المصدر: نداء الوطن
الكاتب: زيزي اسطفان
الخميس 10 تموز 2025 07:29:27
بخطوات حثيثة واثقة يستعيد لبنان دوره الرائد كمستشفى الشرق، والقطاع الصحي الذي عانى ما عاناه استطاع مواجهة التحديات المادية والبشرية ليعود ويواكب التطور التكنولوجي الكبير الحاصل في عالم الطب. اليوم، وفي سابقة طبية على مستوى المنطقة، شهد لبنان أول عملية جراحية روبوتية متطورة للكبد في خطوة تَعد بمستقبل مليء بالأمل لمرضى الكبد والبنكرياس، وتفتح المجال أمام تعميم استعمال الروبوت في الجراحات الدقيقة بغية الحصول على أفضل النتائج.
بدأ اعتماد الجراحة الروبوتية في لبنان منذ بضع سنوات وهي تستخدم بشكل عام في جراحات الجهاز الهضمي مثل جراحات المعدة والمصران الغليظ، والجراحات النسائية داخل الرحم إضافة إلى عمليات البروستاتا والمسالك البولية. وبحسب نقيب أصحاب المستشفيات د. بيار يارد هناك اليوم أربعة أجهزة روبوت تستخدم في المستشفيات اللبنانية ويتم العمل عليها من قبل أطباء مختصّين ومدرّبين. لكن الحدث الطبي الأهم تمحور حول استخدام الروبوت في واحدة من أصعب العمليات الجراحية وأدقها وأكبرها وهي عملية الكبد.
الجراحة الروبوتية: دقة وفعالية وتعاف سريع
استضاف مستشفى المشرق هذا الحدث الطبي المميز بالتعاون مع مركز Ircad Liban، ومقره داخل حرم المستشفى، وهو المركز الوحيد في الشرق الأوسط المتخصص في التعليم الجراحي الروبوتي المعتمد دولياً. د. أحمد أبو عباس الطبيب اللبناني العالمي المختص بجراحة الكبد والبنكرياس والقنوات الصفراء الذي أتى إلى لبنان خصيصاً من كاليفورنيا لإجراء هذه العملية الروبوتية الأولى من نوعها أعرب لـ "نداء الوطن" عن تفاجئه الشديد بالتطور التقني الحاصل في لبنان ووجود روبوت دافينتشي الأكثر تطوراً في العالم فيه وتحديداً في مستشفى المشرق. وأعرب عن استعداده لمزيد من التعاون من أجل تقديم أفضل الفرص لمرضى الكبد والبنكرياس. وشرح د. أبو عباس أهمية استخدام الروبوت في الجراحات عامة لكنه شدد على أهمية دور الطبيب الذي يقوم بإجراء الجراحة فهو قائد الأوركسترا الذي ينظم العمل ويديره ويراقب كل تفاصيله. والروبوت في الواقع عبارة عن جهاز يقوده الجراح كما يقود سيارة فيتحرك داخل المريض بدقة وفعالية. واستخدام الروبوت يتيح للجراحين العمل من خلال ثقوب صغيرة تشبه تلك المستخدمة في جراحة المنظار ومن دون إجراء جرح كبير، كما كان يتم في الماضي، ما يؤمن للمريض تعافياً أسرع وألماً أقل. ومن حسنات الروبوت كما يقول الطبيب المختص أنه يتيح إجراء عمليات جراحية معقدة كونه يعمل بدقة أعلى. فالكاميرا في داخله قادرة على تكبير الصورة حتى تسع مرات أكثر وهي كاميرا ثلاثية الأبعاد تتيح إعطاء صورة متكاملة لا يمكن للعين المجردة رؤيتها وهذا ما يجعل الطبيب قادرًا على رؤية حتى أدق الشرايين وإصابة الخلايا السرطانية بدقة أكبر كما يمكن إخاطة الجرح داخل البطن بدقة أكبر بكثير من استخدام اليد ما يجنب المضاعفات المحتملة.
