المصدر: المدن
الكاتب: فرح منصور
الأحد 5 تشرين الثاني 2023 15:08:58
غالبًا، إن سألت أي عائلة تقيم في إحدى القرى الجنوبية القريبة من الحدود اللبنانية-الفلسطينية، عن أسباب نزوحها نحو مناطق أخرى في جنوب لبنان (صور، العباسية، النبطية..) أو العاصمة بيروت، فإنك ستحظى بإجابات مكررة؛ خوف النساء، وصراخ الأطفال.
القلق والأرق
خلال الأسابيع الماضية، نزح الشطر الأكبر من أهالي القرى الحدودية نحو مناطق أخرى لأسباب عديدة، وأهمها أصوات المدافع والصواريخ وهدير الطائرات الحربية وطائرات المراقبة المسيّرة (MK)، التي من شأنها التسبب باضطرابات نفسية لدى الأطفال، والتأثير على حالتهم وسلوكهم، خصوصًا في ظل احتدام المعارك خلال ساعات الليل، وازدياد القصف المدفعي الذي يحرم الأطفال النوم، مسببًا لهم الأرق والخوف.
وبالرغم من إصرار بعض أهالي القرى الجنوبية على المكوث في منازلهم ومراقبة الأحداث الأمنية، خصوصًا أنهم معتادون على أصوات القذائف منذ عقود طويلة، واستمرارهم في التجهيز بشكل طبيعي لموسم الزيتون، لكن في المقلب الآخر، هناك حالات متنوعة لأشخاص نزحوا من مناطقهم، بعد تعرض أحد أفراد عائلتهم لاضطرابات نفسية (قلق، اكتئاب، أرق..)، ناتجة عن خوفهم المستمر من الموت تحت الركام، أو من تحول الطائرات الحربية التي تحلق فوق رؤوسهم إلى غارات حقيقية تنهي حياتهم وأحلامهم في لحظة واحدة. أي الخوف من الموت أو من فقدان أطفالهم، تمامًا كما يحدث في قطاع غزة.
من أجل ذلك، سارعت وزارة الصحة إلى تفعيل خطة طوارئ خاصة لجميع العائلات المقيمة في جنوب لبنان، بغية دعمهم نفسيًا وتقديم الرعاية اللازمة لهم، تجنبًا لأي اضطرابات نفسية من الممكن أن تصيبهم، بعد مرور أكثر من 3 أسابيع متواصلة على التطورات الأمنية في جنوب لبنان.
الدعم النفسي المتواصل
في حديثه لـ"المدن"، يشرح الدكتور ربيع حسامي، مدير البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة، عن تفعيل خطة الدعم النفسي المخصصة للعائلات، حيث عمدت وزارة الصحة إلى تجهيز المراكز النفسية في جنوب لبنان بالإمدادات الطبية، لتتمكن من تقديم خدماتها للعائلات ومتابعة حالات أفرادها النفسية والصحية ومراقبتها، مشيرًا إلى أن جميع المراكز التابعة لوزارة الصحة باشرت بالعمل منذ أسابيع وفقًا لخطة الطوارئ التي وضعتها وزارة الصحة.
هذا ولفت حسامي إلى أن المراكز النفسية بدأت بمتابعة العديد من الحالات التي تعاني من بعض الاضطرابات النفسية بسبب الأحداث العسكرية والأمنية الحاصلة في جنوب لبنان.
وجرى تفعيل الخطة النفسية بعد التنسيق مع البرنامج الوطني للنظام الصحي وعدد من المنظمات الدولية واليونيسيف، خصوصًا بعد أن تمكنت المنظمات الدولية من مساعدة وزارة الصحة خلال هذه الأزمة الاستثنائية، وإمدادها بالمستلزمات الطبية الضرورية.
متابعة خاصة
تمثلت الخطوة الأولى بتوزيع الفرق المتخصصة على المراكز الصحية لتدريب الطواقم الطبية على الإسعافات الخاصة بالصحة النفسية؛ أي تدريبهم على أساليب التعامل والتعاطي مع الحالات الخاصة المصابة بالقلق وأشكال الاضطراب النفسي والهلع وما إلى هنالك، فهم بحاجة إلى اهتمام خاص.
يشمل التدريب تلقين الطواقم الطبية أساليب التعاطي خلال الأزمات مع الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن، خصوصًا أنهم من الفئات الأكثر تأثرًا خلال الحرب. ويشير حسامي إلى أن الوزارة في صدد تجهيز مجموعة من النشاطات الهادفة إلى دعم العائلات نفسيًا واجتماعيًا داخل مراكز النزوح، أي في دور الإيواء المتوزعة في القرى الجنوبية وصيدا.
إجراءات متنوعة اتخذتها وزارة الصحة خلال الأسابيع الماضية، تحسبًا للحرب. إذ عمدت على التأكد من كمية الأدوية الطبية والنفسية المخصصة للإدمان وللأمراض النفسية، المتواجدة داخل المراكز التابعة للوزارة، تجنبًا لفقدان الأدوية في حال نشوب الحرب، ولتتمكن هذه المراكز من معالجة العدد الأكبر من النازحين وتأمين الخدمات الصحية والنفسية لهم.
ومن الطبيعي احتياج الوزارة إلى جمعيات متخصصة بالطب النفسي، ولذا باشرت تعاونها مع عدد من الجمعيات المتخصصة في المعالجة النفسية إلى جانب نقابة النفسانيين ومجموعة من المتخصصين في العلاج النفسي، لمساعدتها في تقديم جميع الخدمات المتعلقة بالرعاية النفسية، بما فيها نشر المعلومات المتعلقة بهذا الأمر للعائلات، ودعمها للحفاظ على صحة نفسية مستقرة.
أهمية هذه الخطة تكمن في سعيها لتجنب نوبات الاكتئاب، التي من الممكن أن تظهر لدى بعض الأشخاص، كسيطرة شعور اليأس والحزن عليهم، والرغبة في البكاء وانعدام الرغبة بالبقاء ووالشعور بالتعاسة وغيرها من أنواع الاضطراب النفسي التي قد تدفع "بعض الحالات" نحو الانتحار أحيانًا.