حارة حريك، والذي يعمل في مطبعة للإعلانات بمنطقة عرمون. فيشير إلى أن راتبه ارتفع من مليون ومئة ألف ليرة إلى مليونين ومئتي ألف ليرة، لكن أكثر من نصفه يضيع كمصاريف للمواصلات اليومية التي تصل إلى مليون ومئتي ألف ليرة شهريًّا، علمًا أنه يتخذ من الباصات الصغيرة أو ما يُعرف بـ"فان رقم 4" وسيلة له للتنقل، بتكلفة تتراوح بين 15 و20 ألف للاتجاه الواحد.
بالنسبة إلى أبو حسان، إبن الطيونة الذي يستخدم سيارته الخاصة للتنقل من وإلى عمله كنجّار موبيليا في منطقة الرملة البيضاء، الأمر موجع أكثر، فيؤكد أنه كان كل 4 أو 5 أيام يحتاج إلى ملء خزان سيارته بالبنزين بقيمة مليون ليرة، لذلك أجريت وبعض الزملاء في العمل اتفاقية تقضي بتخصيص سيارة واحدة ومشاركة بعضنا البعض في تعبئة وقودها، ويقوم صاحبها بالمرور إلى منازلنا واحد تلو الآخر، كي ينقلنا إلى مكان العمل، على أن نقوم بتبديل السيارات بين أسبوع وآخر لتخفيف ضغط الاستهلاك عن سيارة واحدة.
محاولةً منه للحد من مفاعيل هذه الأزمة وتقليص أعبائها، وفي إطار خطّة النقل التي وضعها على عاتقه وروّج لها مرارًا وتكرارًا خلال اطلالاته الإعلامية، بشّر وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، في تغريدةٍ له عبر حسابه على "تويتر"، اللبنانيين كاتبًا: "الإصلاح وزيادة إيرادات المرافق ستكون جنبا إلى جنب"، مضيفًا إن الباصات الفرنسية أصبحت على قاب قوسين أو أدنى من تحميلها إلى لبنان كخطوة ضمن إصلاح وتفعيل قطاع النقل العام ومطار رفيق الحريري الدولي، مرفأ بيروت، مرفأ طرابلس وكل المرافئ". لكن ما مدى جديّة استقدام هذه الباصات؟ وإن وصلت، كيف سيتم تفعيلها على أرض الواقع؟ وبكم ستُحدّد التعرفة؟ وضمن أي خطوط سير؟
تعرفة أقل بكثير
مصدر مقرّب من وزير الأشغال العامة والنقل علي حميّة، يشير لـ"المدن" إلى أن الأخير هو أول من وضع خطة نقل عام ومشترك بتاريخ الجمهورية اللبنانية، تُترجم مفاعيلها على كافة الأراضي اللبنانية، من بيروت إلى مراكز الأقضية، ومن الأقضية إلى كل البلدات، لكن هذه الخطة استراتيجية وطموحة، وتحتاج إلى تمويل ضخم وبنى تحتيّة مؤاتية لها، لتوزيع محطات تسفير في كافة المناطق.
ويقول إنه بالتوازي مع مساعيه للحصول على قرض البنك الدولي للنقل المشترك، الذي كان قبل تعثّره يهدف إلى تفعيل خط سير بيروت – طبرجا، كان الوزير حميّة يسعى إلى نجاح الهبة الفرنسية التي سيستفيد عبرها الشعب اللبناني من عدد كبير من باصات النقل العام والمشترك. 50 باصًا يتم تحميلها في بواخر الشحن كي تنطلق إلى لبنان، و50 باصًا آخر سيتم إرسالها كدفعة ثانية عند وصول الأولى، وقد يتجاوز العدد الإجمالي الألف باص فرنسي على الأراضي اللبنانية، تأتي تباعًا بعد عملية تقييم تجريها الوزارة لإدارة قطاع النقل بشكل مرحلي وتدريجي.
بالتوازي أيضًا، لدى الدولة 45 باصًا يتم معاينتها اليوم لإنجاز أعمال الصيانة المطلوبة لها، كي يتم وضعها في نطاق السيّر والعمل، ضمن خطوط سير معينة مرسومة من قبل وزارة الأشغال العامة والنقل، وذلك بما ينضوي في الخطة نفسها، التي يؤكد المصدر أنها ستساهم في تخفيف أعباء النقل على المواطن بشكل كبير، وإعادة تفعيل عمل بعض المرافق العامة، التي يعطّل موظفوها مهامهم جراء عدم قدرتهم على التنقّل والوصول إلى دواماتهم نتيجة غلاء المحروقات بشكل كبير، إذ أن الهدف الرئيسي منها تأمين خدمة النقل لجميع الناس، بتعرفة أقل بكثير من التي يتكبدّونها في سيارات وباصات الأجرة، قائلًا فيما خص القيمة التقديرية للتعرفة: "بدل أن يدفع المواطن 30 ألف ليرة للنقل، من الأفضل أن يدفع ربما 1000 ليرة".
علاقة بين القطاعين العام والخاص
المصدر يعتبر أن الرقم الدقيق للتعرفة لم يحدّد بعد، لكنه سيكون أقل بكثير من خدمات النقل العام الموجودة حاليًّا على الطرقات، لكن مذكّرة التفاهم التي وقّعها الوزير حميّة مع الجانب الفرنسي، تلحظ بشكل أساسي آلية تمويل عمل الباصات، من استهلاك ومحروقات وصيانة، فيما لا يزال أمر تحديد الجهة التي ستشغّلها على الأرض قيد الدرس، وسيُعلن عنها عند وصول الباصات، موضحًا أن من ضمن رؤى الوزير إنجاز اتفاق وإطار قانوني لرعاية العلاقة بين القطاعين العام والخاص.
وعن خطوط السّير التي سيتم اعتمادها عند تشغيل الباصات بشكل رسمي، يفيد المصدر أن دراسات تُجرى في الوزارة حول الأماكن الأكثر إلحاحًا وأولويّة لتواجد الباصات فيها، وتقسيم خطوط السّير وعدد الباصات في كل خط، إضافة إلى معرفة أماكن الثقل السكّاني والمؤسساتي، لتتم عملية توزيع الباصات بطريقة علميّة منهجيّة وغير مجحفة.
تضرّر القطاع الخاص؟
وعلى مقلب القطاع الخاص الذي تهمس أوساطه بأنه سيكون أكثر المتضررين في حال تم تفعيل باصات النقل، من خلال القطاع العام حصرًا، ينفي رئيس اتحاد ونقابات النقل البري بسام طليس هذا الأمر عبر "المدن"، بل يؤكد "تضرّر وفشل خطة وزارة الأشغال من دون التعاون معنا فيما نحن كقطاع لن نتأثر على الإطلاق، لذلك فإن من مصلحة الوزير حمية أن ينسّق معنا عندما يقرر تفعيل الباصات على خطوط السير في المناطق اللبنانية".
طليس يكشف أن عدد الباصات التي تعمل على الأراضي اللبنانية يبلغ 6500، فيما يلامس عدد الباصات الشرعية مع تلك التي تعمل بصورة غير شرعيّة نحو 19500 باص يعمل يوميًّا، وبالتالي فإن العدد المحدود الذي يتكلم عنه وزير الأشغال لا يحل أزمة في البلد. ولذلك فإن الباصات الفرنسية واللبنانية لا يمكنها العمل، ما لم تتم بشراكة مباشرة مع سائقي القطاع الخاص!