إسرائيل تمهّد لاحتلال دائم للتلال اللبنانية الخمس

إنشغل الإعلام العبري في الأيام الأخيرة بتفسير الرسائل الأميركية والإسرائيلية الرسمية بشأن لبنان، وما تخبئه الأيام المقبلة من سيناريوهات، خصوصاً بعد رفض إسرائيل مقترحاً بإطلاق مفاوضات غير مباشرة على المستويين العسكري اللبناني والإسرائيلي؛ لإنهاء احتلال التلال اللبنانية الخمس ووقف الاعتداءات الإسرائيلية.

 تغييرات لوجستية.. لإدامة الاحتلال

وتوقف التلفزيون العبري الرسمي "مكان" عند إعلان الجيش الإسرائيلي عن قيام قوات احتياطه بتدمير "مرابض لعناصر حزب الله" في الجهة اللبنانية المقابلة لمنطقة الجليل، واصفاً إياها بـ"خطوة استثنائية" لمنع تموضع مستقبلي للحزب بالمنطقة. ويعني هذا التعبير، أن إسرائيل تنفذ إجراءات وتغييرات لوجستية على الأرض؛ تحت ذرائع مختلفة، لضمان احتلالها الدائم للنقاط اللبنانية الخمس، أي ينطوي على ذلك رسائل سياسية وعسكرية عنترية توجهها تل أبيب للبنان، بالترافق مع إلقاء المبعوث الأميركي توم براك الكرة في ملعب الدولة اللبنانية، تارة عبر اتهامها بعدم الجدية بنزع سلاح حزب الله، وتارة أخرى بتحذيرها من تحرك إسرائيلي أحادي إذا لم يُنزح سلاحه.

وكما كان متوقعاً مسبقاً، فإن إسرائيل تجد ضالتها في مسألة نزع سلاح حزب الله، كذريعة لـ"شرعنة" احتلالها المرتفعات اللبنانية إلى أجل غير مسمى، ومواصلة عمليات القصف والقتل للبنانيين. ورداً على سؤال مركزي وجهه مذيع النشرة المسائية لتلفزيون "مكان" العبري، عن إمكانية إطلاق إسرائيل حملة عسكرية كبيرة ضد لبنان، على ضوء تغريدة توم براك واقتراب اتفاق وقف إطلاق النار من إتمام عامه الأول.. استبعد المراسل العسكري إيال عاليما أن يذهب الجيش الاسرائيلي في هذه المرحلة إلى عملية عسكرية واسعة النطاق، مؤكداً أنه يواصل أنشطته العسكرية المعتادة في لبنان الآن، لكنه أشار إلى إمكانية تطور نطاقها في فترة لاحقة، من منطلق أنه "لا يُمكن أن تبقى الأمور على ما هي عليه".

 "أميركا لن تجبر إسرائيل على الانسحاب"

ووفق عاليما، فإن بيروت تطمح إلى تكرار تجربة "نموذج اتفاق غزة"، أي أن تقوم أميركا بإجبار إسرائيل على القبول باتفاق ينهي هجماتها على لبنان واحتلال تلالها الخمس، بيدَ أن عاليما استدرك بالقول إنه لا يُمكن تطبيق النموذج الغزي في لبنان؛ بدعوى أن الظروف في لبنان مختلفة، عدا عن تشديده على أن واشنطن لن تجبر إسرائيل على الانسحاب من النقاط الخمس ووقف هجماتها، إلا بتنفيذ الحكومة اللبنانية شرط "نزع سلاح حزب الله"، وفق قول عاليما.

في الأثناء، أشارت تقارير عبرية إلى أن الموضوع اللبناني وملفات إقليمية أخرى، حاضرة بقوة إلى جانب مآل اتفاق غزة، في نقاشات نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس، والذي يزور تل أبيب للمرة الأولى منذ توليه منصبه. ووفق قراءات إسرائيلية، فإن المسألة اللبنانية نوقشت من قبل دي فانس وأيضاً المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف مع المسؤولين الإسرائيليين، تحت عنوان "ما يمكن لإسرائيل فعله ضمن الخطوات المنسقة" لتحويل "الإنجازات العسكرية" إلى سياسية مستدامة في عموم المنطقة.

