المصدر: المدن
الكاتب: غادة حلاوي
الأربعاء 5 تشرين الثاني 2025 10:47:13
تتكرر يومياً التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان بشنّ حرب قريبة يُتوقّع أن تشمل هذه المرة العاصمة بيروت، بذريعة أن حزب الله يعمل على إعادة بناء قدراته. وتتزامن هذه التهديدات مع استمرار العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان بمعدّل غارتين للمسيّرات يومياً أو أكثر، وسقوط مدنيين.
قد لا يكون هذا التهديد مؤشّراً لحرب قريبة؛ إذ إنّ دولاً كبرى أبلغت لبنان أنها نجحت في ثني إسرائيل عن توسيع عدوانها حالياً، لكن استمرار الوضع على ما هو عليه قد يصبح أصعب من الحرب نفسها.
بالأمن أو بالسياسة، يتعرّض لبنان لضغوط كبيرة لإجباره على التفاوض مع إسرائيل. وقد تباينت الآراء في الداخل بين مؤيّد للتفاوض ومعارض له. وأمام هذا الانقسام، يبرز السؤال حول موقف حزب الله، وكيف سيتعامل في حال قرّر لبنان المباشرة بمفاوضات غير مباشرة؟
عروض لحزب الله لعلاقة مع الأميركيين
تلقّى حزب الله في الآونة الأخيرة عرضين أساسيين: أحدهما مصري مباشر، والثاني من صديق مشترك مع الأميركيين عرض لعب دور في فتح قنوات تواصل وحمل رسائل متعدّدة بمبادرة شخصية. أما العرض الثالث، والجاري بحثه، فهو إعلان رئيس الجمهورية جوزاف عون موافقة لبنان على المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، وبدء بلورة موقف رسمي لبناني في إطار الردّ على المقترح الذي حملته الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس. ومن المقرّر أن يكون هذا الملف موضع لقاءات عدّة، بعضها معلن وبعضها الآخر يجري خلف الكواليس.
بعد الحرب، تعرّض لبنان لسيل من الضغوط الأمنية والاقتصادية التي لم تنتهِ فصولها بعد، وهي مرشّحة للتزايد أكثر فأكثر مع تراجع الدعم لعقد مؤتمر دولي لمساعدة الجيش، ومنع إعادة الإعمار نهائياً في المرحلة الحالية ما لم يدخل لبنان في مفاوضات مع إسرائيل.
أول عروض التفاوض تضمنتها ورقتا توم باراك الأولى والثانية، اللتان ظنّ لبنان أن مفاعيلهما انتهت بعد جلسة الحكومة في الخامس من أيلول، التي أعادت موازين القوى في الداخل وأوقفت الاندفاعة باتجاه محاصرة حزب الله. تراجع باراك وتقدّمت أورتاغوس، فكانت أكثر صراحة في التعاطي؛ إذ طالبت بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل.
وأمام الضغط الدولي، كان لا بد من موقف لبناني واضح أعلنه رئيس الجمهورية جوزاف عون بتأكيده استعداد لبنان للدخول في مفاوضات، موضحاً أنها ستكون غير مباشرة. ثم عاد وأكّد في الأيام الأخيرة أنّ لا حلّ إلا بالموافقة على مبدأ المفاوضات باعتبارها النهاية الطبيعية لأي حرب.
طلب عون من الأميركيين وقف العدوان كمقدّمة للمفاوضات ولتقوية حجّته في الدفاع عن خيار التفاوض، في حين اشترط رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يكون التفاوض عبر «الميكانيزم» المعتمد.
وقد تبلغت أورتاغوس استعداد لبنان للتفاوض على نحوٍ غير مباشر عبر الآلية القائمة، مع عدم ممانعته في تطويرها أو زيادة عدد أعضاء الوفد اللبناني من حيث المبدأ، مع شرط أساسي يتمثل في وقف النار قبل بدء التفاوض. أثنت أورتاغوس على المقترح الأول، لكنها شكّكت بإمكان قبول إسرائيل بوقف العدوان.
وفي المرحلة الحالية، يستكمل لبنان تحضيراته استعداداً للجواب الإسرائيلي حيال ما حملته أورتاغوس، ويتركز البحث حالياً على الصيغة اللبنانية للتفاوض، وشكل الوفد والشخصيات التي ستُختار؛ إذ لم تُحسم الأسماء بعد.
حزب الله والضغوط الإقليمية
ليس حزب الله بعيداً عمّا يجري بحثه. فقد تلقّى الحزب أخيراً أفكاراً مصرية تقوم على تجميد دور السلاح وتعطيل العمليات، بما يؤدي إلى نوع من التطمينات لإسرائيل، كي تتوافر بعدها شروط وقف الاعتداءات الإسرائيلية. كما وُضع حزب الله في أجواء ما حملته أورتاغوس، وهو في صدد وضع تصوّره وإبلاغه إلى الجهات المعنية.
