المصدر: نداء الوطن
الكاتب: طارق أبو زينب
الاثنين 10 تشرين الثاني 2025 06:33:32
منذ تولّيه قيادة "فيلق القدس" في الثالث من يناير 2020، عقب مقتل الجنرال قاسم سليماني بضربة أميركية في بغداد، برز إسماعيل قاآني كالعقل المدبّر لمرحلة جديدة من التمدّد الإيراني في الشرق الأوسط. لم يكن ظهوره مجرد استمرار لمسار سلفه، بل انتقالًا إلى مقاربة أكثر هدوءًا في الشكل وأشد خطورة في المضمون، من خلال استراتيجية "حرب الظل" التي تعتمدها طهران لترسيخ نفوذها الممتد من لبنان إلى العراق وسوريا واليمن .
رغم اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، استمر النفوذ الإيراني عبر أذرعه ووكلائه، متجاوزًا حدود السيادة اللبنانية. وبين التصعيد الأميركي - الإسرائيلي من جهة، والتوغل الإيراني بقيادة قاآني و"فيلق القدس" من جهة أخرى، يبقى لبنان عالقًا في صراع نفوذ إقليمي، بينما يظل شعبه رهينة لتوازنات القوى الكبرى.
الكتاب المفتوح: رسالة مزدوجة لإيران
يشير المراقبون إلى أن قاآني كان وراء "الكتاب المفتوح" الذي أرسله "حزب الله" إلى رئيس الجمهورية جوزاف عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام، كرسالة مزدوجة إلى الداخل والخارج. وفق المصادر، تؤكد هذه الخطوة رفض أي حديث عن التفاوض أو تسليم السلاح، رغم مساعي المسؤولين اللبنانيين لتوسيع الحوار السياسي.
في المقابل، وجّهت واشنطن رسالة حازمة عبر وزارة خارجيتها أكدت فيها أنه "لا يمكن السماح لإيران و"حزب الله" بإبقاء لبنان أسيرًا بعد الآن"، مشددة على التزامها كشف وتعطيل شبكات التمويل السرّي التي تستخدمها طهران لدعم "الحزب".
تؤكد مصادر في المعارضة الإيرانية لصحيفة "نداء الوطن" أن قاآني يواصل إدارة شبكة الوكلاء الإيرانيين، وتدخل شخصيًا في إعادة تشكيل البنية العسكرية والأمنية لـ "حزب الله" خلال الأشهر الأخيرة لتعزيز قدراته بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل. وأبلغ قاآني قيادة "الحزب" بأن السلاح الذي يمتلكه لن يُسلّم للجيش اللبناني باعتباره "قرارًا إيرانيًا خالصًا"، إذ زودته طهران بهذه الترسانة منذ عقود.
كما نجح قاآني في الحفاظ على وتيرة دعم الميليشيات المسلحة المنتشرة في الإقليم، عبر تنسيق عملياتي واسع أتاح لإيران ترسيخ حضورها رغم تبدّل موازين القوى السياسية. وأكدت المصادر أنه لعب دورًا محوريًا في إعادة بناء القدرات العسكرية والمالية للفصائل الموالية لطهران في عدد من العواصم، مستفيدًا من شبكات اتصال سرّية تربط هذه الميليشيات مباشرة بالقيادة الإيرانية في طهران وبالحرس الثوري في العراق واليمن ولبنان.
الامتداد الإقليمي: العراق واليمن
تضيف المصادر أن مجموعات تابعة لقاآني ما تزال ناشطة في الأراضي السورية، حيث تشرف على إعادة تموضع القوات ومخازن السلاح في محيط الحدود العراقية - السورية بعد تراجع خطوط الإمداد التقليدية عبر النظام السوري. وفي اليمن، وسّع قاآني نشاطه عبر دعم الحوثيين بالسلاح والتكنولوجيا، محوّلًا قدراتهم العسكرية إلى ذراع هجومية لإيران في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة والممرات البحرية الحيوية. وبهذا، أعاد بناء شبكة الميليشيات التابعة لطهران لتعمل ضمن منظومة موحّدة تُستخدم كمنصّة ضغط عسكرية وسياسية واقتصادية.
حرب الظل التقنية: أدوات النفوذ الإيرانية
تشير مصادر أميركية رفيعة لصحيفة "نداء الوطن" إلى أن إيران، تحت إشراف قاآني، تواصل إدارة ما يُعرف بـ "حرب الظل التقنية"، عبر نقل تكنولوجيا الصواريخ والطائرات المسيّرة إلى وكلائها المنتشرين في المنطقة. كما تعمل على إنشاء منظومات تمويل سرّية تمكن تلك الميليشيات من تنفيذ عمليات تصعيد منسّقة تخدم أجندة طهران الإقليمية. واستثمر قاآني هذا النفوذ لضرب خصوم إيران وتعزيز موطئ قدم سياسي وأمني لطهران داخل الدول الخاضعة لتأثيرها .
وفي هذا السياق، كلّفت واشنطن الجيش الإسرائيلي بمواصلة استهداف مخازن الأسلحة التابعة لـ "الحزب"، بعد ورود تقارير استخباراتية تفيد بأن المخزون العسكري الإيراني في لبنان لم يتأثر بالحرب الأخيرة، وأن الحكومة اللبنانية ما زالت عاجزة عن فرض سلطتها الكاملة أو نزع سلاح "الحزب".
الهدوء الاستراتيجي: إدارة العمليات الحساسة
ورغم افتقاره الكاريزما التي تميّز بها سليماني، استطاع قاآني بناء شبكة علاقات متينة مع قادة الميليشيات في العراق ولبنان واليمن، حافظت على تماسك المحور الإيراني ومنعته من التفكك بعد مقتل قائده التاريخي. وتقوم مقاربته على تقليل الظهور الإعلامي وتعزيز العمل الاستخباراتي غير المعلن، ما أتاح له إدارة عمليات حساسة بعيدًا من الأضواء وخارج دائرة الاستهداف الدولي.
"فيلق القدس": مركز إدارة النفوذ الإيراني
تحت قيادته، لم يعد "فيلق القدس" مجرد ذراع عسكرية خارجية، بل تحوّل إلى مركز إدارة إقليمي تتقاطع فيه أبعاد العمل الأمني والسياسي والاقتصادي. ورغم العقوبات الأميركية والضغوط الدولية، نجح قاآني في الحفاظ على منظومة النفوذ الإيرانية، مطوّعًا أدواتها للتكيّف مع المتغيّرات دون أن تفقد فعاليتها. ومع كل صاروخ يُطلَق من اليمن أو مسيّرة تنفجر فوق البحر الأحمر، تبدو بصمات قاآني حاضرة - الجنرال الذي ينسج خيوط التوغل الإيراني بصمت شديد، ليبقي المنطقة في حالة اشتعال محسوبة: نيران تحت السيطرة، يديرها ببرودة مدروسة ودهاء يرسّخ حضوره في صمت.