إرهاب واحد في بلدين... الحزب يعود الى سوريا عبر الخلايا المسلحة

فيما تواصل الدولة اللبنانية خطوة الألف ميل من خلال الشروع ببناء مؤسساتها وإعادة هيبتها وفرض سيادتها على كامل التراب اللبناني، وخصوصًا من خلال الحكومة التي أقرّت أهداف الورقة الأميركية الملبننة وتبنت خطة الجيش اللبناني لتسليم السلاح على مراحل في جلسات 5 و 7 آب و 5 أيلول، وفيما يؤكد رئيس الحكومة نواف سلام المؤكد في المضيّ قدمًا بحصرية السلاح واستحالة العودة إلى الوراء، وانطلاقًا من خطاب القسم وكلمة رئيس الجمهورية جوزاف عون في ذكرى شهداء الجيش، يحاول "حزب اللّه" بشتى الطرق أن يبقى العائق الأكبر أمام مشروع قيام الدولة، محاولًا التصدّي وعرقلة تنفيذ خطة الجيش، والمحافظة على بعض خلاياه العسكرية داخل الأراضي السورية في مرحلة حساسة من بدء المفاوضات بين الجانبين اللبناني والسوري لإعادة ترتيبها خدمة لحلحلة الملفات العالقة.

"الحزب" يلاقي إيجابية الشرع بالإرهاب

فما أعلنته الداخلية السورية في الأمس، عن إلقاء القبض على خلية تابعة لـ "حزب الله" في بلدتي سعسع وكناكر بريف دمشق الغربي، كانت مدرّبة في لبنان وتخطط لعمليات تهدّد الأمن السوري، وقد ضُبطت بحوزتها صواريخ "غراد"، ليس مجرّد خبر أمنيّ عابر. إنّه رسالة مدوّية من الجانب السوري، تحمل أبعادًا ودلائل في اتجاه الداخل اللبناني، بأن "الحزب" لا يزال تنظيمًا عابرًا للحدود يهدّد أمن سوريا ويحوّل السلاح إلى أداة ابتزاز مستمرّة.

بهذه الطريقة، قرّر "الحزب" الردّ على الرئيس السوري أحمد الشرع الذي تعالى وبإيجابية عن الردّ على "الحزب" على الرغم من الفظائع التي ارتكبها طيلة سنوات بحق الشعب السوري. فالشرع يرغب في فتح صفحة جديدة مع لبنان، وسوريا الجديدة تغاضت عن الجرح الذي سبّبه اعتداء "الحزب" عليها على الرغم من حقها بالردّ لكنها آثرت الصمت اتقاء لانفجار الوضع.

إن ضبط هذه الخلية الإرهابية داخل الأراضي السورية في هذا التوقيت الدقيق والحسّاس من العلاقات اللبنانية السورية، من المرجّح وبحسب مصادر قضائية، أن يؤثر سلبًا على العلاقة بين البلدين ومسار المفاوضات، لا سيّما أن هذه العلاقات مستجدّة ومحورها معالجة الكثير من الملفات العالقة منها ملف المخفيّين قسرًا من اللبنانيين في سوريا إلى موضوع الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية وصولًا إلى ملف الحدود بين البلدين.

تضيف المصادر أن مثل هذه الأحداث، من شأنها أن تؤثر وبمنحى سلبي على إمكانية الاستمرار ضمن هذا التفاوض، وعرقلته حكمًا هذه الإجراءات. وبالتالي ما أقدم عليه "الحزب" يكون تخطيًا وتعدّيًا على سيادة الدولة السورية، وأثر سلبًا على العلاقات اللبنانية السورية التي يسعى الجانبان إلى إيجاد الحلول للملفات العالقة بينهما.

نفي يجافي الحقائق الدامغة

من الثابت أن "حزب اللّه" وبعد عام 2000 تحوّل إلى تنظيم ميليشياوي مسلّح، تربطه علاقة عميقة غير سويّة بأجندة المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، والذي حرص على تطبيقها بحذافيرها على حساب الدولة ومؤسّساتها وبيئته الحاضنة التي حوّلها بالكامل إلى وقود تشعله إيران دفاعًا عن مصالحها.

هكذا شكّل "الحزب" وعلى امتداد السنوات عقبة كبرى أمام قيام الدولة والتهديد الأعمق لأمن المنطقة برمّتها. وكما في كلّ مرة، يتضح مدى إتقان "الحزب" سياسة الإنكار والنفي، والانفصال عن الواقع. وما البيان الصادر عن العلاقات الإعلامية في "الحزب" الذي نفى فيه جملة وتفصيلًا، ما أوردته وزارة الداخلية السورية من اتهامات بشأن انتماء عناصر جرى اعتقالهم إلى "حزب اللّه"، إلّا محاولة يائسة منه لرفع وصمة سجل الإرهاب الذي يلاحقه منذ سنوات.

