المصدر: وكالة أخبار اليوم
الأربعاء 8 تموز 2020 19:29:51
ما أجملهم، وما أروعهم، "عن جدّ". أربعة من خيرة الشباب اللّبنانيّين، وقفوا جنباً الى جنب أمس، "مبشّرين" النّاس بمجموعة من الأكاذيب الجديدة، "المُميَّعَة" لأسابيع، وهي طريقة تعوّدنا عليها لتطيير الحلول، و"قبرها"، ودفنها.
فحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ووزير الإقتصاد راوول نعمه، بمعيّة وزير الصناعة عماد حب الله، ووزير الزراعة عباس مرتضى، وقفوا سوياً، رغم الإختلافات السياسية المتشظّية في ما بينهم، والتي تصل الى الفضاء، متحدّثين عن سلّة غذائية مدعومة، بأصناف أكثر وأشمل من تلك التي أُعلِنَ عنها قبل أسابيع. ولكن المياه تكذّب الغطّاس دائماً.
لن ينجح
من فشل في ضبط الأسعار، بعد السلّة الأولى، لن ينجح في ذلك، ولو بعد الإعلان عن السّلة 100. كما أن جولة بسيطة على بعض المحال والسوبرماركت، تؤكّد أن الحلّ الغذائي سيكون حقيقياً، إذا نجحت مساعي إدخال جَمَل في ثقب إبرة.
لا نحمّل الحاكم والوزراء المسؤولية، وحدهم. ولكن هل سمع بعض المسؤولين في يوم من الأيام، مثلاً، بأن سعر 200 غرام من الكاكاو، ذات "ماركة" غير عالمية، وغير معروفة، تجاوز الـ 14 ألف ليرة لبنانية في متاجر عدّة؟ وهل هذا يجوز؟ (مع العلم أن سعر عبوة كاكاو من "ماركة" عالمية مشهورة، تجاوز الـ 31 ألف ليرة لبنانية!).
هل سمع؟
وهل سمع بعض المسؤولين، في يوم من الأيام، مثلاً، بأن سعر عبوة صغيرة من الخميرة، بات 5227 ليرة لبنانية، في محال عدّة؟ وهل هذا مسموح؟ وهل من الممكن بعد اليوم لمن يريد أن يحضّر بعض أنواع الخبز في منزله، أن يقوم بذلك، بسهولة؟
وهل سمع بعض من يُتحفوننا يومياً بـ "كثرة الحكي"، وباللّجان التي تدرس وتمحّص، والتي ترسب في امتحاناتها رغم ذلك، بأنّ شراء صندوق من المياه (6 عبوات) بات ممنوعاً في كثير من السوبرماركت، وبأن الحصول على المياه بات مُقونناً بعدد معيّن من العبوات؟
وهل سمع بعض من يتشدّقون على الشاشات، وكأن لا أزمة في البلد، بأن علبة واحدة من محارم "التواليت"، من "ماركة" معيّنة، قارب سعرها الـ 9 آلاف ليرة لبنانية، فيما أسعار علب من "ماركات" أخرى ليست أفضل؟ وهل سمعت تلك الطّغمة نفسها بأن شراء عبوة متكاملة من الصّابون، (تحتوي على 6 حبّات منها) بات ممنوعاً في كثير من السوبرماركت، وبأن الحصول على عدد يزيد عن 2 أو 3، يُمكنه أن يتسبّب بمشكلة مع الموظّفين؟
الكرامة!
هذا غيض من فيض ما يُمكن عيشه، في جولة تبضّع يومي بسيطة. والمسألة لم تَعُد تنحصر بتأمين الطعام والشراب، بل تتعدّى كلّ ذلك لتطال الكرامة البشرية. فهل من المسموح أن يصل الإنسان الى مرحلة يُضطَّر فيها الى تسوُّل مواد التنظيف، والنّظافة الشخصيّة؟
وهل سيُصبِح الإنسان مُخيّراً بين شراء علبة الجبنة أو اللّبنة، مع ربطة الخبز، أو الحصول على معجون الحلاقة، أو ربّما معجون تنظيف الأسنان، أو بعض المواد المُعطِّرَة؟ ومن أوصل الأمور الى هذا القدر من البشاعة؟ ومن هو المسؤول عن تخيير النّاس بين الجوع والجوع والجوع... والجوع، وبين فقدان الكرامة وفقدانها وفقدانها... وفقدانها؟
"يتمغّطون"..
والى من "يتمغّطون" على الشّاشات، أُخبرهم بما حصل معي داخل السوبرماركت أمس بالذّات. فإن رجلاً في المراحل الأولى من العقد الثّامن (كما بدا)، كان بصحبة أحفاده، يبحثون عن نوع معيّن من عُلَب اللّحم المُصنَّع. وعندما أعطيتُه واحدة منها، بادر للسؤال عن سعرها، لأنه نسيَ نظّارته في المنزل. وعندما عرف، طلب منّي إعادتها الى مكانها، وضحك مُظهراً فماً "مُفوخَر" الأسنان، قائلاً "الكلاب ما بياكلوا"، وانظُر الى كم وصل سعرها!
سلّة غذائية بأصناف جديدة مدعومة، في بلد فشِلَت فيه سلال الدّعم "الكوروني"، الغذائي والتعقيمي، في وقت سابق، كما أخفقت فيه مساعي دعم الأُسَر الأكثر فقراً، بما تبقّى من قيمة للّيرة اللّبنانية. وهذا يؤكّد استحالة النّجاح في أي سلّة مدعومة موعودة، في بلد فُقِدَ فيه الأساس، أي المبادىء والأخلاق، وهو ما أدّى الى بلوغ شعبه مراحل الجوع والعطش، وما يرافقهما، وما يتجاوزهما، مستقبلاً!!!...