المصدر: المدن
الكاتب: فرح منصور
الأحد 7 نيسان 2024 17:41:39
لا تنحصر أزمة النفايات في لبنان على طمرها وحرقها، أو على تكدّسها في الشوارع لعدم قدرة المطامر على استقبال المزيد من النفايات. بل إن الأزمة الفعلية تتجلى في عدم تطبيق أي معالجة مستدامة، والاعتماد على الحلول الترقيعية لهذا الملف، الذي من شأنه أن يُفجّر كارثة بيئية ليست في الحسبان.
والذي بات مُلحًا اليوم، هو ضرورة تأمين معالجة مستدامة لقطاع النفايات الصلبة، تبدأ من تطبيق الحوكمة الرشيدة؛ من خلال ضبط القطاع إداريًا وتفعيل الرقابة عليه، ووضع خريطة طريق لإدارة متكاملة للنفايات الصلبة عبر استرداد كُلفتها، بهدف الحد من التشتت المسيطر على القطاع، بسبب توزعه على مجموعة هيئات مختلفة.
مشروع استرداد الكلفة
وانطلاقًا من هنا، أطلقت وزارة البيئة المشروع الهادف إلى تأمين استرداد كلفة قطاع النفايات الصلبة على صعيد السلّطات المحلية، بعد أن قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بدراسة الأثر الاجتماعي والقدرة على دفع الرسوم المقترحة في ظل الوضع الاقتصادي عبر مشروع "TADWIR" الممول من الاتحاد الأوروبي.
يهدف هذا المشروع إلى إنشاء هيئة وطنية واحدة لإدارة قطاع النفايات، بمتابعة ورقابة من وزارة البيئة، وإصدار استراتيجية وطنية خاصة بملف النفايات في حزيران المقبل، قادرة على تحديد الأطر والحلول لخروج القطاع من الأزمات، ووضع برامج محلية لتحظى كل منطقة بخطة واضحة لإدارة القطاع، وتفعيل نظام الـDATA (أي توثيق جميع المعلومات المتعلقة بملف النفايات)، واسترداد كلفة النفايات من خلال رسوم "رمزية" مُباشرة تُفرض على الوحدات السكنية وعلى المؤسسات والمصانع والمعامل للمساهمة بتغطية هذه الكلفة.
"الملوِّث يدفع"
عمليًا، المبالغ التي ستتوجب على المواطنين لن تكون مرتفعة بل هي "رمزية"، حسب وزارة البيئة، والمؤكد أنها ستُراعي أوضاعهم الاقتصادية. أما الرسوم المرتفعة فستفرض على أصحاب المؤسسات والمصانع والمعامل وغيرها، تحت شعار "المُلوِّث يدفع". أي أن كمية النفايات هي التي ستُحدد قيمة الرسم الذي سيفرض على كل وحدة سكنية في لبنان، على أن يتراوح المبلغ بين دولارين وصولاً إلى 39 دولاراً لكل وحدة سكنية وفقًا للمناطق الجغرافية. وسيرتفع هذا المبلغ حسب تقييم كميات النفايات الصلبة الناتجة عن القطاعات الصناعية والتجارية بشكل منطقيّ وعادل.
وستتولى البلديات مهمة الجباية علمًا أنه وحسب معلومات "المدن"، ففي بعض القرى يتعاون الأهالي مع البلديات من خلال دفع رسم شهري يتراوح بين 200 و300 ألف ليرة لبنانية عن كل وحدة سكنية لجمع النفايات. وقد أظهرت الدراسات التي أجرتها وزارة البيئة أنه لتغطية كلفة جمع النفايات وتشغيل صيانة الآليات والمعدات في مراكز المعالجة من دون تغطية كلفة الاستثمار، يتوجب فرض رسم يوازي ثلاثة دولارات شهرياً لكل وحدة سكنية، وقد يصل إلى خمسة دولارات. ويرتفع هذا الرسم إلى 10 دولارات شهرياً عن كل وحدة سكنية، في حال تغطية كلفة الاستثمارات بشكل مستدام.
أما لتغطية تكلفة جمع النفايات وتشغيل وصيانة الآليات والمعدات في مراكز المعالجة من دون تغطية الاستثمار، فيتوجب دفع رسم يوازي 6 دولارات شهرياً عن كل وحدة سكنية وقد يصل إلى 12 دولاراً.
وفي حديث خاص لـ"المدن" مع وزير البيئة، ناصر ياسين، أوضح أن الخطورة الحاصلة اليوم تتمحور في عدم قدرة البلديات والادارات المحلية على القيام بواجباتها الأساسية في إدارة قطاع ملف النفايات، على الأقل لناحية "الكنس والجمع"، بسبب الأزمة المالية. مؤكدًا أن وزارة البيئة استطاعت زيادة القدرة الاستيعابية للمطامر المركزية حتى عام 2026 (أي أن أعمار هذه المطامر ستطول حتى عام 2026)، لافتًا إلى أن البلديات تتكلف حوالى 70 و80 بالمئة من مداخيلها، كي تتمكن من نقل النفايات. لذلك بات ضروريًا وضع هذه الرسوم لتمكين البلديات ومساندتها، وللتمكن من الاستثمار في هذا القطاع ومعالجته، خصوصًا أن الهيئات المانحة الدولية وضعت شروطًا خاصة لتوافق على تمويل المشاريع البيئية، وخصوصًا تلك المتعلقة بمعالجة الفرز والطمر. وهو إيجاد التوازنات المالية لتتأكد من استدامة هذه المشاريع واستمراريتها، مؤكدًا أن وزارة البيئة ستُطلق حملات توعوية ولقاءات لشرح إيجابيات هذا المشروع.
نفخ الحياة في معمل الكرنتينا المهجور!
في السياق نفسه، أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع وزارة البيئة والبنك الدولي وبلدية بيروت، مشروع إعادة تأهيل معمل فرز النفايات في الكرنتينا، الذي سبق وأن دُمِّر بإنفجار الرابع من آب العام 2020 وتوقف عن الخدمة، بعدما تمكنت وزارة البيئة من الحصول على مبلغ 10 ملايين دولار من الدول المانحة للبدء بإصلاح المعمل. ووضعت الوزارة المخطط التوجيهي الجديد لإدارة النفايات الصلبة في مدينة بيروت، حيث سيتم تأهيل ثلاثة خطوط للفرز من أصل ستة.
وخلال عام واحد، حسب وزارة البيئة، سيكون المعمل جاهزًا للعمل، الذي سيساهم بإدارة تحسين النفايات الصلبة في بيروت والمتن، وسيكون قادرًا على استيعاب حوالى ألف طن يوميًا من النفايات، وسيخفف الأعباء عن المطامر، وسيتم العمل على إعادة بيع المفروزات. وستتكفل المصانع اللبنانية بإعادة تصليح وتهيئة هذا المعمل. ويبقى التساؤل الأساسي: هل ستساهم هذه المشاريع في تغيير المشهد البيئي في لبنان؟