أليست المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قد صنّفته بقرارها طرفًا متورّطًا في اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ أليس هو المتهم سياسيًا وأخلاقيًا باغتيال لقمان سليم والياس الحصروني وسامر حنا وكل عملية اغتيال لم تتكشف خيوطها؟ كلّها جرائم ممهورة بتوقيع "الحزب" الذي فرض قوّة الأمر الواقع المقنعة بطاقية عبثية، تثبت أننا أمام تنظيم إرهابي، مهما حاول الإنكار والمراوغة، وكل من يخالفه أو يفضح حقيقته يختفي أو يُسكت صوته أو تلصق به تهم العمالة والصهيونية. أليست هذه ممارسات إرهابية بامتياز؟ وهل يُختصر الإرهاب بغير هذا النهج؟

نفي "الحزب"، يجافي طبيعة المنطقة التي تمّ العثور فيها على عناصره، باعتبارها منطقة لا تزال قابعة تحت النفوذ الإيراني وخلاياه الإرهابية النائمة هناك. فالوقائع لا تُكذّبها البيانات، وصواريخ "غراد" التي تمّ العثور عليها مع الخلية لا يمكن لعصابةٍ هاوية أن تمتلكها أو تستخدمها في الأحياء ولا تباع في السوق السوداء، بل تُخزّن عادة في ترسانة منظمة عسكرية ـ أمنية بحجم "حزب اللّه". بهذا المشهد، يسقط كلّ إنكار يصدر عن "الحزب". فالنفي أمام صواريخ "غراد" ليس إلّا عبثًا لفظيًا لا يقنع أحدًا. إنّها أسلحة حرب، لا تُستخدم إلّا في مشروع حرب.

والمفارقة أنّ ما قاله رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد قبل أيام: "أبلغنا من يعنيهم الأمر أن سلاح المقاومة ممنوع المسّ به، حتى في جنوب النهر"، يؤكد المؤكَّد، هذه العبارة ليست سوى إعلان صريح أنّ "الحزب" فوق القانون والدولة والحدود، وأنّ منطق "الممنوع المسّ به" هو الخنجر في قلب أي محاولة لبناء الدولة.

رشاوى "الحزب"

إنّ حادثة سعسع وكناكر ليست تفصيلًا أمنيًا معزولًا، وفي هذا السياق تشير أوساط سياسية متابعة لـ "نداء الوطن"، إلى أن الأجهزة الأمنية السورية وطيلة الأشهر الثلاثة الماضية ضبطت مجموعة شبكات تعمل على تهريب السلاح من سوريا إلى لبنان أو خلايا تابعة لـ "الحزب" تعمل داخل سوريا وتوجّه إليها أصابع الاتهام بالوقوف خلف العديد من التفجيرات التي وقعت في الداخل السوري.

تتابع الأوساط، إن ما حصل من شأنه أن يؤثر على العلاقة بين لبنان وسوريا التي تدرك أن "الحزب" يعمل بشكل منفصل، وأن الدولة اللبنانية تقوم بكل جهد لازم لضبط الحدود من جهتها، لكن هذا الأمر يدل على أن "الحزب" ما زال وبتوجيه إيراني واضح يعمل على تقويض الاستقرار السوري ودفع الوضع هناك إلى الفوضى، لعلّه يعيد فتح المعبر الذي أقفل مع سقوط نظام الأسد من إيران إلى بيروت.

وتلفت الأوساط في هذا السياق إلى مواصلة إيران من خلال أجهزتها وبواسطة "حزب اللّه" و "الحرس الثوري"، إثارة الفوضى باعتبار أن الضربة الكبرى التي تلقاها "الحزب" كانت بسبب إقفال هذا الممرّ الذي تسبّب في شحّ أمواله وسلاحه.

وتكشف مصادر أن "الحزب" يدفع رشاوى مادية لمواطنين سوريين وعناصر لتمرير المال والسلاح إلى لبنان بسبب حاجته الماسّة إليهما. وهذا الأمر الخطير يثبت أن "الحزب" لم يتعظ ولم يتعلّم وما زال يعمل على خطين، ضرب الاستقرار في سوريا ودفعها إلى الفوضى وخط التمسك بسلاحه في لبنان وضرب الوضعية اللبنانية مع ازدياد الخشية من إقدام سوريا على فرملة العلاقة مع لبنان التي تحتاج إلى دفع قوي وتشهد على بطء بالانفتاح على لبنان بسبب "حزب اللّه".

وربما تلافيًا لأي ردود سورية لا تحمد عقباها، أجرى وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي اتصالًا هاتفيًا بوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، جرى في خلاله التداول بالملفات التي تهمّ البلدين. وتركّز البحث على قضية السجناء السوريين في لبنان، حيث جدّد الشيباني مطلب الحكومة السورية بمعالجة هذا الملف وفق الأصول القانونية المتبعة. كما أكد أن حكومته لم ولن تطالب بالإفراج أو تسليمها أي سجين لبناني متهمًا كان أو محكومًا.