استراتيجية "الكلمات الأربع"

والحال أنّ الانتهازية الإسرائيلية للإبقاء على احتلال التلال اللبنانية الخمس، تتعدى مسألة العناد السياسي، إلى كونها توصية أمنية، وهذا ما يُمكن استنتاجه من مقال كتبته رئيسة قسم الأبحاث الأمنية لموقع "علما" المقرب من الاستخبارات الإسرائيلية، تال بيري، إذ سعت فيه إلى تقديم ذرائع لتسويغ مواصلة احتلال المرتفعات الخمس، بدعوى أن ذلك يندرج في سياق 4 كلمات تختزل ما وصفته "جوهر الدرس الاستراتيجي" الذي استخلصته إسرائيل من هجوم 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، وهي :"تحذير، ردع، نوايا، قدرات".

وبتفسير للكلمات الأربع، ادعت بيري أن إسرائيل تعلمت أنها لا يمكن أن تعتمد بالكامل على تلقي إنذار مسبق بشأن "الأعمال العدائية ضدها"، ولا يمكنها الاعتماد على ردع أعدائها، ولا يمكنها أن تكون واثقة من قدرتها على تفسير وتحليل وفهم نواياهم.

وفي هذا الإطار، ركزت تال بيري في مقالها، على مواجهة السردية اللبنانية، وذلك بترويج أهداف عسكرية "بحتة" وراء احتلال التلال الخمس، معتبرة أنها تشكل "عنصراً محورياً" في استعداد إسرائيل العسكري لمواجهة "التهديد المحتمل" من حزب الله.

 4 ذرائع.. لاحتلال التلال الخمس

 وراحت تال بيري إلى تعداد "فوائد" سيطرة إسرائيل على التلال الخمس، وقد وزعتها بين فوائد عملياتية استراتيجية وأخرى سيكولوجية، مشيرة إلى أنها تقع في مناطق استراتيجية ذات تفوق طوبوغرافي على الفضاء الجغرافي المحيط بها، سواء من الجانب اللبناني أو الإسرائيلي، إضافة الى كونها توفر "حماية ميدانية قوية" للتجمعات الإسرائيلية القريبة من الحدود، وفق زعم الباحثة الأمنية الإسرائيلية.

كما أضاف مقال "علما" ذريعة أخرى، وهي أن التلال اللبنانية الخمس تقع في قلب مسارات "تسلل قوة الرضوان" ضمن خطة السيطرة على الجليل، وكأن المقال الأمني استُدعي في هذا التوقيت، ليدعي أن إدامة السيطرة الإسرائيلية على تلك المرتفعات، هي الوسيلة الوحيدة لتحييد خطة "احتلال الجليل" نهائياً، بدعوى أن حزب الله لم يسقط الخطة من عقله وأيديولوجيته، رغم الضربات التي تلقاها على مدار سنتين.

ولعلّ جوهر مقال بيري، يكشف أن إسرائيل لجأت إلى استدعاء مجرد افتراضات وهواجس أمنية، لتبرير مواصلة احتلال التلال الخمس.

 نفسية.. وإدراكية

أما الحجة الانتهازية الرابعة لتكريس احتلال النقاط الخمس، فهي نفسية وإدراكية، وفق مفهوم الباحثة بيري، معتبرة أن هذه المرة "لا يستيقظ سكان شمال إسرائيل القريبون من الحدود اللبنانية ليروا علم حزب الله ومقاتلي قوة الرضوان أمام عيونهم في المنطقة.. بل يستيقظون ليروا العلم الإسرائيلي". وزعمت بيري أن هذه السيطرة هي الكفيلة بإشعار "سكان الشمال" أن حزب الله غير قادر حالياً على تنفيذ خطته الأصلية لغزو الجليل وشن هجوم 7 أكتوبر جديد من جهة الشمال.

وفي سياق سردية الذرائع الإسرائيلية، فإن بيري المعروفة بتخصصها في الجبهة الشمالية، زعمت أنه لا ينبغي أن "تُخدع إسرائيل"، مشيرة إلى أن حزب الله ما زال يمتلك حالياً قدرة عملياتية، وإذا قرر، يستطيع تنفيذ عمليات هجومية ضد إسرائيل بأشكال متعددة. كما توقفت عند مصطلح "الصبر" المنسوب للحزب، قائلة إنه نابع من "مصلحته الداخلية" في التركيز على إعادة التعافي العسكري، وليس تعبيراً عن أي "مسؤولية استراتيجية إقليمية"، على حد تعبيرها.

وأرادت بيري التي تمثل الجناح الأمني اليميني في إسرائيل، أن تبرر بهذه المزاعم، استمرار عدوانية إسرائيل على لبنان واحتلالها أراضيه، بحجة أن "خطر حزب الله لم يزُل.. ومَن يقُل ذلك، فهو واهم"، بحسب قولها.