الجراحة الروبوتية موجودة منذ زمن، لكنها الآن تشهد تطورًا كبيرًا ويتمّ اعتمادها من قبل الجراحين في مختلف أنحاء العالم. لكن يبقى الأبرز استخدامها اليوم في زراعة الكبد كما في إجراء عمليات جراحية لمرضى الكبد والبنكرياس ولا سيما الذين يعانون أورامًا فيهما، بعد أن كانت الجراحة لهذه الحالات في الماضي صعبة جداً ومعقدة وغير مضمونة النتائج. اليوم بفضل الروبوت، صارت الجراحة أقل صعوبة وخطراً ولم تعد تعتبر من أكبر العمليات كما كانت سابقًا حيث كان المريض الذي تجرى له عملية في البنكرياس مثلاً يحتاج إلى البقاء في العناية الفائقة أيامًا وفي المستشفى أقله أسبوعين مع آلام وأوجاع وقد يحتاج إلى شهر للبدء في تناول الطعام. بفضل الروبوت لم يعد المريض بحاجة إلى دخول العناية الفائقة ولا يبقى في المستشفى لأكثر من بضعة أيام ويعود إلى حياته الطبيعية بشكل أسرع . أما مرضى السرطان الذين يقومون بإجراء هذا النوع من العمليات، فهم يحتاجون في العادة إلى تناول علاج كيميائي ويفضل إعطاؤه فوراً بعد الجراحة. لكن حين يكونون متعبين بعد العملية الجراحية الكلاسيكية التي يمكن أن تمتد فترة التعافي بعدها لثلاثة أشهر فإن آلية البدء بالعلاج تتأخر وتشتد المخاطر لكن عند استخدام الروبوت يكون المريض قادراً على تلقي العلاج الكيميائي بعد أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع من الجراحة ما يعتبر عاملًا مساعدًا له.
ولكن مما لا شك فيه أن تكلفة العمليات الروبوتية بمعداتها المتطورة أغلى من سواها، خاصة أنها لا تشهد أية تغطية من الجهات الضامنة أو من وزارة الصحة اللبنانية، لكن على المدى البعيد قد تكون الكلفة الصحية والاستشفائية أقل كما يقول المختصون وذلك لأن المريض لن يبقى في المستشفى إلا لأيام قليلة ولا يحتاج للبقاء في العناية الفائقة التي تعتبر عالية الكلفة عادة.
تعاون المستشفيات ضرورة
نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان د. بيار يارد طالب بتحويل جراحة الروبوت إلى مجال للتعاون بين المستشفيات اللبنانية لا سيما أنه ليست كل المستشفيات في لبنان قادرة في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية على اقتناء جهاز روبوت بسبب سعره المرتفع وتكاليف صيانته الكبيرة. من هنا، فإن المستشفيات المزودة بجهاز روبوت مثل مستشفى المشرق وغيرها، يمكنها استقبال الجراحات الكبيرة التي يفضل استخدام الروبوت فيها القادمة من مستشفيات أخرى مثل سرطان البروستاتا أو سرطان الرحم وجراحات الكبد والبنكرياس ما يجعل الكلفة أقل على المريض والمستشفيات ويؤمن نتائج أفضل ويعطي الجراحين خبرة أعلى.
أين موقع لبنان اليوم روبوتياً نسبة للدول المحيطة التي تشهد تطوراً هائلاً على كل الصعد؟ الجواب بسيط يقول د. يارد. فقوة لبنان هي في عنصره البشري الطبي والتمريضي وفي مستشفياته المتطورة. اليوم، لبنان في أول الطريق الروبوتي كون الجراحة مكلفة حتى في أميركا نفسها وهي الدولة الأكثر تصنيعاً للروبوت. لكن في النهاية الروبوت مجرد آلة، أما مهارة الجراح فتبقى هي الأهم، وإلى الآن، مهارة الجراحين اللبنانيين قادرة على ملء كل الفراغات التقنية. لبنان حالياً ليس بعيداً عن الدول المجاورة بل يتقدم عليها بخطوة بفضل مركز IRCAD Liban للتعليم والتدريب. صحيح أن دولًا مثل الإمارات والمملكة العربية السعودية والكويت لديها مستشفيات متطورة وربما أجهزة روبوت متطورة، لكن لبنان قادر على تدريب الجراحين على استخدام هذا الجهاز بفاعلية وتمرس. وهو فخور بوجود أربعة أجهزة روبوت حالياً فيه. وثمة مستشفيات أخرى يقول النقيب قد أبلغت النقابة ووزارة الصحة بأنها على استعداد لاستقدام أجهزة جديدة. لكن، لا شك أن لبنان لن يكون لديه 150 روبوتًا على عدد مستشفياته. وهنا تبقى ضرورة التعاون بين المستشفيات حتى تستقبل كل المرضى الذين يحتاجون إلى جراحات روبوتية. والأهم أن تفكر الجهات الضامنة الرسمية والخاصة بتغطية هذا النوع من الجراحات. ورغم الصعوبات المادية تبقى نافذة الأمل مشرعة أمام القطاع الصحي حيث أبدى الرئيس عون اهتمامه الجدي أمام وفد من أصحاب المستشفيات واستعداده لمساعدة ودعم القطاع الصحي.
