المصدر: النهار
الكاتب: روزانا بو منصف
الأحد 13 تموز 2025 10:21:04
يواكب " حزب الله" استعادة إيران لهجة التصعيد إزاء شروط المفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية برفع لهجة التصعيد إزاء نزع أو تسليم سلاحه إلى الدولة اللبنانية. ومع أن الموفد الأميركي توماس براك أصرّ كما يصر مسؤولون أميركيون كثر على عدم ربط موضوع نزع سلاح الحزب بالمفاوضات مع إيران، وهو قدّم مقاربة مهمة جدّاً تقر بلبنانية الحزب، فإن أوساطاً سياسية لبنانية لا تجاري الموقف الأميركي حول عزل مواقف الحزب وتشدّده عن المواقف الإيرانية.
ففي الوقت الذي أقرّ برّاك أن التوقيت الراهن مهم نتيجة إضعاف إيران بعد الضربات الإسرائيلية والأميركية على منشآتها النووية وبعد إضعاف الحزب بالحرب مع إسرائيل، فإن جزءاً كبيراً من احتمال إبداء الحزب تعاونه مع الدولة اللبنانية لنزع سلاحه وفق ما وافق عليه في اتفاق وقف النار وأكثر وفق ما تطالب به راهناً الولايات المتحدة سيعد إقراراً من إيران ومعها الحزب بالهزيمة فيما أن سردية كل منهما إزاء الهزيمة والانتصار مختلفة.
فإيران أضعفت في شكل كبير ولا تزال وفق مصادر ديبلوماسية تواجه مخاطر داخلية كبيرة في ظل عدم قدرتها على الوصول إلى منشآتها النووية لتقدير حجم الأضرار فعلياً، لكنّها تقاوم بقوة فكرة العودة إلى طاولة المفاوضات بموافقتها على صفر تخصيب على أراضيها حتى مع فقدانها ورقة الدعم الروسي الذي يعد الداعم الرئيسي لإيران دبلوماسياً في ملفها النووي منذ سنوات حين كانت تتحدّث روسيا علناً عن حق إيران في التخصيب، قبل أن يبدّل الرئيس الروسي موقفه ويقول إنه لا يريد أن تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم على أراضيها.
وأيّاً تكن خلفيات موقف هذا الأخير المتّصلة بأوكرانيا والموقف الأميركي المستجد من استمرار مد أوكرانيا بالمساعدات العسكرية، فإن الموقف الروسي يضعف الموقف الإيراني. ولذلك هناك ثمة اقتناع بأنّه ما لم تتحرّك الأمور إيجاباً مع إيران التي يعتقد أنّها تشدّدت حيال ما تبقّى من أوراقها الاقليمية لاسيما إزاء ملف نزع سلاح الحزب بما يعنيه ذلك من تغيير لطبيعته وإيدلوجيته، لن تتحرّك الأمور إيجاباً بالنسبة إلى قدرة الدولة اللبنانية على مقاربة هذا الموضوع الذي تأخّرت فيه وأثارت حتى الآن إحباطاً كبيراً داخلياً سبق كل الدخول الأميركي بورقة أفكار لنزع سلاح الحزب.
وحتى الآن، عدت مقاربة برّاك الذي لوّح بها بعصا غليظة جدّاً تتّصل بـ"خطر الوقوع في قبضة القوى الإقليمية ما لم تتحرّك بيروت لمعالجة مخزونات أسلحة الحزب، بأن لبنان بحاجة إلى حلّ هذه القضية وإلا فقد يواجه تهديداً وجودياً معتبراً أن "إسرائيل من جهّة، وإيران من جهّة أخرى، والآن سوريا تتجلّى بسرعة كبيرة، وإذا لم يتحرّك لبنان، فسيعود إلى بلاد الشام من جديد"، مستخدماً الاسم التاريخي للمنطقة السورية، نقطة خطيرة ولو أنّه سعى إلى تصويب ذلك أو التخفيف من وطأته بقوله إنّه لم يسعَ إلى تهديد لبنان. فالنقاط التي أثارها جدّية ومن الاحتمالات التي لا تغادر اللبنانيين. وهو بعدما غادر بيروت، كشف عن المقلب الآخر من تصريحاته الديبلوماسية المراعية جدّاً والتي أعطت دفعاً للسلطة ، لاسيما عندما صرّح بأن لبنان يواجه تهديدات وجودية (هذا صحيح)، وخاصةً اندماجه في بلاد الشام.
