إسرائيل تخيّر لبنان بين الـ 1559 أو نموذج الـ 1982

مع دخول لبنان الحرب المفتوحة، توقفت أو تعطّلت كل آليات التواصل السياسي والدبلوماسي للوصول إلى وقفٍ لإطلاق النار مع إسرائيل. يعلم اللبنانيون أن الطرف الوحيد المعني بفرض إطلاق النار هو الولايات المتحدة، وهي غائبة عن السمع منذ اغتيال الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله.

بعض الرسائل والمواقف التي ترد من واشنطن تنقل أن ما كان معروضاً على صعيد الحل الدبلوماسي قد انتهى والآن هناك وقائع جديدة يتم فرضها على الأرض لا بد من انتظارها.

المحاولة الوحيدة التي قدّمها الأميركيون للبنانيين هي عرض سياسي بالاستسلام وخصوصاً من «حزب الله» عسكرياً إلى جانب استسلام سياسي كامل يسلّم بكل الشروط الدولية بما فيها انتخاب رئيس للجمهورية يتم فرضه لا التوافق عليه.

رفض بعض الساسة اللبنانيين المحاولة، وعملوا على إجهاضها، في حين تتصاعد الحرب. يحاول الإسرائيليون والأميركيون أن يضعوا اللبنانيين أمام خيار من اثنين: إما حصول الاجتياح البري الموسّع، مع استكمال الإسرائيليين لعمليات التدمير والتهجير والتجزير والاغتيال لإنشاء حزام أمني أو احتلال مناطق واسعة، ولتحقيق ما يسمّونه تفكيك بنية «حزب الله» العسكرية وبناه التحتية، أو أن يعلن اللبنانيون الاستسلام والتسليم بالشروط الدولية المفروضة، والتي تعني تجاوزاً للقرار 1701 وعودة إلى ما يشبه القرار 1559.

ويسوّق الإسرائيليون دولياً لفكرة أنه لا قوات اليونيفيل ولا الجيش اللبناني لديهما القدرة على ضبط الوضع في جنوب نهر الليطاني، وأن إسرائيل لا تثق بأي جهة لضمان أمنها، وأن من يضمن أمن إسرائيل هو جيشها.

انطلاقاً من هنا يصرّ الإسرائيليون على التمسك بشعار «إنشاء الحزام الأمني».

في هذا السياق تكثفت المواقف الدولية التي تدعو لبنان إلى القبول بوقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 وإنتاج تسوية سياسية، وعلى هذا الأساس تسارعت وتيرة الاتصالات من بعض الدول التي نقلت رسائل حول وجوب إعلان لبنان وقفاً لإطلاق النار والاستعداد للالتزام بالقرار 1701 وتطبيقه كاملاً، مع الاستعداد لانتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تشكيل السلطة.

 تجاوب لبنان مع هذا المطلب، وتم التعبير عن الموقف في كلام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد زيارته لرئيس مجلس النواب نبيه بري. في الموازاة، كانت الضغوط تتزايد لأجل فرض انتخاب الرئيس على قاعدة الخضوع لموازين القوى العسكرية، وهو ما رفضه برّي و«حزب الله»، على اعتبار أنه لا يمكن القبول بانتخاب رئيس تحت الضغط العسكري أو في تكرار لتجربة عام 1982.

فتحركت الاتصالات بين قوى مختلفة ولا سيما بين بري ووليد جنبلاط في سبيل تقديم طرح انتخاب رئيس توافقي لا يشكّل تحدياً لأحد، وهنا لم يكن المقصود سليمان فرنجية فقط، بل أيضاً المرشح الآخر الذي ضغط في سبيله الأميركيون وغيرهم والمقصود هنا قائد الجيش جوزيف عون.

استشعر الإيرانيون كل هذا الضغط السياسي والميداني. خصوصاً بعد بروز مواقف عديدة حول فصل جبهة لبنان عن جبهة غزّة. فكانت زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في غاية الوضوح، أولاً أنه لا يمكن لأحد أن يعتبر أن إيران تخلّت عن «حزب الله»، ولا يمكن لأي طرف أن يرث دور الحزب، وأن الحزب لا يزال قادراً على مواصلة القتال واتخاذ القرارات، ما يعني أن الزيارة كانت في إطار تصويب التوجهات، على الرغم من أن نوابا في «حزب الله» عبرّوا عن أن الأولوية لوقف إطلاق النار في لبنان، بينما تمسك نواب آخرون بمبدأ وقف إطلاق النار في غزة ولبنان معاً.

الدخول الإيراني على الخط استدعى رداً من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط، الذي وجه تحية الى الرئيس نجيب ميقاتي بعدما تسرّب عن لقاء متشنج عُقد بين ميقاتي ووزير خارجية إيران عباس عراقجي، لا سيما أن الوزير الإيراني طلب من ميقاتي عدم فصل لبنان عن غزة والصمود، كما اعتبر أن الوقت مبكر للتسوية السياسية، فردّ جنبلاط على طريقته بالقول: «لن نربط مصيرنا بغزة، ولسنا بحاجة لأحد ليعلمنا الصمود».

في السياق أيضاً جاءت زيارة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الى عين التينة للقاء رئيس المجلس نبيه بري حيث تمسك فرنجية بترشيحه منتقداً بعض الذين سارعوا الى الاستسلام والتسليم بمرشح آخر.

بفعل هذه الوقائع، تفرملت المحاولات السياسية للوصول إلى تسوية داخلية، كما توقفت كل الوساطات الدولية أو الدبلوماسية، خصوصاً أن الطرف الأكثر قدرة على التأثير في الوصول إلى وقف لإطلاق النار هو الولايات المتحدة الأميركية وهي لا تزال غائبة عن القيام بأي مسعى جدّي.

بناء عليه فإن الكلام للميدان ولمواصلة العمليات العسكرية التي يوسعها الإسرائيليون ويكثفونها، بينما بدأ «حزب الله» بتوسيع نطاق قصفه واستهدافاته إلى جنوب حيفا كما يؤكد أنه لا يزال قوياً في الميدان وقادراً على تعديل ميزان القوى بالحرب البرية. وهي حرب ستطول، والتي ستكون صراعاً بين نموذج الـ1982 و2006، وبين القرارين 1559 و1701.