إدارة الجنوب بدل الحرب.. 3 خطوط إسرائيلية حمراء "تخنق" لبنان

تكشف معلومات دبلوماسية خاصة حصل عليها "إرم نيوز" من مصدر إقليمي مطّلع، أن نقاشًا جديًا يدور في الكواليس بين واشنطن وتل أبيب حول مقاربة بديلة عن الحرب في جنوب لبنان، تقوم على إعادة تنظيم المنطقة عمليًا عبر ثلاثة خطوط مختلفة الوظيفة.

هذا التصوّر يُطرَح كإطار عمل قابل للتطبيق التدريجي، يهدف إلى ضبط الجنوب وإدارته من دون الذهاب إلى مواجهة واسعة.

3 خطوط لإدارة الجنوب
بحسب المصدر، يبقى الخط الأول هو الخط الحدودي القائم، ويُنظر إليه كمرجعية شكلية لا أكثر، أما الخط الثاني، فيُترك مجالًا مفتوحًا لتدخّل أمني مباشر، تُبرّره إسرائيل بذرائع منع إعادة بناء القدرات العسكرية.

بينما الخط الثالث، وهو الأكثر حساسية سياسيًا، حيث تُفرض عليه ترتيبات إدارية واقتصادية، تُربط بموجبها عودة السكان، وإعادة الإعمار، وتسيير الحياة اليومية، بشروط أمنية تُقرَّر عمليًا خارج القرار اللبناني.

ما يميّز هذا الطرح، وفق المصدر نفسه، أنه لا يسعى إلى حسم ملف الجنوب، وإنما إدارته على المدى الطويل.

الفكرة الأساسية تقوم على إبقاء المنطقة ضمن هامش قابل للضبط، بحيث لا تتحوّل إلى ساحة مواجهة شاملة، ولا تعود في الوقت نفسه إلى وضع طبيعي يسمح بإعادة إنتاج توازنات سابقة.

الشروط بدل المواجهة
في هذا السياق، تُقدَّم الشروط كمسارات متوازية، بحيث تكون كل خطوة استقرار تقابلها شروط إضافية، وكل تسهيل يقابله التزام أمني جديد، بحيث يبقى الجنوب خاضعًا لترتيبات استثنائية يُسوَّق لها على أنها ضرورة لتجنّب التصعيد.

يتقاطع هذا المسار مع الموقف الأميركي الراهن، الذي يفضّل إبقاء الجبهة اللبنانية خارج دائرة التصعيد الكبير.

إدارة دونالد ترامب، وفق تقديرات دبلوماسية، لا ترى أي مصلحة في حرب واسعة جنوب لبنان في هذه المرحلة، لكنها في الوقت نفسه لا تمانع منح إسرائيل هامشًا واسعًا لفرض وقائع تدريجية طالما أنها لا تؤدي إلى مواجهة شاملة.

هذا التوازن يترجم عمليًا بترك الشروط تعمل بدل السلاح، حيث لا وجود لاعتراض أميركي على إجراءات أمنية موضعية، ولا وجود لضغط فعلي لوقفها، مقابل الإبقاء على خطاب عام يدعو إلى التهدئة.

هكذا، تتحوّل سياسة منع الحرب إلى غطاء سياسي لمسار ضاغط طويل الأمد، تُختبر فيه قدرة لبنان على التكيّف أكثر مما تُدعَم قدرته على الرفض.

بحسب المصدر الدبلوماسي الإقليمي، فإن هذا الطرح يُسوَّق في بعض الدوائر الدبلوماسية باعتباره الخيار "الأقل كلفة"، لكنه عمليًا يُبقي الجنوب في حالة مُعلّقة.

وفي ظل هذا المشهد، لا يبدو الجنوب متجهًا نحو مواجهة قريبة، لكنه أيضًا لا يقترب من استقرار فعلي، فما يُرسم له اليوم يُدار بحسابات دقيقة، ويُترك بلا أفق واضح، في انتظار لحظة قد تُعيد خلط الأوراق من جديد.

من جانبه، كشف مصدر سياسي لبناني لـ"إرم نيوز" أن بيروت تتابع ما يمكن أن يُتداول في الكواليس الدولية حول الجنوب "بقدر عالٍ من القلق"، على اعتبار أن البدائل المطروحة عن الحرب "أكثر تعقيدًا وأطول أثرًا".

قلق رسمي في بيروت
وأضاف المصدر أن ما يصل إلى الجانب اللبناني عبر قنوات دبلوماسية غير مباشرة، يشير إلى وجود مقاربة تُعامِل الجنوب كملف أمني مستقل، وتابع أن "الحديث لا يدور عن انسحابات أو اتفاقات، بل عن إدارة مرحلية للتوتر، تُربط فيها أبسط التفاصيل بسقوف أمنية تتغيّر بحسب المزاج السياسي والعسكري الإسرائيلي".

وتابع أن بيروت تدرك أن الموقف الأمريكي الحالي لا يدفع نحو مواجهة واسعة، لكنه في الوقت نفسه لا يقدّم أي ضمانات حقيقية تمنع إسرائيل من فرض وقائع جديدة.

ولفت إلى أن الرسائل التي تُنقل إلى المسؤولين اللبنانيين تركز على أولوية منع الحرب، من دون تقديم تصور واضح لكيفية حماية الاستقرار أو وقف الإجراءات الأحادية، ما يضع لبنان أمام معادلة غير متوازنة.

أشار المصدر السياسي إلى أن أخطر ما في الطرح المتداول هو البعد الاقتصادي – الإداري.

واعتبر أن "ربط إعادة الإعمار وعودة السكان والحركة التجارية بمعايير أمنية خارج القرار اللبناني يعني عمليًا إدخال الجنوب في حالة وصاية غير معلنة"، وأضاف أن هذا المسار، إذا استمر، سيُنتج واقعًا جديدًا يصعب التراجع عنه لاحقًا، لأنه يُبنى تدريجيًا ومن دون قرارات رسمية يمكن الاعتراض عليها.

وتابع أن الدولة اللبنانية تجد نفسها في موقع بالغ الحساسية، إذ يُطلب منها الالتزام بضبط الوضع، من دون أن يُعترف لها بدور فعلي في تحديد قواعد هذا الضبط، وأوضح أن "أي رفض لبناني لهذه المقاربة يُفسَّر فورًا على أنه تعطيل للاستقرار".