قد يكون السبب هو الضغط على اللبنانيين، أو ربّما فصل مُحدّث من نهج دين براون بشأن لبنان عام 1976. لا شيء مُشجع، والبعض من الديبلوماسيين تساءل من الأنسب لنا كموفد أميركي مورغان أورتاغوس أم توماس برّاك علماً أن كل الكلام الديبلوماسي الهادىء الذي طبع مواقفه في بيروت لم يحل من دون اعتبار هؤلاء الديبلوماسيين أن أسلوب الرجل مختلف ولكن المضمون واحد بين الموفدين الأميركيين وكل الزوّار الأميركيين على أي مستوى حول ضرورة تحرّك لبنان في شكل عاجل وعدم التباطئ الذي ينعكس سلباً على لبنان.
وهذه النقطة المتعلّقة بالتحرّك العاجل الذي تريده واشنطن أيضاً لاعتباراتها الخاصة يخشى أنّها لن توفّره إيران ولا الحزب للولايات المتحدة ليس فقط من أجل عدم إعطائها الانتصار الذي تريده، بل وفي ظل التهديد بأن هناك مهلة زمنية مرتبطة بعد امتلاك الرئيس الأميركي دونالد ترامب الصبر للاستمرار في محاولة إنجاح المسعى الأميركي تحت وطأة ترك لبنان لمصيره، فإن لهذه النقطة وجهين: الأول إن لبنان قد يخسر الوساطة أو الرعاية الاميركية من أجل الضغط لانسحاب إسرائيل من لبنان في وقت تفتقد أي من الدول الصديقة هذه القدرة في إقناع إسرائيل أو الضغط عليها. وثانياً أن ايران والحزب قد يستفيدان من انسحاب الولايات المتحدة أو تراجعها من أجل تثبيت "انتصار الحزب" بتراجع أميركا من جهّة ونجاحه في ذلك واحتمال توظيف إيران ذلك من أجل تثبيت قدرتها في إعادة السيطرة على القرار اللبناني فيما أن هذا القرار متعثّر ومتردّد في مقاربة أشد حزماً إزاء الحزب وسلاحه.
فيما أن لا مصلحة للبنان بانسحاب الولايات المتحدة من رعاية اتّفاق يؤدي إلى سحب اسرائيل قوّاتها من لبنان ولا مصلحة للحزب كذلك في ظل اختلاف المقاربات بين 1983 والظروف الراهنة. ولكن كما يرفع الحزب سقوفه التفاوضية وفق ما اعتبر الموفد الأميركي، كذلك تفعل الولايات المتحدة في الوقت الذي وإن بدت الدولة اللبنانية حتى الآن لاعباً أساسياً، وقد أسكرتها إشادة الموفد الأميركي بها على قاعدة إعطائها دفعاً في وجه منتقديها المزايدين عليها في شكل خاص وكذلك إزاء الحزب ومنطقه التهديدي الذي خفّفت مواقف برّاك من غلوائه، ولكن الخشية أن تكون لاعباً سلبياً في ظل طغيان لغة الحزب وخطابه ومفاخرة بتبني الدولة لمقاربته وتهديده للبنانيين كذلك في الوقت نفسه، الأمر الذي لا يحظى بأي رد فعل رسمي على أي مستوى كان لجهة ضبط الخطاب الداخلي وإدارته.