الروبوت مستقبل الجراحة
يؤكد رئيس IRCAD Liban البروفسور أنطوان معلوف وصاحب مستشفى المشرق أن إطلاق أول عملية جراحية روبوتية للكبد والبنكرياس في لبنان حدث يجسد رؤية Ircad Liban لتقديم تعليم جراحي عالي المستوى يواكب أحدث الابتكارات العالمية، بقيادة أطباء معتمدين دولياً. فأكاديمية إيركاد لبنان ليست مجرد مركز تدريب، بل هي منصّة استراتيجية تعيد للبنان دوره التاريخي كمركز طبّي إقليمي وتمنح الأطباء في الداخل والخارج فرصة الوصول إلى خبرات عالمية دون مغادرة المنطقة من خلال برامج تدريب احترافية ذات اعتراف دولي، في ظل واقع يفتقر فيه العديد من المراكز الأخرى للترخيص أو المعايير الأكاديمية المعتمدة. وإيركاد لبنان هو المركز الرابع عالمياً ضمن شبكة مراكز مماثلة تمتد عبر بلدان العالم من المركز الرئيسي في فرنسا وصولاً إلى البرازيل مروراً بالهند والصين وتنزانيا. وقد استضافت إيركاد على مدى يومين محاضرات وورشات تدريبية وجلسات محاكاة وعمليات مباشرة باستخدام الروبوت تمت متابعتها مباشرة في القاعة الكبيرة للمستشفى مع مشاركة واسعة من أطباء وتلاميذ في الطب من مختلف أنحاء لبنان. كما بثت الجراحة التي أجراها د. أحمد أبو عباس إلى إيركاد فرنسا ومن ثم ستبث إلى جميع مراكز إيركاد في العالم. وجدير بالذكر أن إيركاد ليست منصة تعليمية للبنان فقط بل هي معتمدة لكل منطقة الشرق الأوسط.
في سؤال حول المعايير التي يجب أن تتوفر في الطبيب الجراح حتى يتم تدريبه على الجراحة الروبوتية عبر إيركاد، أجاب د. معلوف أن الإرادة بالتعلم هي أولى الخطوات المطلوبة وبعد أن يتمّ تقييم قدرات الجراح يحتاج إلى عدد معين من ساعات التدريب. يبدأ التمرّن على استخدام الروبوت عبر استخدام جهاز المحاكاة أولاً والقيام بالخطوات بطريقة افتراضية إلى جانب الطبيب لينتقل بعدها إلى المرحلة الأخيرة اي إجراء العمليات بنفسه. ومدة التدريب تعود إلى كفاءة الطبيب الذي ينال شهادة مشاركة من إيركاد ليتمكن بعدها من العمل على الروبوت.
"المستقبل هو حتماً للروبوت يقول د. معلوف، ولا بد لتلامذة الطب اليوم أن يتعلموا استخدام هذه الأجهزة التي تشكل مستقبل الطب الجراحي في العالم. وبعد بضع سنوات سيصبح الروبوت الوسيلة المعتمدة في كل الجراحات فكما انتقل الطب الجراحي من الجراحة المفتوحة إلى جراحة المنظار هكذا ستكون الجراحة الروبوتية الخطوة المستقبلية التي ستستمر في التقدم متكلة على معطيات الذكاء الاصطناعي وتطوره".