يلتزم حزب الله قرارات ومواقف الدولة اللبنانية، ويقف خلفها، حتى ولو كان التفاوض غير المباشر مع إسرائيل، وهو يدرك أن الهدف الأساسي الذي تسعى إليه الولايات المتحدة هو سحب سلاحه لتوفير شبكة أمان لإسرائيل والقضاء على أي تهديد لها. ولمّا لم يتحقق هذا الهدف بالحرب، اتجهت واشنطن إلى خيار التسوية الذي ترى فيه سبيلاً إلى سلام واستقرار في المنطقة، بما يتيح لها الانتقال إلى خوض تحديات جديدة يطغى فيها الطابع الاقتصادي على العسكري، وتُحكم بواسطته سيطرتها على المنطقة والعالم.
الحزب ووحدة الموقف الداخلي
يعتبر حزب الله أن وحدة الموقف الداخلي تقوّي موقف لبنان في مواجهة الضغوط الإسرائيلية والأميركية، ويرى أنّه من الضروري وقف العدوان والانسحاب الإسرائيلي وإطلاق الأسرى قبل الشروع في أي تفاوض. ومع ذلك، لا يمكن للحزب أن يضغط على الدولة أو رئيسها لمنع قبول مبدأ المفاوضات، خصوصاً أنّ الداعي الرسمي إليها هو رئيس الجمهورية الذي يحرص على عدم الاصطدام مع حزب الله، بل يجري معه حواراً ثنائياً لضمان أن أي قرار لبناني سيكون قراراً جامعاً، حتى لو كان يعلم مسبقاً بتحفّظ الحزب على فكرة التفاوض من أساسها.
يتعامل حزب الله مع الدعوات الحالية إلى التفاوض بالمنطق نفسه الذي تعاطى به مع ورقة باراك، التي كانت تقوم على الدعوة لاتفاق جديد بشروط إسرائيلية لا تخدم مصلحة لبنان. وقد اعتبر الحزب آنذاك أنه غير معني بمناقشتها لأنها تعني التخلي عن اتفاق تم التوافق عليه بعد وقف الحرب.
واليوم أيضاً، وبعد تلقّيه أفكار الموفد المصري واستمهاله للرد، يواصل الحزب بحث مسألة المفاوضات غير المباشرة مع رئيس الجمهورية. فهو لا يعتبر نفسه طرفاً مباشراً في العرض، لكنه قد لا يمانع في مفاوضات شبيهة بتلك التي جرت حول ترسيم الحدود البحرية، والتي لم يكن طرفاً فيها، لكنه لم يمنع حصولها، وكذلك الأمر اليوم.
التمهيد للتفاوض
موقف الرئيس عون الداعي قيادة الجيش للتصدّي لأي توغّل إسرائيلي في المناطق المحرّرة جنوباً، والذي رحّب به حزب الله، يعتبر بمثابة تهيئة للأجواء التفاوضية، خصوصاً أنّ عون أعاد التأكيد أنّ نهاية أي حرب تفترض التفاوض.
يتعرض رئيس الجمهورية لضغوط أميركية كبيرة، وكذلك من دول أخرى معنية بالملف اللبناني، كالمملكة العربية السعودية التي لم تعد متحمّسة لعقد مؤتمر دعم الجيش، ومصر التي حمل موفدها اقتراحات وُصفت بأنها نوع من "التهديد الناعم"، ناقلاً عن نتنياهو نيّته شنّ حرب، ومقدّماً في الوقت نفسه مبادرة إنقاذية لتفاديها. إجمالاً، لم يؤخذ الاقتراح المصري على محمل الجد، وإن كان حزب الله استمهلَ لدراسته قبل إبداء موقفه النهائي.
التفاوض تحت النار
تتمثل إشكالية حزب الله اليوم في أن لبنان الذاهب إلى التفاوض لم يحدّد بعد المواضيع التي ينوي التفاوض بشأنها، في حين أنَّ المفاوضات ستجري تحت النار. فهل المطلوب أن تنتهي المفاوضات إلى اتفاقية سلام في الوقت الذي تمارس فيه إسرائيل عدواناً يومياً على لبنان؟
يرى الحزب أن أي طرح خارج إطار وقف النار يعني التفاوض تحت القصف، وبالتالي مزيداً من التنازلات؛ إذ إنّ إسرائيل سترفع سقف مطالبها، وكلما حصلت على مطلب ستطالب بآخر، من دون أيّة ضمانة بالتزامها بأي اتفاق، حتى لو سلّم حزب الله سلاحه.
يعتبر أن لبنان اليوم في وضع خطير يستلزم الحفاظ على عناصر قوّته، وأن كلفة الوضع الراهن تبقى أقل من كلفة حرب جديدة. كما يرى أن حصرية السلاح في الجنوب قد تحققت، متسائلاً: ما المطلوب من حزب الله بعد ذلك؟
يريد الحزب من الدولة أن تحقّق مكتسبات حقيقية قبل الالتزام بالتفاوض، لأنّ إسرائيل تأخذ ولا تعطي، وقد يُبرم اتفاق جديد لا تلتزم به مجدداً.